الباراديغم هو نموذج أو إطار مفهومي يُستخدم لفهم وتفسير ظواهر معينة. في العلوم، يشير إلى مجموعة من القيم والمفاهيم والأساليب التي يتبناها مجتمع علمي معين. يتمثل دور الباراديغم في توجيه البحث وتحديد الأسئلة التي تُعتبر ذات أهمية، الدوغماتية تشير إلى التفكير أو الاعتقاد الثابت الذي لا يقبل الشك أو النقد. في سياق الفلسفة والعلم، تُعتبر الدوغماتية عائقًا أمام التفكير النقدي، لأنها تعزز القبول الأعمى للمعتقدات دون تدقيق أو تحليل. يُمكن أن تؤدي الدوغماتية إلى مقاومة التغيير والابتكار، اما الأبستمولوجيا هي فرع من الفلسفة يهتم بدراسة طبيعة المعرفة، مصادرها، وحدودها. تطرح أسئلة مثل: ما هي المعرفة*؟ كيف نحصل عليها؟ وما هو الأساس الذي يجعل اعتقادًا ما صحيحًا؟ تستكشف الأبستمولوجيا الفروق بين المعرفة الموثوقة والاعتقاد العشوائي، وتُعتبر ضرورية لفهم كيفية تطور العلوم والمفاهيم المجتمعية، تتفاعل هذه المفاهيم مع السرديات التاريخية بشكل معقد، حيث تؤثر الباراديغم على كيفية سرد الأحداث، بينما قد تحد الدوغماتية من الابتكار الفكري. في المقابل، توفر الأبستمولوجيا الأدوات اللازمة لتحليل وفهم هذه الروايات بشكل نقدي، مما يعزز من دقة وموضوعية السرد التاريخي.
ويمكننا القول إن علاقة الباراديغم بالأبستمولوجيا والدوغماتية هي علاقة تفاعلية وتأثيرية. فالباراديغم يحدد كيفية اكتساب المعرفة وتقديرها في مجال علمي، وبالتالي ينطوي على افتراضات ابستمولوجية. كما أن الباراديغم قد يصبح دوغماتيًا إذا لم يكن قابلاً للتغير أو التطور والتحدي. بالمقابل، فإن المنظور الابستميولوجي يؤثر في اختيار أو تقبل أو رفض براديغم معين. وكذلك هو الموقف الدوغماتي قد يعرقل التقدم العلمي أو يحد من الابتكار أو يسبب الصراعات.
هناك أسئلة تثار في الذهن المتوقد هل المعرفة تخضع لمبادئ، وقواعد، ومعايير ثابتة، ومطلقة ؟، أم هي تخضع لمصالح، وقيم، وأهداف نسبية، ومتغيرة؟، في الحقيقة لا توجد إجابة واحدة أو نهائية على هذا السؤال، اختلف الفلاسفة والعلماء على مر العصور حول طبيعة المعرفة وأصولها وحدودها. بعضهم رأى أن المعرفة ثابتة ومطلقة، وأنها تستند إلى العقل، التجربة، الوحي، أو الحدس. بعضهم الآخر رأى أن المعرفة نسبية ومتغيرة، وأنها تستند إلى اللغة، الثقافة، الإيديولوجية، والسياق. كما اختلف الفلاسفة والعلماء والمفكرون على مر العصور حول دور وقيمة الأديان في أبستمولوجيا المعرفة. بعضهم رأى أن الأديان هي ضرورة لتوجيه الإنسان نحو الخير والسلام والتضامن، وأنها تحمل رسائل إلهية أو حكمية تحتوي على حقائق عن الوجود والغائية، بعضهم الآخر رأى أن الأديان هي عائق أمام التقدم والحرية والتنوير، وأنها تستند إلى أساطير وخرافات تحتوي على أخطاء وتناقضات، لا يمكن لأي شخص أو تيار فكري أن يدعي الحصول على الحقيقة المطلقة فيما يتعلق بالأديان أو المعرفة، الأديان وفلسفة المعرفة تتعاملان مع مجموعة واسعة من المسائل والاعتقادات التي تختلف بين الأفراد والثقافات، تتميز الأديان بمجموعة من المعتقدات والتعاليم الروحية التي يؤمن بها أتباعها، بينما تستكشف الفلسفة الأفكار والمفاهيم الأساسية التي تتعلق بالحياة والوجود.
الوصول إلى الحقيقة عن طريق العقل هو مسألة معقدة تعتمد على كثير من العوامل. العقل هو وسيلة لاكتشاف وفهم العالم من حوله، والتوصل إلى الحقائق عن طريق العقل هو أساس العلم والفلسفة، من خلال استخدام العقل، يمكن للإنسان أن يقوم بتجميع المعلومات والأدلة، وتحليلها، والتفكير فيها بشكل منطقي. “يستخدم العقل أدوات مثل الملاحظة والتجريب والاستدلال المنطقي والتحليل العقلي لاستكشاف العالم واكتشاف الحقائق. (“غالب المسعودي – الباراديغم الدوغماتية والإبستمولوجيا”) ** وتجب أن الملاحظة أن العقل البشري ليس مثاليًا تماما وقد يكون معرضًا للخطأ والتحيز. وهذا يؤثر على قدرة العقل على الوصول إلى الحقيقة بشكل مطلق، علاوة على ذلك، يواجه العقل البشري قيودًا في بعض المجالات، مثل المفهومات الفلسفية العميقة أو المسائل التي تتعلق بالأخلاق والقيم، و قد يصعب على العقل الفردي الوصول إلى إجابات نهائية في هذه المسائل المعقدة، على الرغم من أن العقل هو أداة قوية للاكتشاف العلمي والتوصل إلى الحقائق، إلا أنه ليس الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة في العالم الخارجي، قد يتطلب الأمر أيضًا التعاون مع الآخرين ومشاركة المعرفة والتجارب للوصول إلى فهم أعمق وأكثر شمولًا للحقيقة.
