25 نوفمبر، 2024 5:57 م
Search
Close this search box.

صرخة الحرب وصراخ الرعب : تفسير سيكولوجي للهزيمة !!

صرخة الحرب وصراخ الرعب : تفسير سيكولوجي للهزيمة !!

لعل واقعة الهزيمة المدوية للقوات العراقية أمام الهجوم المباغت ليضع مئات – ولنكن آلاف – من المجاميع المسلحة ذات التوجهات الأصولية والراديكالية ، ستكون مادة دراسية وتحليلة دسمة للكثير من مراكز البحوث السياسية والعسكرية والنفسية ، التي تعنى بوضع الاستراتيجيات الهجومية والدفاعية بالنسبة للأولى ، وتقديم النظريات المعنوية وصياغة الفرضيات السلوكية بالنسبة للثانية . ليس فقط كونها الحالة المثالية التي من خلالها يتم تأشير مكامن القوة ونقاط الضعف بين أطراف الصراع فحسب ، وإنما لكونها قدمت النموذج المعياري لدور وأهمية العوامل النفسية في تنميط السلوك البشري حيال ظاهرة الحرب ، سواء تعلق الأمر بمقومات النصر أو بأسباب الهزيمة . وفي مقال سابق تطرقنا إلى حالة الذهول التي غشيت الشارع العراقي بكافة قطاعاته إزاء ما حصل ومرشح له أن يحصل ، قد ألمحنا عرضا”إلى أن الهزيمة التي منيت بها القوات العراقية بتلك الطريقة المهينة ، ما هي إلاّ تعبير عملي / سلوكي عن هزيمة إنسانية / سيكولوجية كامنة ، تعرض لها الإنسان العراقي – وما برح يتعرض لها – على مدى عقد من الزمن ، تخللت فضاءاته صرخات حروب الجلادين والقتلة وهم يستعذبون صراخ رعب الضحايا والمغدورين ، بحيث تجمد إحساسه بالمواطنة وتبلد وعيه بالوطنية ، للحدّ الذي لم يعد بتوفر على أي نوع من أنواع الممانعة المدنية / السياسية في حال اغتصبت إرادته وانتهكت حقوقه ، فما بالك بامتلاكه دوافع المقاومة المسلحة / العسكرية في حال استباحة أمنه وتهديد وجوده ؟ . وهنا نتساءل ؛ كيف تتشكل عوامل هزيمة الإنسان من الداخل ، وما هي الأسباب التي تجعل من تلك الهزيمة حالة سيكولوجية تسيطر على منظومات إدراكه وخيارات سلوكه ، بحيث تحيله إلى ما يشبه الدرئية المخصصة لتلقي الضربات وامتصاص الصدمات ، دون أن يرقى ردّ فعله إلى مستوى التحدي الذي يواجهه ؟! . الواقع انه في كل جيوش العالم هناك ما يسمى بالعقيدة العسكرية الوطنية – أو القومية فالأمر سيان – التي لا تحدد فقط أنماط التسليح والتدريب المؤاتية لطبيعة القوات المسلحة للبلد المعني والملائمة لظروفه فحسب ، بل وتؤطر كذلك سياساته الإستراتيجية ومواقفه التكتيكية ، فضلا”عن تحديد أهدافه الجيوستراتيجية ، بما يتناسب وطبيعة موقعه الجيوبولتيكي في خارطة العلاقات الدولية ، الأمر الذي يجعل من تلك العقيدة مرشد للعمل ودليل للتصرف ، حيال أي تهديد يمكن أن يتعرض له التراب الوطني من الخارج . والجدير بالذكر إن نجاح تلك العقيدة يتوقف – بالدرجة الأساس – على مدى تضمينها (قضية) وطنية تدافع عنها وتحارب من أجلها إذا ما اقتضت الضرورة ودعا الواجب . فضلا”عن كونها تشيع قيم خاصة ومبادئ مركزية ، تلزم قواعدها كما قياداتها بعدم الانخراط بألاعيب السياسة أو الانجرار خلف تقلباتها البرغماتية . هذا بالإضافة إلى إعلانها الصريح والواضح مناهضة أي ضرب من ضروب الشخصنة لمؤسساتها وتشكيلاتها ، التي غالبا”ما يسعى الحكام الطغاة إلى تظهير قدراتها الضاربة لصالحهم والاستعانة بها لتثبيت أركان سلطانهم ، كما حدث ويحدث عادة في بلدان العالم الثالث عبر ظاهرة الانقلابات العسكرية . أي بمعنى أنها إطار قيمي ومؤسسي قائم بذاته يراعي مجموعة من الضوابط الأخلاقية والمعايير المهنية ، التي من طبيعتها أن تكون عابرة للمصالح الشخصية والفئوية ، وذات صفة متخطية للانتماءات الحزبية الولاءات الفرعية من جهة ، وإنها كلما اقتربت من السياسة وداهنت السياسيين ، كلما أسهمت بتآكل تلك الضوابط واندثار تلك المعايير، لتفقد بالتالي طابعها المهني وتتخلى عن وظيفتها الوطنية ، لتتحول إلى طرف من أطراف النزاعات الداخلية والحروب الأهلية ؛ تقف لصالح هذا الطرف ضد ذاك ، وتدعم هذه الجهة على حساب تلك من جهة أخرى . وبالعودة إلى موضوع قضيتنا المطروحة يثار سؤال مفاده ؛ هل يمتلك الجندي العراقي – دع عنك الإنسان المدني – عقيدة عسكرية وطنية تكون له بمثابة البوصلة الهادية ، التي تحدد له الأهداف الوطنية الكبرى وترشده صوب الخيارات الواقعية لبلوغ تلك الأهداف ، فضلا”عن كونها تعصمه من شطط الانخراط في سياسات العنف الطائفي ، وتقيه من الانحراف صوب مظاهر التطهير القومي . أم تراه يتصرف بوحي من مصالحه الشخصية ، وثقافاته الفرعية ، وانتماءاته الحزبية ، وولاءاته الطائفية ، وأصوله الاثنية ، وانحداراته الجهوية ؟؟. وجوابا”على هذا السؤال نقول ؛ إن كل الدلائل والمؤشرات تبرهن بما لا يدع مجالا”للشك ، إن أغلب المنتسبين للقوات المسلحة العراقية لا يمتلكون أي شكل من أشكال العقيدة العسكرية التي تحدثنا عن طبيعتها ومواصفاتها آنفا”، وبالتالي فان الإنسان العراقي بالعموم ليس لديه أية (قضية) وطنية تستدعيه لكي يقاتل عنها ويحارب من أجلها . ولهذا فان عملية تكليفه بواجب معين ؛ كأن يكون قمع تمرد هنا أو ضبط أمن هناك ، تعد من المجازفات الخطيرة التي ينبغي التحسب لنتائجها مسبقا”. ذلك لأن

إحساسه الشخصي يحدثه بان الأرض التي يقف عليها ليست هي أرض منطقته / محافظته الخاصة التي ينتمي إليها ، وان الوحدة العسكرية التي ينتمي إليها ليست هي الجماعة / القومية التي ينتسب إليها ، وان الدافع الذي يغريه للقيام بواجبه ليست هي العصبية / الطائفية المحسوب عليها ، وان الحمية التي تدفعه لتحمل المسؤولية ليست هي الفزعة القبلية / العشائرية التي يطيع أمرها ويمتثل لسلطتها . وهكذا نكون أمام إنسان تتلاعب به الأهواء البدائية والمصالح الفئوية والتيارات الحزبية والتكتلات السياسية . ومتى ما وضع الإنسان في ظروف شاذة كهذه ، فانه من السذاجة بمكان توقع أن تكون الشجاعة حليفه ، طالما إن المسألة تتعلق بمصالح وطنية ليست من اهتمامه أو ضمن خياراته . وإذا ما اضطرته الظروف للوقوع في (مأزق) من هذا القبيل ، فالمؤكد إن الهزيمة ستكون حليفه مهما حاول إبعاد شبحها عنه وانتزاع هواجسها منه ، طالما إن القضية التي يزج للدفاع عنها ليست قضيته ، وان الهدف الذي يدفع للمنافحة عنه ليس هدفه ، وان المصلحة التي يلزم بالغيرة عليها ليست مصلحته . فهل تحتاجون – أيها الأعزاء – إلى الأمثلة ، انظروا إلى تجارب الواقع العراقي إذن ؟؟!! .

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات