صلاة الفجر بين لذة النوم ولذة الإيمان

صلاة الفجر بين لذة النوم ولذة الإيمان

‏حين يشتد ظلام الليل، وتغيب الحركة في الأزقة والشوارع وتغفو الأرواح في سكون النوم العميق، يرافقه هدوء من ضجيج وطمأنينة في ذلك الفراش بدفئه المعهود، تكون لحظة الفجر امتحانًا خفيًا بين لذتين: لذة الجسد في ذلك الدفء، ولذة الروح في نور الطاعة الإيمانية.. صراع بين قطبين داخل جسد واحد.

‏بين لذة النوم وهي راحة آنية لا بد منها لكل جسد بشري، وفيها استسلام للراحة وارتخاء للبدن وشعور باستجمام لمدة ساعات معدودة، ولكنها سرعان ما تنقضي، ويصحو الإنسان وربما قد فاته وقت عظيم فيه بركة، ونفحات ربانية لا تعوض. نفحات الفجر ببزوغ النور ووداع الليل واستقبال يوم جديد.

‏أما لذة الإيمان، فهي ترك ذلك الفراش الدافئ ومحاربة العيون للنعاس والتهيؤ للوضوء لصلاة الفجر وهي أعظم من كل لذائذ الدنيا، لذة تقف فيها بين يدي الله قبل أن تستيقظ الدنيا ويعود الضجيج وترى الوجوه باختلاف ألوانها وألسنتها، وهنا في هذه اللحظات الزمنية القصيرة تشهد الملائكة صلاتك، ويُكتب لك قيام الليل، وتُغسل عنك الذنوب مع كل سجدة وركعة، مع كل تكبيرة واستغفار.
‏في صلاة الفجر، هناك نداء من السماء، حيث ينادي مؤذن السماء قبل مكبرات الصوت في المساجد: “الصلاة خير من النوم”، وما أعذب هذا النداء! هو ليس فقط تذكيرًا، بل دعوة إلى الفوز، دعوة للتطهير من ذنوب يوم مضى واستقبال الرحمات لليوم الآتي، وهو دعوة إلى انتصار الروح على الكسل، والابتعاد عن ملذات الفراش والتثاؤب إلى الفوز مع أصحاب المساجد الذين اصطفاهم الله ليشهدوا أول لحظات النور بنقاء القلب وصفاء النية.

‏صلاة الفجر ليست مجرد عبادة، إنها عزيمة وإصرار، وهي بداية يوم مبارك، وسر من أسرار النجاح والتوفيق، وهي أحد مفاتيح البركة، ومصدر للسعادة الحقيقية. ولا يعرفها إلا من ذاقها، وعرف قيمتها واستطاع أن يحافظ عليها، وهو يرى يوميًا آثارها في حياته، في كل جوانب رزقه، وفي سكينة قلبه وفي ساعات يومه…
‏اللهم اجعلنا مع الذين قلت عنهم:
‏”كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون.”

‏اللهم اجعلنا من أصحاب الهمة، وسجلنا في ديوان المحبين، واكتبنا مع الراكعين في كل فجر جديد…

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات