13 يوليو، 2025 12:15 م

الابراهيمية الجديدة- الدين البديل: استراتيجية ” ترامب- نتنياهو لإحتلال الشرق الأوسط عقائديا

الابراهيمية الجديدة- الدين البديل: استراتيجية ” ترامب- نتنياهو لإحتلال الشرق الأوسط عقائديا

(تحليل ديني-فلسفي لمشروع إعادة تشكيل العقيدة في الشرق الأوسط)

• لم تكن “اتفاقيات أبراهام ١” مجرّد خطوة تطبيعية بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، بل كانت بداية مشروع أعمق يهدف إلى إعادة تشكيل هوية الشرق الأوسط دينيًا وثقافيًا، تحت عنوان خادع: “الوحدة الإبراهيمية”. وإذا كانت هذه الاتفاقيات قد صيغت بلغة “السلام والمصالح”، فإن المشروع الذي يتولّد عنها يتجاوز الجغرافيا ليطال العقيدة. وهذا يؤكد ان الابراهيمية الجديدة: الخطر الاكبر على الشرق الاوسط، ارضا وانسانا وعقيدة؟

نحن أمام محاولة لإنتاج “دين إقليمي هجين” تختلط فيه الرموز، وتُختزل فيه الأديان، ويُعاد فيه تعريف الإيمان بمعايير جديدة لا علاقة لها بالوحي أو الرسالة أو النبوة.

فهل أصبحت العقيدة نفسها خاضعة للهندسة السياسية؟ وهل يراد للإسلام أن يتحول إلى “ثقافة حوارية” منزعة المخالب، تُساوى بالأفكار، وتُفرّغ من مضمونها التحرري والتوحيدي؟

• ما هي الإبراهيمية؟ الجذور والمضامين الخفية:

يبدو لفظ “الإبراهيمية٢” للوهلة الأولى نداءً للوحدة والتسامح، بتقديم النبي إبراهيم “عليه السلام” الذي يُجمع المسلمون والمسيحيون واليهود على احترامه… أبًا روحيًا مشتركًا. لكن ما يُقدّم كجسر بين الأديان، هو في حقيقته منصّة لإعادة هيكلة الدين، وتفكيك بنيته اللاهوتية، واستبداله بعقيدة هجينة تُصاغ في مراكز بحث غربية ومؤسسات صهيونية، ثم تُسوّق بلهجة “السلام والتعايش”.

ليست الإبراهيمية مجرّد دعوة لاحترام المتبادل، بل محاولة لمحو الحدود العقائدية باسم المشتركات، واختزال الدين في “قيم إنسانية عامة” منفصلة عن الوحي والرسالة والجهاد والمقدّسات.

الأديان الإبراهيمية الثلاثة – في هذا الإطار – تُدمج قسرًا في وعاء سياسي ناعم، يُفرّغها من أصولها النبوية، ليُعاد تسويقها كـ”موروث ثقافي مشترك”، تحت إشراف المرجعية الصهيونية.

• تفكيك فكرة المخلّص: تغييب المنتظر وحضور الكيان
من اللافت أن مشروع الإبراهيمية يتجنب الخوض في المفاهيم المركزية للديانات الثلاث، وعلى رأسها عقيدة “المنتظر” أو “المخلّص”.
في الإسلام، هو المهدي المنتظر الذي يُقيم العدل ويكسر شوكة الظالمين.
وفي المسيحية، هو عودة المسيح ليملأ الأرض سلامًا بعد القهر.
بينما هو في اليهودية “الماشيح” الذي يعيد بناء الهيكل ويحكم باسم الرب.

لكن الإبراهيمية الجديدة تصمت عن هؤلاء جميعًا. بل يبدو أنها تعمل على إسكات فكرة الانتظار والتحرّر، لصالح الاعتراف الضمني بأن المخلّص قد جاء… واسمه “إسرائيل”.

في هذا السياق، تغدو “الإبراهيمية” دينًا بلا مخلّص، بلا انتظار، بلا وعدٍ بالخلاص، بل مجرد نظام إقليمي يدعو إلى “السلام مقابل الخضوع”، و”التعايش مقابل النسيان”.

• من الجغرافيا إلى العقيدة: خطّة واحدة برأسين:

يُخطئ من يظن أن مشروع “الإبراهيمية” منفصل عن “صفقة القرن”. فالأول يصادر العقيدة، والثاني يصادر الجغرافيا.  والى امس قريب تم الترويج ل”صفقة القرن”٣ التي هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية، ونسف كل محاولات إقامة دولة فلسطينية مستقلة اداريا عن الكيان الاسرائيلي، وإنهاء مفاهيم مثل: العودة، القدس، الحدود، المقاومة. وهذا كله خطوات تتجه نحو  الإبراهيمية التي تختزن هدف تصفية الدين نفسه، بكل معاني النبوة، الجهاد، الانتظار، ومركزية القدس في الضمير الإسلامي.

من الواضح أن كلا المشروعين خرجا من رحم الدهليز الأمريكي-الصهيوني ذاته، وتحت الرعاية نفسها: إدارة ترامب وتحالف اليمين المسيحي الصهيوني مع نتنياهو.”

• مرحلة حاسمة في تاريخ العقيدة والهويّة:

ففي الوقت الذي يُقتحم فيه المسجد الأقصى، وتُمنع فيه صلاة الفجر ويُمنع الأذان، يُروَّج لدين “إبراهيمي” بلا نبي، وبلا مقدّس، وبلا قضية.

فهل تجيز شعوب المنطقة ان يُفرَض عليها دين بلا وحي وهوية بلا جذور ؟ وهل تصمت على تحويل النبوّة إلى صفقة؟

وهل يُمكن أن تُصبح العقيدة سلعة تُدار من البيت الأبيض وتُطبع في تل أبيب؟

من ذلك وإليه …..يبقى السؤال الكبير معلقًا، والذي سيكون عنوان المقال القادم:
[ من يقف خلف هذا المشروع؟
وما هو دور ترامب ونتنياهو في هندسة هذا الدين البديل

———-

الهوامش

1. اتفاقيات أبراهام: اتفاقيات تطبيع وُقّعت في أواخر عام 2020 برعاية إدارة دونالد ترامب، بين الكيان الإسرائيلي وأربع دول عربية: الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب. رُوّج لها كخطوة تاريخية نحو السلام، لكنها في جوهرها تمهيد لتكريس إسرائيل كقوة إقليمية شرعية، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وصولًا إلى البُعد الديني من خلال مشروع “الإبراهيمية”.

2. الإبراهيمية: مشروع ديني-ثقافي طُرح بصيغة “التقريب بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة”، ويهدف ظاهريًا إلى تعزيز التعايش، لكنه في العمق يسعى إلى صياغة عقيدة جديدة هجينة تخضع للأطر السياسية الغربية، وتفرّغ الأديان من بعدها النبوي والتحرّري، خصوصًا الإسلام، وتحوّله إلى منظومة قيم عامة دون مرجعية وحي أو جهاد أو انتظار خلاصي.

3. صفقة القرن: خطة سلام أمريكية أعلنتها إدارة دونالد ترامب في 28 كانون الثاني 2020، بحضور بنيامين نتنياهو، تقترح تسوية نهائية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، مقابل دولة فلسطينية محدودة السيادة ومقطّعة الأوصال. رُوّج لها كحلّ اقتصادي تنموي، لكنها مثّلت عمليًا محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الحقوق التاريخية والدينية، وعلى رأسها حق العودة، والمكانة الإسلامية للقدس، ما جعلها تُوصف بأنها “وعد بلفور الثاني”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات