لا يكاد يمر يوم ، إلّا وسمعنا أو قرأنا ،( الدولة تسترد كذا مليار دينار من الوزارة الفلانية ) ، أو أن (النزاهة “تكتشف” هدرا بالمال العام بكذا مليار دينار )! ، دون الإفصاح عن مسبب الهدر أو الإختلاس أو واجهته ، بل لا تجرؤ ، نحن نتحدّث عن عن مليارات أيها السادة ! ، ثم ما الدليل على إسترداد هذه المبالغ ، بإعتبار أن ثقة المواطن بالدولة معدومة تماما ولا يمكن أن تعود طالما بقيت “الكارتلات” التي يسمونها أحزاب أو جماعات أو أفراد ممسكة بدفة البلد ؟! .
هكذا تضعضعت هيبة الدولة إلى درجة الزوال في نظر المواطن الذي لا يزال يعزف على وتر (ماكو دولة) ! ، فبحثت في جعبتها الفارغة علّها تسترد شيء من هيبتها الضائعة ، فأتجهت إلى الحلقة الأضعف ، المواطن العادي ، ومنهم كاتب هذه السطور الذي ينتمي إلى الغالبية العظمى ، مجرد واحد من عشرات الملايين ، ترى ماذا تنتظر الدولة من هذا المواطن ؟ الولاء ؟ ، التهليل لأي إنجاز مهما كان تافها ؟ ، وهو يعلم أن هذا الإنجاز (لو سميناه إنجاز) ذو صلاحية تنتهي بإنتهاء الإنتخابات !.
الماء الذي يحتوي على شوائب وأملاح حسب قراآت أجهزة فحص الماء ، فلجأ المواطن إلى شراء ماء (الآر أو) ، وماء الإسالة لا يصعد إلا بضع سنتمرات عن وجه البلاط ، فكيف يصل لمبردة الهواء ، الجهاز الوحيد الذي ربما يعيننا على مواجهة الحر اللاهب ؟،فلا قبل لنا بتشغيل أجهزة التكييف بسبب الغياب المزمن للطاقة الكهربائية ، لهذا عليك شراء مضخة ماء ! ، والمفارقة أنها تحتاج لطاقة كهربائية غير متوفرة ! إلا من المولدات ، وعادة ما تكون المضخة (الماطور) هو القشة التي تقصم ظهر البعير ، فتنزل (الجوزة)! .
منزلي ربما الوحيد في الفرع الذي بقي دون أن يتجزأ إلى مجموعة من المنازل ، فمعظم المنازل قد جُزّأت إلى منازل بمساحة 50 م² ! ، وكل منزل يمتلك سيارة (أو إثنتان) ، وهي لا تحتوي على (گراج) طبعا لذلك يلجأ إلى رصفها في الشارع ، ولكم أن تتصوروا كيف أصبحت الفروع بسيارات مصطفة على الجانبين ، تاركين مجالا لسيارة واحدة تمر بين الصفّين ، وعادة ما تحدث خصومة بين السيارات القادمة والمغادرة بسبب إكتظاظ السير ، وكلما أردت إخراج سيارتي ، أجد أحدهم وقد سدّ باب منزلي بسيارته ، وعليّ أن أطرق الأبواب لأعرف عائديتها مع الإعتذار ! ، فهم جيران رغم كل شيء !.
هكذا إختفت الأرصفة من الشارع بسبب تجاوز أصحاب المنازل هؤلاء ، وصل الإستهتار ببعضهم أن يضع سُلّما على تبليط الشارع ليصل إلى الطابق العلوي !، معظمهم إغتصبوا الأرصفة فأحاطوها بصفائح حديدية صدئة قبيحة مليئة بعبارات رثاء أو صور الحسين (ع) ، وهو منهم بريء ! ، فلو عرفوا شيئا من مبادئ هذا الثائر العظيم ، ما فعلوا ما فعلوه ، وأعود بعد مكابدتي للإزدحام المروري الذي يرافقني حتى عتبة باب منزلي ! .
