تنهض من غفوة الليل على نسيم صباحٍ جديد، تفتح عينيك في هدوء، تتحرّك بلا ألم، تمدّ يدك إلى طعامك، وتكمل يومك كما لو أن الكون بأسره يمضي بك في سلام.
كل شيء يبدو طبيعياً، لكنه ليس عادياً، إنه استثنائي، وإن تنكّر له الشعور.
فأين الامتنان؟
لماذا لا ينطق القلب بشكرٍ عميق؟
لأننا، ببساطة، ألفنا النعمة حتى ذابت من وعينا!
حين يُقيم العقل في أرض الاعتياد، يُصاب بالعمى عن الجمال الساكن.
يسمي علماء النفس هذا السكون بـ “التكيّف الإدراكي”—حالة يغدو فيها الذهن عاجزًا عن رؤية ما لا يتغير، ولو كان عظيمًا.
ولقد صدق التنزيل حين قال: “وقليلٌ من عباديَ الشكور”. كلمات تهزّ الوجدان، تفتح نوافذ الروح على حقيقةٍ غائبة: أننا كثيراً ما ننسى، ونادراً ما نُبصر.
النعمة لا تُدرك بالتكرار، بل بالتأمل.
فالشكر الحق لا يبدأ من اللسان، بل من العين التي تبصر، ومن القلب الذي يعي.
فلنُعلّم أنفسنا أن ننظر إلى ما نملك كما ننظر إلى ما نفقده، بعين الوعي لا بعين العادة.
جدد بصرك… ولا تنتظر فقد النعمة كي تفتقدها، بل تأملها الآن، في حضورها الصامت، وقل من أعماق قلبك: الحمد لله الذي أنعم، فستر، ومنح، فغمر.