الربا فقهيا واقتصاديا

الربا فقهيا واقتصاديا

سالت فقيه عن بعض المعاملات التي تثير الشبهة فقال لي انه عملنا التاجر فاجر ان لم يتفقه في الدين وعليه فنحن نجد له الحيلة لتاخذ الحلية معاملاته ، أي الحيلة اصلها حلية ، قلت له والاحتيال اصلها حلال ، فعبس بوجهي ، فقلت له ما هي علة تحريم الربا ، قال لا اعلم المهم ان الربا حرام وهل تعلم ان الله مرابي ، استفزني واستغربت فسالته مستفسرا عن الكيف لانه قد تكون هنالك مخارج فقهية لا اعلمها فقال ان الله يربي الصدقات ، تعجبت كثيرا وسالته هل الصدقات التي تربو عند الله هي التي قال عنها في بداية الاية( يمحق الربا ويربي الصدقات) عجبا المرابي هو من ياخذ الزيادة بينما الله عز وجل هو الذي يعطي الزيادة فكيف يكون مرابي ؟ انتهى النقاش بدون نتيجة

ان الله عز وجل شرع حرمة الربا لما فيه من اثار سلبية فان التحريم الذي صدر عن الله عز وجل فانه اروع واعظم تشريع للقضاء على اسوء افة تهدم المجتمع والاقتصاد .

كتب الشيخ العلامة حسن محمد تقي الجواهري بحثا رائعا عن الربا بعنوان ( الربا فقهيا واقتصاديا ) وهو رسالة بكالوريوس  قدمها لكلية الفقه (1969 ـ 1970) طبع الكتاب سنة 1985، كتاب بمنتهى الروعة من حيث البحث فقهيا واقتصاديا وجمع كل المذاهب والمدارس او اغلبها وحتى القوانين الغربية وقد اجاد في طرحه لهذه المعاملة المقيتة ، واهم ما فيها هو الاستشهادات بالاثار السلبية للعمليات الربوية وباعتراف حكومات الغرب ، لكن الذي ارغب تسليط الضوء عليه هو ما ذكره الاستاذ الجواهري عن الاثار السلبية للربا ، بعنوان مضار الربا وحسب انواعه فالمضار الاقتصادية للربا قسمها الى ثلاثة الاستهلاكية ، وهي القروض الربوية التي يلجا لها الفقير لحاجته الماسة لها فيستهلك القرض ويكون ملزما بالتسديد وهذا يؤثر على الفقير اما العمل مضاعفة او ارتكاب جريمة لغرض التسديد والنتيجة ان المرابي تتجمع لديه الاموال دون ان يخسر وبالتالي فانه لا يشارك في العملية الاقتصادية للبلد طالما ضمن ارباحه من الزيادة التي يفرضها على القروض ، طبعا في الغرب وضعوا نسب معينة للقروض الربوية على ان لا يتجاوزها المرابي كما في انكلترا وامريكا ، ولكن عندما انتهت الحرب العالمية الثانية وضمن اتفاقية ( برتين وود) واحتاجت انكلترا قرضا من امريكا وطلبوا منهم القرض بدون زيادة الا ان امريكا رفضت ذلك واخيرا اضطر الانكليز الاستقراض بالربا مما جعل تشرشل يذكر الموقف بكل الم وان هذا الاتفاق ترك اثرا سيئا بين البلدين ، وقال اللورد كينز لا يمكن ان ننسى الموقف الامريكي الذي ترك فينا الالم والحزن وهم شريكنا في الحرب ، هذا ما يترتب عليه من اثر نفسي وفطري الربا .

والقروض الانتاجية وهي التي يقترضها التاجر او صاحب مصنع ويقوم بالعمل بجهد مضاعف او البيع بارباح مضاعفة حتى يتمكن من تسديد ارباح المرابي والنتيجة انهاك المستقرض .

اليوم هنالك معاملات تجري بين اصحاب الاموال والفقراء تحت مسميات كثيرة ولست من باب التفقه بخصوص هذه المعاملات ولكن اسال الذي يشتري البضاعة بالاجل بسعر اعلى من النقدي لماذا ؟ اليس في حسابات البائع انه يجب ان يربح على امواله يربح فقط لذا يضع نسبة من الزيادة على سعر البضاعة ، ومن يشتري فبعضهم يبيع البضاعة نقدا باقل من سعرها ليتصرف بالاموال والنتيجة الانهاك بالديون ، ومن يستخدم البضاعة فانه سيعمل مضاعفة لتسديد الاقساط النتيجة تجمعت الاموال عند البائع .

والامر ذاته على بيع العملات الاجنبية بالاجل فمن يبيع الدولار باكثر من سعره بالاجل الم تصبح العملية عنده فقط ربح دون خسارة يقابله المستقرض خسارة وربح والربح مستبعد لانه سيبذل جهدا مضاعفا لتسديد ارباح المقرض ، النتيجة نفس اثار الربا .

المشكلة ان الربا ليس له حد او عقوبة في الشارع الاسلامي فقط الحرمة والتاكيد على العقوبات الالهية وان المرابي يتصرف كمن يتخبطه الشيطان ، وهذه التهديدات لا يرضخ لها المرابي طالما حصل على حيلة .

مشكلة اخرى كانت سابقا سد حاجة المحتاج بقرض على ان يسدده نفسه اليوم بسبب تفشي القروض بفوائد اصبح اصحاب الاموال لا يفضلون اقراض المحتاج بنفس المبلغ بل بفوائد ، نعم هنالك ظاهرة متفشية بالديون وهي من يقرض اخر سدا لحاجته يتعب عند الحصول على دينه بل قد لا يحصل عليه ولهذا قطع سبيل المعروف بل حتى المدين لا يخشى الله في ذلك ولا يحترم حقوق الناس ، بل قد يكذب انه لم يقترض وحتى ان تمت مواجهته بالبينة فانه يقسم يمين كاذبا ، وعقوبة اليمين الكاذب هي اثم وعقوبة الهية يوم القيامة فاذا كان هو ضعيف ايمان لا يبال ويقسم كاذبا ، بل وحتى الدعاوى في المحاكم اصبحت بسبب الفساد من الممكن تسويفها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات