ما زلنا نعتقد أننا عندما نخطئ تأخذنا العزة بالكبرياء فلا نقبل أن نقدم الاعتذار عن الخطأ الذي ارتكبناه والذي ربما تسبب في إحراج أو جرح مشاعر الآخرين، لأننا نعتقد أن الاعتذار نوع من الانكسار أو ضعف في الشخصية، أو أنه انتقاص من كرامتنا دون أن نأخذ بعين الاعتبار مشاعر وكرامة الآخرين. فتجد الكثير منا اليوم يستكثر أو يتجنب أن يقول كلمة “أنا آسف”، وأكثرنا يعلم في داخله أنه مخطئ وأن الحقيقة تتطلب منه الاعتذار وأن يكون اعتذاره هذا نابعًا من صدق النية ورغبة في إصلاح ما قاله من كلام غير لائق بحق غيره. إن الاعتذار لا يجرح الكرامة كما يتصورها البعض، بل يرفع من قدر الشخص الذي يقدمه لإصلاح أخطائنا الدنيوية التي نقع فيها جميعًا…
يجب أن نعرف جميعًا أن الكرامة الحقيقية ليست في عنادنا وإصرارنا على ارتكاب الأخطاء، بل في امتلاكنا الشجاعة للاعتراف بكل عمل نقوم به حتى وإن كانت فيه بعض الأخطاء، وأن نتحمل كل التبعات والعواقب التي تنتج عن أفعالنا غير الصحيحة. وهذا يحتاج بحد ذاته امتلاك الشجاعة الكافية للاعتراف بذلك، لأن الأقوياء فقط هم من يقفون في وجه أنفسهم ويقولون أخطأنا فنعتذر. لان الاعتذار هو منطق العقل دائمًا وإنه يعني القوة ولا يعني منطق الضعف، ويعني أنك واثق من نفسك وقادر على مراجعة كل مواقفك وكل أخطائك التي تقع فيها، وأنك تحترم الطرف الآخر بما يكفي لتستطيع أن تعبر له عن أسفك.
إن العلاقات الإنسانية، سواء كانت بين الأصدقاء أو الأقارب وحتى أفراد العائلة، يجب أن تُبنى على التفاهم والاحترام، وأن يكون الاعتذار أحد أهم أركان هذا الاحترام.
لقد تعلمنا من خلال تجربتنا في هذه الحياة أن الكثير من العلاقات انهارت بسبب كبرياء زائف وكاذب، وبسبب إصرار أحد الطرفين على عدم الاعتذار. وكم من قلوب كانت أخوية تربطها صداقة قوية ابتعدت عن بعضها لأنها لم تسمع كلمة “أسف” في وقتها.
يجب أن نعتذر في الوقت المناسب للاعتذار حتى نعيد بناء الجسور التي تهدمت، وحتى تستمر العلاقات الاجتماعية بين الناس.
لنضع جميعنا في أذهاننا دائمًا أن الاعتذار الصادق هو رجولة وشجاعة ومكسب لمحبة الناس، وهو لا يحتاج إلى كثير من الكلمات، بل إلى صدق في النية وصفاء في القلب. إن كلمة صغيرة بسيطة تخرج من قلوبنا وتقولها ألسنتنا قد تذيب جبالًا من الجليد، وتفتح أبواب التسامح من جديد، وتعيد العلاقات بين أبناء المجتمع.
وفي النهاية، يجب أن نتذكر أن الاعتذار لا يعني أننا فقدنا جزءًا من كرامتنا، بل يعني أننا منحناها المعنى الحقيقي للإنسانية ومنحناها المعنى الحقيقي للتسامح والمحبة والتعايش بين جميع أبناء طبقات المجتمع. وعليه، فإنه من الواجب علينا أن نعالج أخطائنا بالاعتذار، وأن نتقبل اعتذار غيرنا بالتسامح، وأن تبقى المحبة والود سائدة بين الجميع….