الانتخابات البرلمانية:الشرعية الدستورية على المحك وسط غياب “الصدر” وتخبط “الإطار التنسيقي”؟!

الانتخابات البرلمانية:الشرعية الدستورية على المحك وسط غياب “الصدر” وتخبط “الإطار التنسيقي”؟!

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في يوم الثلاثاء 11 ت2 2025، يلوح في الأفق شبح فقدان الشرعية، مهددًا بتقويض العملية (الديمقراطية) برمتها ونسفها من الأساس ,في بلدٍ ما يزال يعاني ومنهك بالفساد والانقسامات السياسية. وبما أن قرار وإصرار زعيم التيار الوطني الشيعي، “مقتدى الصدر” ما يزال على حاله دون اي تغير يلوح في الأفق ومع جميع الوعود والامتيازات التي قطعها قادة الأحزاب له بتحقيق معظم مطالبه ولكنهما يزال يدعوا بمقاطعة الانتخابات ومنع أنصاره من الترشح أو التصويت، وهذا الموضوع ليس كما يحاول منافسيه ان يقلل معظمهم من شأن هذه المقاطعة وعلى مدى ما سوف تصل اليه شرعية الانتخابات الدستورية بانها مجرد ضربة سياسية، بل هي في حقيقة الامر تعتبر كقنبلة موقوتة تُفجر معها أوهام الشرعية التي يحاول قادة “الإطار التنسيقي” تسويقها ومحاولة ابعاد الظلالٍ الكثيفة على مصداقية وشرعية هذه الانتخابات. ووسط عزوف شعبي متزايد عن المشاركة، ومع جهود يائسة من هؤلاء (القادة) لإقناع “الصدر” بالعودة إلى السباق الانتخابي، ووسط شعبٍ ما يزال يعاني ومنهك بالفقر والإهمال، وحتى بعد أكثر من عقدين من الوعود الكاذبة، يُصبح السؤال الذي ما يزال يطرحه المواطن : هل يمكن لانتخاباتٍ بلا مشاركة شعبية حقيقية، وبلا منافسة فعلية، أن تُسمى ديمقراطية؟ أم أنها مجرد عرضٍ رديء لتكريس هيمنة أحزابٍ سرقت العراق وأذلّت شعبه !؟ وهل يمكن لانتخاباتٍ تفتقر إلى مشاركة “التيار الصدري” وقاعدته الشعبية الواسعة أن تكون لديها الشرعية الدستورية؟ وكيف ستؤثر العوامل الداخلية والأهم من هذا نظرة المجتمع الدولي على هذا المشهد السياسي المتأزم؟.

أن إعلان السيد “مقتدى الصدر”، وتكرارها عدة مرات وفي تدوينة حديثة قبل ايام ، تأكيده مرة اخرى على مقاطعة الانتخابات البرلمانية ، وهذا لم يكن مفاجئًا فحسب، بل كان بمثابة زلزال سياسي هز أركان جميع قادة سلطة الاحزاب الحاكمة . “الصدر”، الذي قاد كتلته لتحقيق فوزٍ كاسح في انتخابات 2021 بحصوله على 73 مقعدًا، جدد دعوته إلى “تسليم السلاح المنفلت للدولة، وحل الميليشيات، وتقوية الجيش والشرطة، وضمان استقلال العراق” هذه الدعوات، التي تتقاطع مع مطالب المرجعية الدينية في النجف، تعكس غضبه العميق من قادة الإطار التنسيقي، الذين تنصلوا من تعهداتهم بعد انتخابات 2021، وقادوا ما وصفه أنصاره بـ”انقلاب سياسي” ضد مشروع حكومة الأغلبية الوطنية. ولم يكتفِوا بالتنصل من اتفاقاتهم مع “الصدر”، بل لجأو إلى الترهيب والترغيب لكسر التحالف الثلاثي الذي ضم في حينها كل من “التيار الصدري”، “الحزب الديمقراطي الكردستاني / بزعامة مسعود بارزاني”، و”حزب تقدم /بقيادة محمد الحلبوسي”. هذا التحالف، الذي كان يهدف إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية مقابل معارضة نيابية قوية، أُجهض عبر تلاعب قانوني ودستوري، مما أدى إلى انسحاب السيد “الصدر” من العملية السياسية وتشكيل حكومة “محمد شياع السوداني” تحت هيمنة الإطار التنسيقي وإتلاف أدارة الدولة . هذا التاريخ من “الخيانة السياسية”، كما يصفه أنصار “الصدر”، يُفسر إصراره على المقاطعة، التي يراها وسيلةً لإفشال الانتخابات وكشف زيف شرعيتها وغضب “الصدر” ليس شخصيًا، بل يعكس خيبة أمل شعبٍ سئم من كذب النخب. و”الإطار”، الذي يحاول اليوم إقناعه بالعودة إلى السباق الانتخابي، يُدرك أن غيابه يُحوّل الانتخابات إلى مسرحيةٍ بلا جمهور، حيث ينافس أعضاؤه أنفسهم في غياب منافسٍ حقيقي. هذه المحاولات اليائسة ليست سوى دليل على خوف قادة الإطار من انهيار شرعيته، خاصة بعد أن كشف “الصدر” زيف وعودهم وأكاذيبهم عدة مراتب ومن خلال لقائته الصحفية والاعلامية طوال الاربع سنوات الماضية.

ولذا مصداقية الانتخابات القادمة تتآكل وبفعل عوامل داخلية متعددة. أولها يتمثل بالعزوف الشعبي المتزايد، حيث يرى العراقيون، بعد عقدين من حكم تسلط أحزاب الإسلام السياسي الطائفية، أن هذه النخب فشلت في توفير الخدمات الأساسية، من كهرباء ومياه إلى فرص عمل. احتجاجات تشرين 2019، التي قُمعت بعنف من قِبل فصائل مسلحة مرتبطة بالإطار التنسيقي، عززت شعور الإحباط لدى الشارع، مما جعل نسبة المشاركة في انتخابات 2021 لا تتجاوز 41%، وهي واحدة من أدنى النسب في تاريخ العراق الحديث. أدنى نسبة مشاركة مسجلة رسمية حتى الآن إلا أن النسبة الحقيقية للمشاركة، عند اعتماد مجموع المؤهلين فعليًا للتصويت والذي بلغ 25 مليونا و139 ألفا و375 ناخبا، تكون 36.11 بالمئة.

 وان مقاطعة “الصدر”، الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة في بغداد والمحافظات الجنوبية، تُنذر بانخفاض أكبر في نسبة المشاركة، حيث ستقتصر الانتخابات على جمهور الأحزاب الموالية للإطار، مما يجعلها بمثابة “مسرحية هزلية” تنافس فيها الكتلة الحاكمة نفسها دون وجود منافس حقيقي. وغياب التيار الصدري يُفقد الانتخابات توازنها السياسي. “الصدر”، بقوته الشعبية والسياسية، كان يُشكل قوة معارضة قادرة على تحدي هيمنة الإطار التنسيقي. بدون مشاركته، يصبح المشهد الانتخابي أحاديًا الجانب، مما يُعزز من اتهامات التلاعب والتزوير، خاصة في ظل سجل الأحزاب الحاكمة في استغلال الموارد الحكومية للتأثير على الناخبين. هذا الوضع يُذكّر بانسداد 2021 السياسي، الذي استمر لما يقرب من عام، وأدى إلى تأخير تشكيل الحكومة بسبب الصراع بين التحالف الثلاثي والإطار. ويعكس الشارع العراقي شعورًا باليأس من نظامٍ سياسي بات مرادفًا للفساد والفشل الاقتصادي في توفير ابسط مقومات الحياة للمواطنين ولعقود، كانت القوى الناشئة، منظمات المجتمع المدني، والنشطاء السياسيون يصرخون في الفراغ، مطالبين بميزانٍ عادلٍ يضمن نزاهة الانتخابات. هذه الأصوات، التي كانت تنادي بشفافية ومهنية في تطبيق القانون، قُوبلت بالقمع العنيف، سواء عبر الترهيب المسلح من فصائل الإطار أو عبر استغلال فاضح لموارد الدولة لدعم مرشحين وقوائم بعينها. مثلما حدث في انتخابات عام 2018 و2021، وثّقت تقارير مفصلة وثائقية من مختلف المنظمات المحايدة الدولية التي شاركت في المراقبة وبالاضافة الى منظمات المجتمع المدني ، والاهم منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بشأن استخدام الأحزاب الحاكمة للمال السياسي، الوظائف الحكومية والموارد الدولة المادية والعينية، والنفوذ الإعلامي لتأمين الفوز بهذه الانتخابات، بينما كانت الأصوات المدنية تُخنق بالعنف أو تُهمش عبر التلاعب بنتائج الاقتراع. واليوم، في انقلابٍ دراماتيكي للأدوار، يتباكى حاليا قادة “الإطار التنسيقي” على “استغلال الحكومة” لموارد الدولة في الانتخابات، في محاولةٍ لتصوير نفسه كضحية لممارساتٍ كان هو مهندسها الأول. هذا النفاق يعكس خوف “الإطار” من فقدان السيطرة، خاصة بعد مقاطعة زعيم التيار الصدري، للانتخابات، مما يُهدد بتحويل الاستحقاق الانتخابي إلى مهزلةٍ بلا منافسة حقيقية. وقادة الإطار، الذي اعتاد على اللعب بقواعدٍ ملتوية، يجد نفسه اليوم عاجزًا عن مواجهة تداعيات غياب قوة شعبية بحجم التيار الصدري، الذي يمتلك القدرة على تعبئة الشارع وفضح زيف الديمقراطية التي يروّج لها , وان شكوى “الإطار التنسيقي” من استغلال موارد الدولة ليست سوى محاولةٍ بائسة للتغطية على فشله في بناء نظامٍ ديمقراطي عادل. بعد عقودٍ من قمع الأصوات المدنية، نهب ثروات العراق،، يأتي تباكي الإطار كدليلٍ على خوفه من فقدان السيطرة وعدم حصوله على المقاعد النيابية اللازمة لمواصلة هيمنته السياسية والاقتصادية على مقدرات الدولة ، وبلا مشاركة شعبية واسعة وبلا منافسة حقيقية، لن تكون سوى مسرحيةٍ هزلية تُكرّس هيمنة طبقةٍ سياسية فاسدة، وتُدمر ما تبقى من أملٍ في ديمقراطيةٍ حقيقية. إن استمرار هذا النفاق، وسط صمت الحكومة عن السلاح المنفلت وفساد النخب، يُنذر بانفجارٍ شعبي قد يُعيد سيناريو تشرين أو أسوأ. العراق يستحق أفضل من هذه المهزلة، لكن هل سينهض الشعب ليُسقط أقنعة النفاق، أم ستبقى الديمقراطية رهينة أيادي الفاسدين؟