رغم ان العقل البشري لديه القدرة على التحليل النقدي والتفكير النقدي، هذا يمكنه من تجاوز التحيزات الشخصية والوصول إلى مستوى أعلى من الحقيقة، هذا عندما يكون الشخص على استعداد لتحدي المعتقدات السابقة وفحص الأدلة والمعلومات بشكل منصف، يمكنه من أن يقترب أكثر من الحقيقة، وذلك بتجاوزالباراديغم والدوغماتية لأنها أما أن تكون نظارة ذات لون محدد أمام العقل أو أنها لا تتيح الرؤية الجانبية الممتدة أفقيا وعموديا للأبستمولوجيا، عندها سيكون هناك تعارض في الأدلة الواقعية الوجودية ونظرية المعرفة، إن الأشخاص من ثقافات المختلفة قد يتبعون مسارات مختلفة لفهم الحقيقة المطلقة، و يتمثل هذا التعارض في التفسيرات المختلفة، أو بين المفاهيم الفلسفية المتنافرة، و بين النصوص المقدسة المختلفة، هذا التعارض لا يعني بالضرورة أن إحدى الأدلة أو الأمثلة تكون صحيحة على حساب الأخرى، لكنه يعكس ببساطة وجهات نظر ومعتقدات متنوعة تعتمد على الثقافة والتجربة والتراث الفكري لكل فرد ومجتمع، في مثل هذه الحالات، يكون من المهم أن يتمتع الأفراد بالاحترام والتسامح تجاه وجهات نظر الآخرين ومعتقداتهم، كما يمكن أن يكون الحوار والتفاهم المتبادل دون لف عنق الحقيقة باتجاه وجهة نظر ثابتة لان الحقيقة نفسها لا تتقبل أو ترفض وجهات النظر، وإنما تكمن في الواقعية الوجودية وان حقائق المعرفة موجودة بغض النظر عن الآراء أو الاعتقادات الشخصية.
التناقضات بين النظريات الفلسفية والوحي الخارجي
يمكن ان يكون هناك تناقض بين بعض النظريات الفلسفية والوحي الخارجي فيما يخص الحقيقة، ذلك يعتمد على كيفية تسجيل الوحي والتثبت منه أبستمولوجيا وفهمه وتفسيره وكيفية تطبيقه في سياق ثقافي وديني محدد. في المفاهيم الدينية، يعتقد الأتباع أن الوحي يمثل الحقيقة المطلقة ولا يقبل التنازل أو النقض، في هذه الحالة، يتعارض مع النسبية التي تعتبر الحقيقة نسبية ومتغيرة مع وجهة نظر معظم الفلاسفة، وهذه هي الدوغماتية بحقيقتها رغم ذلك يحاول المفسرون ان يجدوا طرقًا لتوفيق بين النظريات الفلسفية والوحي، عن طريق تفسير الوحي بما يتوافق مع النظريات الحديثة وذلك عن طريق التأمل والتفكير العميق في العلاقة بينهما.
تعتبر الأدلة الأثرية والأركيولوجية جزءًا من المصادر التي يمكن استخدامها لفهم الأحداث التاريخية والثقافية القديمة. ومن الممكن أن تتوافق بعض منقولات الوحي مع الأدلة الاركيولوجية الموجودة، وتؤكد بعض الأدلة المادية على حدوث أحداث تاريخية محددة، رغم ذلك يجب أن نفهم أن الأدلة الاركيولوجية غالبًا ما تكون مفسرة وفقًا لتحليلات واستنتاجات الباحثين، وقد تكون هناك تفسيرات متناقضة للأدلة نفسها إن قبول وتصديق منقولات الوحي يعتمد على الاعتقادات الشخصية والقناعات الدينية والثقافية للفرد وقد يكون هناك تناقض بين الاعتقادات الدينية والعلمية أو الأدلة الاركيولوجية، وهذا يشكل جزءًا من التنوع والتعدد ،لكن وجود التفسيرات المختلفة في العالم والنظريات المختلفة لا يجب أن يسفه المفكرين المختلفين بدواعي دوغماتية ووضع براديغم محدد اتجاه المختلف واعتبار أن البحث الابستميولوجي حق لكل انسان مهما كانت الطريقة التي تكون معتقده للوصول إلى الحقيقة النسبية. لان الحقيقة المطلقة غائبة معرفيا.
————————
https://www.elmajale.com/2023/02/blog-*
post_18.html
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=809480**