خاص: كتبت- نشوى الحفني:
فيما يبدو أن العالم يدخل على مناوشات جديدة بين قوتين كبيرتين؛ حيث تدهورت علاقة الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، ونظيره الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، خلال الفترة الأخيرة، وفق ما يذكره الكاتب؛ “جوليان إي. بارنز”، في تقريره المنشور في صحيفة (نيويورك تايمز).
ويرى الكاتب أن ذلك التغيَّر يُعدّ تحولًا غريبًا للغاية، بالنظر إلى ما بدت عليه الأمور في “روسيا” بعد انتخاب “ترمب”، إذ بدا أن الرئيس الجديد ينظر إلى “بوتين” باحترام، وبدا الأخير مستَّعدًا لتحقيق الكثير مما يُريده في حربه ضد “أوكرانيا”.
خطأ في لعب الأوراق..
لكن الرئيس الروسي أخطأ في لعب أوراقه؛ وفق الكاتب الذي شرح في تقريره كيف تحوّل من حليف محتَّمل لـ”البيت الأبيض” إلى شخص: “مشكوكٍ في أمره”.
بداية مشَّرقة في العلاقات..
خلال حملته الانتخابية؛ وعد “ترمب” بإنهاء الحرب في “أوكرانيا” بسرعة كبيرة، وعندما تولى منصبه، كانت إدارته متشَّككة في طموحات “أوكرانيا” للانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، ومستَّعدة للسماح لـ”روسيا” بالسيّطرة على الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها، ومتَّرددة في إنفاق مبالغ طائلة على دفاعات “كييف”، بل إنها منُفتحة على الاعتراف بضم “موسكو”؛ لـ”شبه جزيرة القِرم”، عام 2014.
كان ذلك عرض سلام حقّق العديد من أهداف “روسيا” الحربية. ثم جاءت زيارة “فولوديمير زيلينسكي” الكارثية لـ”المكتب البيضاوي”؛ في شباط/فبراير، حيث استخف “ترمب”؛ بـ”زيلينسكي”، ووصفه بأنه ناكر للجميل على الهواء مباشرة، مُصرًا على أن: “الأمور ليست في صالح أوكرانيا الآن”.
كما قال “ترمب” إن “بوتين” كان ضحية حملة شعواء قامت بها وسائل الإعلام الأميركية.
وبدأت “الولايات المتحدة” بالضغط على “أوكرانيا” لتوقّيع اتفاقية تُسلمها جزءًا كبيرًا من ثرواتها المعدنية. وجاء كل هذا في الوقت المناسب تمامًا بالنسبة للجانب الروسي، وفق ما ذكر الكاتب في تقريره.
وبحسّب مزاعم الكاتب فقد خسّرت “روسيا” حوالي ربع مليون جندي في الحرب، وكان اقتصادها ضعيفًا. لكن مع وجود رئيس أميركي متعاطف، كان “فلاديمير بوتين” على وشك إعلان النصر.
رفض مسّاعي “ترمب”..
بحسّب ما يرّوج له الكاتب؛ فإن “بوتين” لم يكن مستَّعدًا للتسّوية، في ذلك التوقيت. وكما فعل عندما بدأ الحرب في “أوكرانيا”؛ عام 2022، اعتقد أنه قادر على تحقيق كل ما يُريد، عبر الحرب.
ويقول إن “بوتين”: “رفض مرارًا وتكرارًا مسّاعي؛ دونالد ترمب، لوقف إطلاق النار، بل وواصل قصف أوكرانيا بهجمات مروعة باستخدام الطائرات المُسيّرة”. على حد مزاعمه.
في هذه الأثناء؛ كان يتقدم في ساحة المعركة، محاولًا الاستيلاء على المزيد من الأراضي وإضعاف الحكومة الأوكرانية. وبينما لم تتضح أهدافه بدقة، يعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أنه يُريد الاستيلاء على “خيرسون” أو “أوديسا” أو حتى “كييف”، وهي مدن أوكرانية رئيسة.
