22 نوفمبر، 2024 6:57 م
Search
Close this search box.

المالكي و السلطة

بعد انتخابات 2014، أدرك المالكي أن فرصته في الولاية الثالثة ضئيلة لاسباب عديدة. أهم الاسباب أنه إتلافه (دولة القانون) لم يحصل على الاغلبية. السبب الثاني: المعارضون من داخل البيت الشيعي (كتلة المواطن وتيار الاحرار) ومن خارجه (الاكراد والوطنية، متحدون وآخرون). السبب الثالث: عدم تماسك السند الايراني ولا الرغبة الامريكية لاستمرار المالكي في السلطة.

كانت الاخبار قد تواترت عن قرب اعلان أكبر تكتل معارض قد يحصل على (170) مقعدا مما يؤهله لتشكيل الوزارة، وهو ما من شأنه أن ينهي مستقبل المالكي السياسي، وقد يلقي به خلف القضبان او يجبره على المنافي. لكن ايران لم تجد في بدائل المالكي ما يرضي الطموح. فهي لا تؤازر أي تقارب سني-شيعي حقيقي، ولن يكون توجه كتلة المواطن والاحرار للتكتل مع اياد علاوي والنجيفي مرضيا بالنسبة لها. وهي حريصة على ابقاء الإتلاف الوطني (شيعي المكون) متماسكا ظاهريا، بحيث لا يلجأ الى تحالفات خارجة عنه. ابدت ايران تمسكها بحصة الشيعة في رئاسة الوزراء مع تفضيل نسبي للمالكي لانها تراه محققا لمصالحها بشكل مضمون أكثر من أي مرشح حاليا.. خاصة أن ايران غير راضية عن تحركات مقتدى الصدر الوطنية ولا براكماتية ووسطية عمار الحكيم.

وفي ظل اجواء من الابتعاد الامريكي النسبي عن ولاية المالكي الثانية، بدأت الحكومة بصراعات لا نهاية لها مع الجوار الخليجي (عبر اتهام قطر والسعودية بدعم الارهاب في العراق)، او التركي (تصدير نفط كردستان واشكالات اخرى)، وصراعات مع سنة العراق، واخرى مع الاحرار ومع نواب مستقلين. توجهت الحكومة نحو التفرد بالرأي والسيطرة على الهيئات المستقلة (شبكة الاعلام وتوابعها، مفوضية الانتخابات، المحكمة الدستورية العليا ، والبنك المركزي العراقي).. وقامت كتلة رئيس الوزراء بتفتيت الكتل الاخرى خاصة (العراقية) التي حصلت على 93 مقعدا في الانتخابات قبل 4 سنوات، متقدمة على إتلاف رئيس الوزراء بأربعة مقاعد. كذلك، استلم المالكي زمام الوزارات الامنية (وزير الدفاع، وزير الداخلية، الاستخبارات، الامن الوطني). رغم كل ذلك، ارتفع معدل العنف الى اعلى درجاته في الولاية الثانية وحصلت اضطرابات عديدة خاصة في مناطق (الانبار، صلاح الدين، والموصل)، ولم تحقق الحكومة أي تقدم في ملف الخدمات، او الرفاه الاجتماعي في بلد نفطي غني جدا. السيناريو المحتمل:

* العامل الجوهري لنجاح المالكي في مسعاه للبقاء في السلطة عليه ان يكسب الوقت. أي أن يطيل المدة الزمنية بين نهاية الانتخابات وانعقاد مجلس النواب. خلال ذلك، يمكنه استمالة عدد من النواب القلقين غير المؤدلجين او (غير المخلصين لكتلهم وإتلافاتهم). يمكنه ايضا ان يستخدم عددا هائلا من الملفات

(بالفساد المالي والارهاب وحتى الجنسي) كي يضغط بها على بعض النواب فيكسبهم لصالحه. يمكنه تفتيت الكتل المائعة خاصة ذات الطابع السني وبعض نواب الاحرار والمواطن.

* العامل الآخر هو موقعه الرسمي: أي رئاسة الوزراء التي تجتذب اليه الكثير من المقاعد خاصة حينما يتيقن العديدون أن المالكي (لن يعطيها – بتعبيره) أي أنه سيتمسك برئاسة الوزراء بأي وسيلة. اقتناع بعض النواب بذلك يجعلهم يأخذون الجانب الآمن والاقوى فيلتحقون به.

* العامل الثالث: محاولة تعطيل المؤسسة التشريعية وانتقال السلطات الى يد المالكي وهو ما يعد أكبر انتصاراته لو تحقق (حصل ذلك بعد انهيار الجيش في الموصل) . سيستخدم السلطة حينها للبطش بغرمائه السياسيين وسوف يجعل ذلك معارضيه في موقع ضعيف جدا. سيصدر القوانين، وسيتحكم بالميزانية، وستصدر اوامر القبض على مجموعة كبيرة من المعارضين. كل ذلك يأتي عن طريق إعلان حالة الطوارئ عبر قانون (السلامة الوطنية). وبما أنه لم ينجح في استحصاله من مجلس النواب، وبما أن رؤساء الكتل وقفوا ضده بعد سقوط الموصل بيد داعش والجماعات المسلحة؛ فإن خياره الوحيد هو اعلانه حالة الطوارئ بنفسه دون الرجوع الى البرلمان السابق او انتظار البرلمان القادم. ساعده في هذا الموقف فتوى المرجعية الدينية في النجف، والتيار الشعبي المتطوع لقتال المسلحين بالاضافة الى بعض التقدم في بعض المناطق المتوترة امنيا مثل تلعفر وقصبات تكريت.

* لو تمكن المالكي من الانتصار في معركته في نينوى وصلاح الدين، فإنه سيذهب الى مجلس النواب وفي جعبته المقاعد الكافية للولاية الثالثة خاصة بعد ان يقوم بعدة تحركات في اتجاه تجميع المقاعد وكسب الاصوات.

* ولو تولى المالكي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة فأن المعارضين الرئيسيين سيتعرضون لاعمق واقوى ضربة في تاريخهم السياسي.. ربما يكون السماح للسيد المالكي بولاية ثالثة هو انتحار سياسي بكل ما في الكلمة من معنى. حينها، وبعد أن تضعف المعارضة الى ادنى درجاتها، سيذهب إتلافه (الذي سيتضاعف حينها ربما) الى هجر النظام البرلماني واقرار النظام الرئاسي. وبما أن الجمهور العراقي ينتخب السلطة مهما كان اداؤها فإن حصة المالكي من الانتخابات لا شك ستتجاوز الاخرين، مع الاخذ بنظر الاعتبار سيطرته على المفوضية، وبعض الممارسات من قبيل تقريب شيوخ العشائر، واستثمار المرجعية، وتوزيع قطع الاراضي، والتقاعد الخ..

* يبدو ان العراق متوجه نحو صراعات خطيرة جدا قد تذهب به الى التقسيم او الفدراليات المتناحرة. ومثلما ترك صدام حسين العراق اطلالا، يقول المراقبون، أن العراق بعد المالكي سيصبح دويلات، هذا إذا لم تستمر الاوضاع مثل السنوات الثمان التي انقضت من حكمه مع انهيارات واشكالات اكثر خطورة.

أحدث المقالات