هكذا أصبحت أحيائنا جحيما لا يُطاق ، وكنت من القلائل جدا ممن يمتلكون حديقة ، لكن المنازل الجديدة إرتفعت عن أرض منزلي بما لا يقل عن 70 سم ، وهنا جاء دور المجاري التي تفيض (أجلّكم الله) بصورة دورية ، ونحن من القلائل جدا ممن يستشعرون بفيضانها بسبب إنخفاض منسوب (المنهول) بالنسبة إلى منازل المنطقة ، فتغمر الحديقة حتى تحوّلت إلى صحراء سبخة ، وعادة ما أكون الوحيد ممن يطلب النجدة من السيارات (الصاروخية) ، لإعادة تسليك المجاري ، رغم أن جميعهم متضررون ولكن لا يشعرون ، وبسبب زيادة إرتفاع المنازل المحيطة بي ، حيث أن بعضها بثلاث طوابق ، إنطفأت الشمس عن الخلايا الشمسية على سطح منزلي ، وأعمت هوائي (الستلايت) ، بل وهوائي (النانو) الخاص بالانترنيت ! ، عدا الأثر التدميري على أساسات المنزل القديم أصلا .
دولة ، تركت الحبل على الغارب ولا تتدخل في بعض الفصول العشائرية التي ينأى منها حتى العُرف الجاهلي ، وتركت المواطن –الضحية- تحت رحمتها ، وبعض هذه العشائر تلبس الحق بالباطل وبالعكس ، وتبتز المواطن حتى لو صوّرته 10 كاميرات تثبت برائته ! .
ما فائدة ثروات الوطن التي يقولون عنها إنها كثيرة إن لم تنعكس على حياة المواطن اليومية ؟ ، فأجور الوقود في دول الخليج وحتى إيران ، أجور رمزية ، لكن الدولة تعاملنا وكأننا أصحاب أكبر المدخولات في العالم ، أنظر إلى الغرامات والرسوم المرورية الباهظة والضرائب ، أحدنا يتجول في سيارته وكأنه سارق يهرب من السلطان ! ، لا تعرف هل تراقب سرعة السيارة ونحن لا نمتلك خطوطا سريعة (!!) ، أم وضعك لحزام الأمان في بلد لا أمان به ! ،لماذا جميع وزاراتنا عبارة عن واجهات خاسرة وتشكل عبئا على الميزانية ؟! .
ما أبلغ المثل الذي يصح خصوصا في العراق والقائل (لا حاكم ولا حكيم) ، أنظروا إلى الفرق الشاسع بين دخل المهندس والطبيب ، فالمهندس يجد نفسه عاطلا في بلد بلا تنمية ، أما بعض الأطباء فأجورهم تصل لحد الإجرام ، فمدخولاتهم اليومية تصل لعشرات أضعاف راتبي التقاعدي الشهري خصوصا أطباء إختصاص العقم والإنجاب ، وتآمرهم مع صيدليات ومختبرات محددة ذات أجور باهظة لحد الكفر ، أعرف الكثير من معارفي وقد بذلوا الملايين تلو الملايين لأجل الإنجاب ، دون فائدة ، معظم الأدوية التي تكتبها المستشفيات الحكومية ، يشتريها المريض من صيدليات خارجية .
منذ سنوات ونحن نمنّي النفس بتعديل سُلم الرواتب وبصرف مستحقات الجيش السابق بتعويضنا عن دفعة سيء الذكر (بريمر) الذي كان يرمي لنا الفتات تحت مسمى (دفعة الطوارئ) في مطار المثنى ، بعد قراره الإجرامي بحل الجيش السابق ، وغالبا ما كانت الفطائس الإنتحارية لنا بالمرصاد من أجل بضعة دولارات ، ونحن نرى المليارات تلو المليارات تتطاير ، لكننا جُفينا ، وأي جفاء من المحسوبين على أبناء جلدتنا !.