ان التخوف الحقيقي لقادة “الاطار التنسيقي” ومع الهالة الإعلامية التي تدعو الجميع للمشاركة بهذه الانتخابات البرلمانية تصطدم اليوم دون شك في حالة تتم ترجمتها الى أرض الواقع ومن خلال العزوف الانتخابي العميق الذي يجتاح حاليا الشارع العراقي ، ومدفوعةً بانعدام الثقة المزمن في طبقة سياسية أثبتت، على مدار عقدين، فشلها الذريع في تحقيق أدنى متطلبات العيش الكريم. وما نراه اليوم من محاولات قادة الأحزاب لتحفيز الناخبين على المشاركة في الانتخابات، تبدو كصرخة في وادٍ، حيث تصطدم هذه الدعوات بحائط من اليأس والإحباط الشعبي الذي يرى في الانتخابات مجرد مسرحية هزيلة أخرى لتكريس هيمنة النخب الفاسدة. إن استجابة المواطنين لهذه الدعوات الجوفاء مرهونة بإجراءاتٍ ملموسة تُثبت جدية النظام في القضاء على الفساد ومنع تكرار مهازل الماضي، من تزويرٍ وترهيبٍ وتلاعبٍ بالقوانين. مطالباتٌ شعبية ومدنية متزايدة تُنادي بتفعيل رقابة مستقلة وشفافة، ووضع آليات جديدة لضمان نزاهة الاقتراع، لكن هذه المطالب تظل أمنياتٍ بعيدة المنال في ظل نظامٍ سياسي يُدار بأيادٍ ملطخة بالفساد والولاءات الخارجية. تحديث سجل الناخبين، الذي أطلقته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يُظهر محاولة مبكرة للتحضير للاستحقاق الانتخابي، لكنه يضع المفوضية أمام اختبارٍ مصيري ومصداقيتها على المحك وشرعيتها القانونية : هل تستطيع إدارة انتخاباتٍ نزيهة وشفافة، أم ستظل رهينة التدخلات السياسية والضغوط الأمنية؟ التفاعل الشعبي الباهت مع هذه الخطوة يكشف عن هوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، حيث يُنظر إلى المفوضية كجزءٍ من منظومةٍ تخضع للضغوط ، وليست حكمًا محايدًا. التحديات السياسية والأمنية، من سيطرة الميليشيات المسلحة إلى التلاعب بالقوانين الانتخابية، تُشكل سيفًا مُسلطًا على رقبة العملية الديمقراطية. في ظل هذا الواقع المزري، تبقى الانتخابات القادمة مهددةً بفقدان الشرعية، حيث يُحوّل عزوف الشعب وغياب قوى سياسية رئيسية، مثل التيار الصدري، هذا الاستحقاق إلى عرضٍ هزيل يُكرّس هيمنة الأحزاب الحاكمة، دون أن يعكس إرادة شعبٍ سئم من الكذب والخداع طوال اكثر من عقدين من الزمن.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات