التشريعات المفقودة في قانون الطيران المدني العراقي الجديد

التشريعات المفقودة في قانون الطيران المدني العراقي الجديد

التشريعات القانونية هي عملية سن القوانين الملزمة والصادرة عن سلطة مختصة وفقًا لإجراءات تتضمن صياغة هذه القوانين ووضعها موضع التنفيذ على ارض الواقع في عملية حيوية تهدف الى تنظيم عمل المؤسسة وتحديد الحقوق والواجبات , كما تعتبر هذه التشريعات مرأة عاكسة لاستراتيجيات عمل هذه المؤسسات وحسن صياغتها هي من اساسيات النجاح سواء كانت هذه المؤسسة ضمن قطاع الطيران او غيره من القطاعات , لذا يستوجب على اصحاب القرار في الادارات العليا أن تحسن الاختيار في لجان أعداد الصياغة القانونية لتشريع قانون ما وفق معايير تتضمن الخبرة القانونية التخصصية لاعضائها مما يمكنهم على تحليل النصوص وتقييم آثارها المحتملة بالإضافة إلى القدرة على المناقشة الفعالة وتقديم الحجج القانونية من خلال الاستعانة بالخبراء المتخصصين لتقديم المشورة بفعالية أدق .
من هذه المقدمة العامة التي تعتبر الاساس في أنشاء القوانين ومنها قانون الطيران المدني العراقي الجديد الذي طال أنتظاره لاكثر من أربع عقود من الزمن تلك الوثيقة التي تحدد القواعد واللوائح المتعلقة بعمل مخدمي قطاع الطيران المدني العراقي وتغطي جوانب مختلفة مثل سلامة وأمن الطيران وألية تشغيل المطارات ومنح تراخيص العمل للكوادر والطائرات وكذلك تنظيم عمل الملاحة الجوية وغيرها من الجوانب ذات الصلة ومن خلال مراجعتنا لمسودة هذا القانون الجديد وبتكليف شخصي من بعض أعضاء لجنة النقل والاتصالات في البرلمان العراقي كونها اللجنة التي ستناقش فقراته في قراءات عدة داخل قبة البرلمان بغرض التعديل ومن ثم الاقرار علما أن القراءة الاولى انتهت منذ اشهر وكانت هناك العديد من الملاحظات حول صياغته قسم منها تتعلق بالغاء مواد مهمة وحساسة من القانون القديم المرقم 148 لسنة 1974 واخرى لم يتطرق لها لا القانون القديم ولا الجديد كما وجد هناك نقوصات في مفردات صياغة بعض هذه المواد مما أخرجتها من محتواها الحقيقي وهو ما أشرت له في ردي لهم وايضا توضيحي لتلك النقاط من خلال الاعلام , ومن ابرز تلك الملاحظات هي مامذكور في الفصل الثاني المادة 3 و 4 منه والتي تخص العنوان الوظيفي لرئيس هيئة الطيران المدني العراقي ونائبه حيث خلت متطلبات من يتسلم هذه الوظيفة الحساسة من شرط ان يكون هذا المنصب لمن هم من الطائفة الجوية وبخبرة لاتقل عن 10 سنوات في مجال تخصصه كي نضمن تخصصية من يستلم رأس الهرم في القطاع وهي ضرورة ملحة لعدم تكرر تسيد شخصيات من خارج قطاع الطيران وغير متخصصة الادارات العليا فيها مما أثر سلبيا على إصلاحه طيلة السنوات الماضية .
أما الملاحظة الثانية والتي لاتقل اهمية عن الاولى هي إلغاء لمادة قانونية ستبقي قطاع الطيران المدني العراقي في دوامته الحالية من تخلف عن ركب قطاعات الطيران العالمية وهي المادة 124 من قانون سلطة الطيران المدني العراقي القديم والذي يشير بوضوح إلى وجود مجلس أعلى للطيران المدني في العراق يرسم السياسات ويضع الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع والذي استعاضت عنه الحكومات المتعاقبة خلال العقدين المنصرمين من الزمن بالاعتماد على شخصية أو اثنان بمسمى المستشار في وضع تلك السياسات التي لم تثمر عن اي اصلاح حقيقي للقطاع ولم تكن خافية على المراقبين والمتابعين لهذا الشأن حيث كان هناك تلكأ واضح في مسيرة ناقلنا الوطني شركة الخطوط