في مثل هذه الأيام تعود بنا الذاكرة إلى واحدة من أنبل المحاولات الثورية في تاريخ العراق المعاصر إلى صرخة صدق خرجت من أعماق معاناة جندي بسيط أراد أن يعيد للوطن كرامته المسلوبة ويكسر شوكة الظلم الذي فرضه انقلابيو شباط الأسود عام 1963
حسن سريع لم يكن ضابطًا رفيع الرتبة ولا قائدًا مدعومًا من الخارج ولم يكن يملك من القوة سوى يقينه بأن الوطن يستحق التضحية وبأن الدماء التي سالت في شوارع بغداد والمحافظات لم تكن لتذهب سدى فقرر أن يقول لا من موقعه كعريف بسيط في الجيش العراقي ليكتب ملحمة نادرة في التاريخ الوطني تحرك حسن سريع من منطلق وطني خالص لا تحركه أطماع سلطة ولا أحلام انقلاب بل ألم شعب مقهور وأصوات المعذبين في السجون ومشاهد الجثث التي أُلقيت على قارعة الطرق بعد انقلاب البعثيين الأوائل وجد أن الصمت خيانة وأن الانتظار مساهمة في استمرار الجريمة فبدأ التنظيم والتحشيد بين رفاقه من ضباط الصف والجنود الوطنيين في معسكر الرشيد
رغم بساطة التخطيط وقلة الإمكانيات إلا أن الروح التي حملها هذا العريف كانت أكبر من الحسابات العسكرية لقد اندلعت شرارة التمرد في تموز 1963 في لحظة ظن فيها الجلادون أنهم أحكموا قبضتهم لكن بغداد سمعت صوتًا آخر كان مختلفًا صوت عسكري بسيط يخبرهم أن الوطن ما زال فيه من لا يرضى بالذل فشلت الثورة عسكريًا لكنها انتصرت أخلاقيًا وشعبيًا فالشعب الذي كان يتعرض لأبشع أنواع القمع وجد من يقول كفى لقد قالها حسن سريع ومضى إلى المشنقة مرفوع الرأس مؤمنًا أن التاريخ سينصفه وأن العراق لن ينسى أبناءه البررة مرت السنين وتبدلت الوجوه وتعاقبت الأنظمة لكن بقي اسم حسن سريع شاهدًا على لحظة صدق نادرة وبقيت ثورته نبراسًا لكل من يؤمن أن التغيير لا يحتاج إلا إلى إرادة صلبة وضمير حي
في ذكرى هذه الثورة نترحم على روح العريف البطل ونستذكره لا بوصفه منقلبًا بل بصفته ثائرًا شريفًا جسّد معنى الوطنية في أبهى صورها ومنح العراقيين مثالًا خالدًا في الشجاعة والوفاء حسن سريع لم يمت إنه يعيش في ضمير كل عراقي حر يرفض الاستبداد ويحلم بوطن يليق بتضحيات الشرفاء