ويرى المسؤولون الأميركيون أيضًا أن هذا الطموح وهمّي، بينما تابع الرئيس الأميركي كل هذا بقلق متزايد.
في نيسان/إبريل، وبعد هجوم صاروخي روسي وطائرات مُسّيرة على “أوكرانيا”، نشر “ترمب” على الإنترنت: “لستُ سعيدًا بالضربات الروسية على كييف. لم تكن ضرورية، وتوقيتها سيء للغاية. فلاديمير، توقف!”.
تحول الموقف بيت “ترمب” و”بوتين”..
ووفق التقرير؛ فالآن ينتقد “ترمب”؛ “بوتين”، وليس “زيلينسكي”. إذ إنه بعد (06) مكالمات هاتفية مع “بوتين” هذا العام، يبدو أن “ترمب” قد غيّر رأيه فيه، وفق الكاتب.
هذا الأسبوع؛ صرح صراحة بأنه غير راضٍ عن “بوتين”؛ لأنه يقتل الأوكرانيين. وقال “ترمب”: “نتلقى الكثير من الهراء من بوتين، إذا أردتم معرفة الحقيقة… إنه لطيف جدًا معنا طوال الوقت، لكن اتضح أن كلامه لا معنى له”.
لو صدَّرت هذه الكلمات من أي سياسي آخر في “واشنطن” تقريبًا، لمِا كان ذلك مفاجئًا. لكن قول “ترمب” لها يُظهر مدى نفور “بوتين” من “البيت الأبيض”، وربما إهداره فرصته في التوصل إلى سلام تفاوضي. بحسب ادعاءات الكاتب الأميركي.
استأنف “ترمب” شُحنات الأسلحة إلى “أوكرانيا” بعد توقف قصير من (البنتاغون)، بينما يدفع الجمهوريون في “مجلس الشيوخ” بفرض مجموعة جديدة من العقوبات على “روسيا”، ويدّرس “ترمب” هذا الاقتراح أيضًا.
ويواصل الكاتب الأميركي ترويج مزاعمه؛ بأن “أوكرانيا” قد سئمت الحرب، لكن إرادتها في القتال لا تزال قائمة، خاصةً إذا مضت “روسيا” قُدمًا، لأنها كما يصّور الكاتب ادعاءاته: “تُبدع في ساحة المعركة، وتُكبد طائراتها المُسيّرة الجيش الروسي خسائر فادحة”.
ويدعي الكاتب كذلك؛ أن وعود الدعم من “أوروبا” وتعزيز الدفاع الجوي من “الولايات المتحدة” سيجعل من الصعب جدًا على “بوتين” إنهاء الحرب بالقوة، رُغم إطلاق “موسكو” عددًا قياسيًا من الطائرات المُسيّرة والصواريخ على وسط وغرب “أوكرانيا”، خلال الأيام الأخيرة، وهو ما اعتبره الكاتب تصعيدًا روسيًا مدفوعًا بقناعة مُفادها أن دفاعات “أوكرانيا” قد تنهار في الأشهر المقبلة.
ضربة لنهج الصفقات..
كذلك يقول تقرير لشبكة (سي. إن. إن) الأميركية؛ يبدو أن “ترمب” قد وصّل إلى نقطة تحول. فقد انتقل من إلقاء اللوم المُفرط على “أوكرانيا”، إلى اتهام “روسيا”، بإطالة أمدها دون داعٍ.
ويأتي هذا التغيَّر في الموقف؛ بعد أن فشلت محاولات “ترمب” السابقة لإقناع “بوتين” بالتوصل إلى اتفاق سلام يُنهي الحرب، التي بدأت باجتياح “روسيا”؛ لـ”أوكرانيا”، عام 2022.
ورُغم ما وُصف: بـ”شروط ترمب السذخية” لوقف إطلاق النار، تجاهلها “بوتين”، ما اعتبره محللون ضربة لنهج “ترمب” القائم على الصفقات.
ولكن هذا التحول لا يخلو من المخاطر؛ أبرزها إمكانية تصعيّد التوترات بين زعيمي قوتين نوويتين، في وقتٍ تتصاعد فيه الهجمات الروسية على “كييف”.
كما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا التغيَّر سيسّتمر، خاصة أن “ترمب” لم يلتزم حتى الآن بتقديم مساعدات بحجم ما قدمته إدارة “بايدن”، والتي تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات.
زيادة الضغط..
وتساءلت الشبكة بعد أن توصل الرئيس؛ “دونالد ترمب”، في النهاية إلى أنه لا يستطيع إقناع “بوتين” بالدخول في محادثات السلام، فهل هو على استعداد لمحاولة إجباره على الدخول فيها؟
وقال “تشارلز كوبتشان”؛ الزميل البارز في “مجلس العلاقات الخارجية”، لـ (سي. إن. إن): “أعتقد أن ترمب فهم الأمر الآن. عليه أن يضغط أكثر على روسيا إذا أراد التوصل إلى اتفاق مع أوكرانيا”.
وقد يشمل الضغط زيادةً في الأسلحة والذخائر الأميركية لـ”أوكرانيا”، في حين تتعهد الدول الأوروبية، التي تخشّى انسحاب “ترمب” من “كييف”، بزيادة مساعداتها. قد يكون الفرق هائلًا، إذا التزمت “واشنطن” التزامًا حقيقيًا، وقد يُربك اعتقاد “بوتين” الراسّخ بقُدرته على الصمود أمام الغرب، وقُدرته على كسب الحرب في نهاية المطاف.
وكذلك؛ قد يتقبل “البيت الأبيض” مشروع قانون مشترك بين الحزبين، يُفرض عقوبات جديدة صارمة على “روسيا” وحلفائها في “الصين والهند”.
المواجهة بين الزعيمين..
ولفتّت الشبكة الأميركية؛ إلى أن أحد المخاطر الكبيرة لفترة التوتر بين “البيت الأبيض” و(الكرملين)، هو أن يقع “ترمب” و”بوتين” في دائرة من التصعيّد، رُبما للدفاع عن المصداقية الهائلة التي استثمراها في العلاقة.
وأوضحت أنه لا شيء في سلوك “بوتين” يوحي برغبته في مواجهة “ترمب” أو “الولايات المتحدة”. لكن الزعيم الروسي لطالما لوّح بالسلاح النووي خلال الصراع الأوكراني، على ما يبدو لتخويف الشعوب الغربية.
وفي نهاية المطاف؛ قد يعود “ترمب” إلى هذا الافتراض الاستراتيجي الذي طالما خيّم على السياسة الأميركية تجاه “أوكرانيا”. “الحقيقة هي أن أوكرانيا، وهي دولة غير عضو في حلف الـ (ناتو)، ستكون عُرضة للهيمنة العسكرية الروسية مهما فعلنا”. وفق تصريح للرئيس الأسبق؛ “باراك أوباما”، في مقابلة مع مجلة (ذا أتلانتيك) عام 2016.
الانزلاق في دوامة تصعيّد..
ورُغم هذا التحول؛ لا يزال بعض المراقبين الغربيين يُشّككون في دوافع الرئيس الأميركي؛ ويتساءلون عمّا إذا كان غضبه من “بوتين” ينبَّع من خيبة شخصية بسبب فشل صفقة محتملة، أم أنه يعكس تغييّرًا استراتيجيًا حقيقيًا في رؤيته للحرب.
وفي وقتٍ يتنامى فيه القلق من اندلاع دوامة تصعيّد بين “موسكو” و”واشنطن”، يرى البعض أن هذا التوتر قد يكشف مدى جدية “ترمب” في تبّني نهج أكثر صرامة تجاه “روسيا”، ويختبر قُدرته على إعادة تموضع “الولايات المتحدة” في ملف بات أحد أعقد الملفات الجيوسياسية في العالم.
ويبقى السؤال هو كيف سيؤثر هذا على السياسة الأميركية تجاه الحرب و”روسيا”، وكذلك محاولات “ترمب” نفسه لممارسة الزعامة الأميركية، والسياسة الداخلية حول “أوكرانيا”؟