13 يوليو، 2025 12:44 م

تُعرف ربطة العنق , أو (( الباين باغ )) كما يسميها البعض في البرتغالية والكرواتية والإيطالية والإسبانية , و(( كراڤات )) في الفرنسية , بأنها قطعة قماش طويلة تُلبس حول الرقبة تحت ياقة القميص وتُعقد عند الحلق , تتجاوز هذه القطعة وظيفتها كزينة بسيطة لتصبح رمزًا يحمل في طياته أبعادًا تاريخية وثقافية وسياسية , وحتى دينية , وعلى الرغم من شيوعها كإكسسوار للملابس الرسمية , تختلف تسميات ربطة العنق وتاريخها من ثقافة لأخرى , فبينما يُشار إليها في بعض اللغات الأجنبية بمصطلح (( باين باغ ), تبقى (( الكرفتة )) أو (( الرباط )) هي التسمية الأكثر شيوعًا في اللغة العربية , هذه التسميات المتعددة تعكس الانتشار العالمي لهذه القطعة وتأثرها بالتبادلات الثقافية عبر العصور.

عندما انتظمنا للدوام في وزارة الخارجية عام 1980, فرض علينا أرتداء ربطة العنق , وكنا نحن القادمون من المحافظات , نتعامل معها كشرّ لا بد منه , خصوصاً أن ربطها كان عملية مضنية ومتعبة لا يتقنها الجميع , حيث كان يتطلب ألأمر عدة دقائق نقضيها في عقدها قبل التوجه إلى العمل , وتعلمنا في معهد الخدمة الخارجية انه في عالم الدبلوماسية , يُراعى كل تفصيل في المظهر بعناية , من الملابس إلى الحركات , ولا يُترك شيء للصدفة , حتى اختيار لون ربطة العنق , فكل لون يحمل دلالة ورسالة تؤثر على المُقابل , وتُعطي انطباعاً معيناً , وتُرسل رسائل خفية عن القوة أو الثقة أو غيرها من الدلالات , لذلك يحرص الدبلوماسيون دوماً على اختيار الألوان التي يرتدونها بدقة .

 كان السفيرعبد الودود الشيخلي يقول إن إيحاءات ربطة العنق ليست وليدة الساعة , فإلى جانب إضفاء الأناقة على البدلة الرسمية , كانت إلى عهد قريب تشير إلى انتماء الرجل إلى مدرسة أو جامعة معينة أو نادٍ نخبوي أو حزب , وجعلها تقتصر على الأناقة فقط ,
وأنه يجب على الدبلوماسي أن يبدو مُرتباً ومنتبهاً إلى التفاصيل , وعلى رأسها ربطة العنق , التي تُعد بمثابة الترمومتر الذي يحدد أناقة الإنسان , كما أنها أول ما يلفت الانتباه في مظهره , ومن بين هذه التفاصيل , تُعد ربطة العنق رمزاً قوياً , تنقل رسائل عن السلطة , والأيديولوجية , والشخصية , ورغم تنوّع ألوان ربطات العنق , إلا أن بعضها يحمل أهمية خاصة في الساحة السياسية , وقد تتحول من مجرد قطعة قماش إلى موقف ورسالة وخطاب صامت , لما لها من معانٍ تحملها ورمزية في ألوانها المنتقاة بعناية.

لطالما حملت ربطة العنق دلالات تتجاوز مجرد الأناقة , ففي عالم الدبلوماسية , على سبيل المثال , تُعد ربطة العنق جزءًا لا يتجزأ من المظهر العام الذي يُراعى بعناية فائقة , فكما يتذكر الدبلوماسيون الذين التحقوا بوزارة الخارجية عام 1980, كان ارتداء ربطة العنق إلزاميًا , وكانت عملية ربطها تستغرق وقتًا وجهدًا , وتُعلم معاهد الخدمة الخارجية الدبلوماسيين أن كل تفصيل في مظهرهم له تأثير, وأن اختيار لون ربطة العنق ليس صدفة , فكل لون يحمل رسالة معينة , سواء كانت قوة , ثقة , أو غيرها من الدلالات الخفية التي تؤثر على الطرف المقابل , ومثلما تقدم كان المرحوم عبد الودود الشيخلي يؤكد أن هذه الإيحاءات ليست حديثة العهد , فإلى جانب إضفاء الأناقة , كانت ربطة العنق تشير في الماضي إلى الانتماء لمدرسة أو جامعة معينة , نادٍ نخبوي , أو حتى حزب سياسي.

من جانب آخر هناك دول يثور فيها جدل ديني حول ربطة العنق , حيث يرى البعض أنها لا تجوز للمسلم لاقتراضها من رمز الصليب , وبناءً على هذا الرأي , يعتبر ارتداء الكرافتة محرمًا , ولهؤلاء الذين يواجهون إجبارًا على ارتدائها في أماكن عملهم , يُنصح بالبحث عن فرص عمل أخرى تتوافق مع معتقداتهم , مؤكدين أن (( الأعمال كثيرة والحمد لله )) , هذا المنظور يُبرز الأهمية التي تُعطى للرموز في بعض السياقات الدينية وكيف يمكن أن تؤثر على الاختيارات الشخصية والمهنية.

تُعد ربطة العنق (( الترمومتر)) الذي يحدد أناقة الإنسان , وهي أول ما يلفت الانتباه في المظهر , إنها رمز قوي ينقل رسائل عن السلطة , الأيديولوجية , والشخصية , ورغم تنوع ألوانها , إلا أن بعض الألوان تكتسب أهمية خاصة في الساحة السياسية , متحولة من مجرد قطعة قماش إلى موقف ورسالة وخطاب صامت يحمل معاني عميقة ورمزية في ألوانها المنتقاة بعناية , وفي نهاية المطاف , تُجسد ربطة العنق تناقضات مثيرة للاهتمام , فهي قطعة ملابس بسيطة في جوهرها , ولكنها غنية بالمعاني والدلالات , سواء كانت تُرى كرمز للأناقة , أو للانتماء , أو حتى كقضية دينية , تظل ربطة العنق محط اهتمام وجدل , مما يؤكد مكانتها الفريدة في الثقافة والمجتمع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات