موظفو الإقليم بين سندان تقصير أربيل وتمييز بغداد!

موظفو الإقليم بين سندان تقصير أربيل وتمييز بغداد!

ما يتعرض له الموظف في إقليم كردستان من تأخير متواصل في الرواتب لم يعد مجرد أزمة مالية أو أخلاقية، بل تحول إلى شكل من أشكال الابتزاز والإهانة، تتحمل مسؤوليته حكومة الإقليم، قبل حكومة بغداد. فقد مضى أكثر من عقد على هذه الأزمة من دون حلول جذرية، وكل ما قدم لموظفي الإقليم خلال هذه السنوات لم يتعد الوعود أو المسكنات المؤقتة، ولم تتخذ حكومة الإقليم خطوات عملية لتأمين الرواتب، بل ظلت تنتظر مكرمة من بغداد، التي لم تظهر بدورها أي اهتمام جاد بإنهاء معاناة الموظفيين. فسياساتها في التعامل مع موظفي الإقليم تكشف عن نظرة دونية وعنصرية، تمارس التمييز في أوضح صوره. فما معنى أن تصرف رواتب موظفي المحافظات الأخرى بشكل منتظم، بينما موظفي كردستان يعاملون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية؟ هذا ليس مجرد تقصير، أو مشاكل تكنيكية تتعلق بملف النفط والغاز كما يروجون، بل إهانة متعمدة لدستور الدولة ومبادئ العدالة.
  ومع ذلك، لا أوجه اللوم الأكبر إلى بغداد، لأني لا أنتظر منها أكثر من هذه السياسة المجحفة أصلا. فمنذ سنوات، أثبتت أنها لا تنظر إلى الإقليم إلا من زاوية سياسية ضيقة، وتتعامل مع رواتب الناس كسلاح تفاوض، لا كحق دستوري. وبالتالي، فإن الرهان على بغداد أصبح مضيعة للوقت. اللوم الحقيقي يقع على حكومة الإقليم، لأنها الأقرب إلى المواطن، والأقدر على إيجاد الحل، لو توفرت الإرادة السياسية والشفافية الحقيقية. كان بإمكانها بناء منظومة مالية مستقلة وواقعية، تأمن الحد الأدنى من الرواتب، بدل الاكتفاء بالانتظار، والتذمر أمام عدسات الكاميرات، وكتابة البيانات الاعتراضية المملة. كان بإمكان إقليم كردستان، خلال السنوات الماضية، أن يستفيد من فترة قطع الرواتب المتكررة كفرصة لإعادة بناء وضعه المالي بشكل مستقل، بعيدا عن الاعتماد المفرط على بغداد. فالتجارب المتكررة أظهرت أن الحكومة الاتحادية لا تتوانى عن استخدام الرواتب وسيلة للضغط والابتزاز السياسي، وهو ما يستدعي من الإقليم التفكير الجاد في تنويع مصادر إيراداته، وتنظيم اقتصاده، وتعزيز الشفافية مع شعبه، وإعادة النظر في علاقاته مع بغداد، التي، للأسف، تتعامل معه كخصم لا كمظلة تمثل الجميع.
المؤلم في هذه القضية أن الموظف في الإقليم لم يعد يطالب بتحسين راتبه، بل فقط بالحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة المعيشية. كيف يمكن لمعلم أو طبيب أو شرطي أن يؤدي عمله بأمانة وشغف، وهو لا يعلم متى سيستلم راتبه أو ما إذا كان سيصرف أصلا؟ وقد أصبح راتبه يتصدر شريط الأخبار ويقدم كخبر عاجل، هذا الواقع لا يهدد فقط الاستقرار الاقتصادي، بل يضعف ثقة الناس بالحكومة ومؤسساتها.
لقد آن الأوان أن تتحمل حكومة الإقليم، وفعالياتها السياسية كافة، مسؤولياتها بشجاعة، وأن تتوقف عن استجداء الحلول من بغداد، فالحقوق لا تمنح، بل تنتزع بالسياسات والإرادة والشفافية. ومصارحة الشعب هي الخطوة الأولى نحو بناء الثقة، أما السكوت والتسويف، فلن يؤديا إلا إلى مزيد من الغضب والانهيار. الحل موجود في أربيل وليس في بغداد. الاعتماد على النفس لم يعد خيارا، بل ضرورة استراتيجية لحماية كرامة الموظف، وضمان استقرار الحكم في كردستان ضمن أو خارج إطار العلاقة المتوترة مع بغداد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات