لابدّ أنّ القرّاء ” او معظمهم ” يتذكرون التصريح المدوّي لترامب قبل تولّيه او تسنّمه الرئاسة في الدورة الثانية – الحالية , حينَ اعلنَ في حينها أنّه سوف يوقف وينهي الحرب الروسية – الأوكرانية خلال 24 ساعة ( وهو تصريحٌ متسرّع ) .! اذا ما نجح في تسلّق سُلّم الرئاسة , كما لابد من الإستذكار أنّ الرئيس الأمريكي اجرى اتصالات هاتفية شبه مكثّفة مع الرئيس بوتين آنذاك إتّسمت بنوعٍ من الودّية , كمحاولة وساطة او توسّط لوقف الحرب مع ” كييف ” , وكذلك الأمر في اتصالاتٍ تقليدية مع زيلينسكي لم تكن بذلك المستوى مع بوتين , بينما تتوّجت بلقاءٍ ميداني شديد التوتّر في البيت الأبيض بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني , لكنّ ما اعقب ذلك مؤخراً لقاءٌ او اجتماعٌ آخرٌ يتّسم بغرابة التوصيف ” حين جرى ذلك اللقاء عبر كرسيين متقابلين بشدة لبعضهما – وجهاً لوجهٍ متقاربين ” في قلب مبنى الفاتيكان , وذلك قبل دقائقٍ من بدء مراسم جنازة البابا المرحوم السيد فرنسيس
من زاويةٍ سيكولوجية وحتى سوسيولوجية . من الملاحظ أنّ الرئيس الأمريكي يسرع او كأنه يتسارع في اطلاق الكلمات وخصوصاً في الرّد على اسئلة الصحافة , ولاسيما اذا ما كانت تلكم الأسئلة مفاجئة له او لم يتوقعها < وقد قيل يحقّه تندّراً أنه يطلق مفردات اجاباته صلياً > , وذلك ما قد ينعكس على قراراته في الأزمات الخارجية والدولية , حيث بقدر سعيه لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية دونما خطة عمل مسبقة وخصوصا في اشراك دول الناتو بذلك , فقد اضطرّ مساء امس ” ولا نقول رغم انفه ” بالإقرار عن فشله في البتّ بهذا الملف مُحمّلاً الرئيس بوتين مسؤولية ذلك ( ودونما اشارة الى ايّ ضغوطٍ مفترضة على سيّد زيلينسكي ) وبعض ذلك صائب , لكنّ الرئيس ترامب كرجل اعمال ومال من الطراز الأول , لم يترك استثمار هذا الفشل إلاّ بتحويله ونقله الى مسألةٍ ربحيةٍ تجارية مرفقة .! , حيث وخلافاً لوعوده السابقة بهذا الصدد الذي يتطلب حالة التوازن بين موسكو وكييف , فقد فاجأ الرأي العالمي ووسائل الإعلام بقراره بأرسال اسلحة امريكية صاروخية الى اوكرانيا , مشترطاً مسبقاً أن تدفع دول الناتو اثمان تلك الأسلحة .! فعلى الرغم من أنّ هذه الدول تتعامل وتتعاطى مع موسكو وكأنها عاصمة الأتحاد السوفيتي السابق قبل تفكّكه ومن زاويةٍ كأنها سياسية – سيكولوجية , انّما ما الذي يُرغم هذه الدول لدفع اثمان هذه الأسلحة الأمريكية ؟ وهل سيكون ذلك بالتساوي او بنسبٍ محددة ومفترضة .! , لكنّ الملاحظ ايضاً أنّ قرار ترامب هذا والذي يبدو انه صيغَ بذكاءٍ لافت .! فإنّ الأسلحة الأمريكية المراد ارسالها واستلام ثمنها مسبقاً , فهي اسلحة دفاعية تقتصر على منظومات صواريخ باتريوت المضادة , والتي بالطبع ليس لها ايّ تأثيراتٍ عكسية او متضادة للجيش الروسي .! , ولعلّ الأغرب او اللافت اكثر في هذا القرار التسليحي الأمريكي الجديد , هو أنّ الرئيس ترامب حدد مدّة 50 يوماً فقط لإتمام هذه العملية , ولا يمكن الإدّعاء او الزعم بأنّ تحديد هذه المدة هو لعدم خدش مشاعر الكرملين الى حدٍ أبعد .! , ودونما إدّعاءٍ آخر بأنّ ترامب في عجالةٍ من أمره لقبض اثمان هذه الصواريخ , ولعلّ او كأنّ تسرّع الرئيس الأمريكي في ذلك هو دونما معرفة اجابات وموافقات دول حلف الناتو على تكاليف تلك الأسعار ” التي ربما باهضة وغير المعلنة في الإعلام ” .
كيما ولئلاّ نحصر طبيعة وطباع الرئيس الأمريكي في اتخاذ القرارات المتسرعة في الشأن الروسي – الأوكراني فحسب , فما برحت عالقة في الأذهان مواقف ترامب المتذبذبة والمتغيرة في احداث وجرائم غزة بدءاً من تحويلها الى ريفيرا جديدة ومروراً بإخلاء وترحيل كلّ سكانها الى مصر تارةً والى الأردن بأخرى , مع صمته المطبق الى منع اسرائيل لإدخال المساعدات الغذائية والدوائية , ومن ثَمّ ارسال كميات من الطحين الأمريكي المخلوط بالمخدرات الى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة , وهذا هو الجزء الظاهر ” ليس من جبل الجليد ” وانما ممّا تسرّب الى الإعلام ممّا يدور ويلتف في الخلفية السيكو – سياسية للرئيس الأمريكي , أمّا الجزء او الأجزاء غير الظاهرة بعد , اوالتي لم يحن موعد ظهورها , فهو ماستدفع ثمنه المزيد من دماءٍ فلسطينية , وملحقة او ملتصقة بكل وصمات العار العربي , المتوّجة بدول التطبيع والتمييع .!