الجوية العراقية وكذلك وضع غير مستقر للمطارات العراقية والأسوء هو وجود السلطة التشريعية للطيران المدني العراقي خارج التصنيف العالمي ضمن 5 دول فقط لم تجتاز السلطة فيها برنامج التدقيق الخاص بالسلامة التشغيلية , لذا أرى كغيري من المراقبين من ضرورة وجود هكذا مجلس يضم 8 شخصيات كل منهم متخصص بقسم من أقسام القطاع سيكون مسؤول أمام صاحب القرار في تطبيق خطة اصلاحية محددة بزمن هذه الخطة ستكون كفيلة بأخراج الناقل الوطني العراقي من دوامة الحظر الاوربي الذي يدور فيها منذ اكثر من احد عشر عام وكذلك سيكون المسؤول عن تحسين صورة المطارات العراقية التي تعاني ومنذ عقود من تراجع في الخدمات وأبرام العقود الاستشارية للجان تطوير المطارات التي تكلف ميزانية الدولة مبالغ طائلة دون وجود دراسات جدوى حقيقية تضمن تطويرها وسيسهم فعليا في تصحيح مسار القطاع مستقبلا اما محاولة حذفه من القانون الجديد سيضر بحال القطاع المنهك حاليا , أما الملاحظة الثالثة في مسودة القانون الجديد غياب التشريع لمادة قانونية خاصة بنشاطات الرياضات والالعاب الجوية التي بدأت تنتشر في العراق دون وجود لوائح تنظيمية ترخص تلك الأعمال وتحديدا رياضة ركوب المناطيد التي بدأت تمارس في أكثر من محافظة عراقية بلا قيود مفروضة بالقانون تؤمن سلامة راكبيها من المواطنين العراقيين وهو ما يعرضهم إلى خطر مميت بالإضافة إلى عدم وجود مايلزم من يقود هذه المناطيد الحصول على رخصة طيران معتمدة وفق اللوائح والمعايير , اما باقي الملاحظات التي اصنفها بالاقل خطورة مع مراعاة الانتباه اليها ضمانا لمستقبل هذا القطاع فهي تنحصر في تعديلات مقترحة تضمن سلاسة عمل هيئة الطيران المدني العراقي الجديدة ومنها على سبيل المثال مامذكور في المادة 7 ثانيا من فصل2 باب 1 والخاصة متطلبات من يحمل صفة مفتش سلامة جوية حيث يجب أن تنص المادة على أمتلاك الخبرة لهم بمعدل 5 سنوات على الاقل ليصبح مفتش سلامة ليقوم باجراءات تفتيش وترخيص الطائرات والمطارات ومؤسسات التدريب والصيانة واي خدمة متعلقة بالطيران المدني العراقي وهو مامعمول به في برنامج خاص لمنظمة الطيران الدولية فيه توضيح أكثر شمولية لاختيار هذه الشريحة المهمة وفق قاعدة بيانات استندت على معيار CE-4 من الملحق 19 من ملاحق الايكاو , كما يجب الانتباه لغياب واضح لأليات نشر ثقافة الطيران بين أفراد المجتمع العراقي الذي اصبح بأمس الحاجة للتعرف على كل مايتعلق بالطيران كونها اصبحت من اساسيات تنظيم المجتمعات بعد مادخل هذا القطاع كخدمة للافراد في تنقلاتهم وايضا في حصولهم على فرص عمل داخله وممارسات اخرى منها ماتطرقنا لها في مجال الترفيه والرياضات الجوية واخير هناك حاجة ملحة الى توضيح قانون الارتفاق الجوي الذي تنص على في ديباجته عن تعليمات الخاصة بتشييد البنايات والابراج السكنية حول حرم المطارات والتي بدات تنتشر بشكل عشوائي خصوصا حول مطار العاصمة بغداد.
لقد مر قطاع الطيران المدني العراقي بالعديد من الاخفاقات خلال السنوات الماضية مما جعله قاب قوسين او ادنى من انهياره نتيجة عدم تطبيق اللوائح والمعايير الخاصة بالطيران على ارض الواقع بشكل حرفي ومهني والسبب غياب المختص عن تطبيق مواد القانون في الادارات العليا مما جعل هذا القطاع يتأخر عن مواكبة تطوره عالميا وهو مالا نتأمله بالمرحلة المقبلة والتي تتطلب تضافر كل الجهود لاقرار القانون الجديد بالسرعة الممكنة لإنقاذ قطاع الطيران المدني العراقي

أحدث المقالات

أحدث المقالات