الضمير: الملاك الساقط أم الجلاد الخفي ؟ .. قراءة فلسفية ونفسية في صراع الإنسان مع ذاته

الضمير: الملاك الساقط أم الجلاد الخفي ؟ .. قراءة فلسفية ونفسية في صراع الإنسان مع ذاته

منذ لحظة الخروج من رحم الأم إلى حضن الوجود، يولد الإنسان مثقلاً بمفارقة مزدوجة: غريزة للحياة ونداء للضمير… ؛ وهذان الخطّان المتوازيان قد لا يلتقيان أبدًا إلا في أعماق النفس، حيث يدور الصراع الأزلي بين الإنسان وظله، بين نداء الخير وصوت الشر، بين الملاك الساقط والجلاد الخفي الذي يسكننا… ؛ ويُدعى الضمير... ؛ لا تراه، لكنه يراك… لا يسمعك، لكنه يحاسبك… ؛ إنه ذلك الصوت الذي لا نعرف هل هو هبة سماوية، أم لعنة نفسية، أم كليهما معًا... ؛ لذا قيل : أن أعظم النعم الإلهية، وأجمل ما أودعته الطبيعة في بني البشر، هو ذلك الكيان الغامض: الضمير، أو الوجدان، أو الإحساس النفسي الداخلي الذي يُمكِّننا من تمييز الحسن من القبيح، والحق من الباطل، والجيد من السيء، والجميل من القبيح… ؛  فيضطرب فينا شعور غامر بالفرح والسكينة والطمأنينة عندما ننخرط في أعمال الخير والبر، أو نشارك في الفعاليات الإنسانية والأنشطة الأخلاقية النبيلة، أو نسلك طريق الشرف والكرامة، أو نلتزم بالمواقف المشرفة والقيم السامية… ؛ في المقابل، يراودنا شعور بالذنب وتأنيب الضمير ومحاسبة الذات، ونعيش القلق والاضطراب والندم ، كلما اقترفنا خطأً أو ارتكبنا جريمة أو خضنا طريق الظلمة والرذيلة والأفعال الشيطانية أو انزلقنا في دروب الموبقات … ؛ وأكد دوستويفسكي  ذلك في (الجريمة والعقاب) عندما قال : “أي عذاب أقسى من عذاب الضمير؟”

والضمير، كما يقول إيمانويل كانط، هو المحكمة الداخلية التي لا يمكن الفرار منها، مهما بلغ بنا التبرير أو الإنكار… ؛  وهو في فلسفة نيتشه سجنٌ من صنع القيم المسيحية العتيقة التي كبّلت الإنسان وحرمته من غرائزه الطبيعية، فجعلته يعيش محاطًا بوصايا لا تنسجم مع حقيقته البيولوجية والنفسية… ؛ لذا قيل : الضمير ليس صوت الله في الإنسان، بل صوت الإنسان في الله …  ؛  ففي الأصل، كان الضمير – كما يقول كارل يونغ – جزءًا من “الذات العليا”، ذلك الجانب من النفس الذي يسعى للكمال، لكنه سرعان ما تحوّل إلى سوط داخلي يشوّه كل شعور جميل، ويحيل حتى الملذات البريئة إلى جرائم روحية… ؛  فأصبح العاشق مذنبًا، والجائع خائنًا، والمخطئ مجرمًا أبديًا…؛ لا لشيء، سوى لأنه استجاب لنداء فطرته واشبع شهوته وتماهى مع نزوته … !!

فالضمير – وفقا للبعض – هو ذاك الصوت الداخلي الذي يعلو حين يسكن كل شيء، ويهمس حين يصمت الجميع… ؛  يُشعرك بالطمأنينة حين تحسن، ويقضّ مضجعك حين تخطئ… ؛  لكنه في الوقت نفسه، قد يتحوّل إلى لعنة مقيمة، وظلّ ثقيل يطاردك لا لشيء إلا لأنك “إنسان”…!!

لا شك أن الضمير – أو ما يُسمّى الوجدان – هو ما يجعلنا كائنات أخلاقية، قادرة على التمييز بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة… ؛  فعندما نساعد الآخرين، أو نتمسّك بالقيم، أو نرفض الظلم، يغمرنا شعور داخلي بالرضا، وكأنّ شيئًا من نور السماء قد تسلل إلى أعماقنا… لكن، حين نخطئ – عن وعي أو عن جهل – يبدأ ذلك الصوت بالصراخ… ؛  نشعر بالندم والقلق وتأنيب النفس، وتتحول أفكارنا إلى محكمة لا ترحم… ؛ كما اسلفنا .

لكنّ فيلسوف الشك العظيم ديفيد هيوم يقول: “الضمير ليس دليلاً موضوعياً على الخير أو الشر، بل انعكاس للمشاعر المتجذرة داخلنا… ”  ؛ فما يعتبره ضميرك خطأً قد لا يكون كذلك في عيون غيرك، وما تُحاسب نفسك عليه قد يكون طبيعياً وفق بيئة أخرى… ؛ فالفيلسوف هيوم يذهب الى أن الضمير هو “شعور بالرضا أو الاستياء” تجاه الأفعال، وأن هذه المشاعر هي التي تحدد ما إذا كان الفعل يعتبر جيدًا أو سيئًا… ؛  بمعنى آخر، لا يوجد معيار أخلاقي خارجي للحكم على الأفعال، بل هو مجرد انعكاس لمشاعرنا الشخصية … .

وهنا يكمن جوهر المأساة المعاصرة: نحن لسنا فقط ضحايا أفعالنا، بل صرنا ضحايا تأويلنا لها، ضحايا تراكمات من الذنب الثقافي والديني والنفسي… ؛ وصدق دوستويفسكي عندما قال : “الضمير عذاب لا ينقطع”، اذ يلقى ذو الضمير العذاب حين يُقر بذنبه… ؛هذا هو عقابه وفقا لما يذهب اليه فيودور دوستويفسكي … ؛ الا أن هذا العذاب قد يُصنع أحياناً على يد رجال الدين، والسياسيين، والإعلام، والتقاليد البالية والعادات القديمة التي تغلف السيطرة بالفضيلة… .

# فهل الضمير نعمة أم قيد؟ وهل نشأ لردع الشر، أم لغرس الوهم في تربة الروح؟

وبغضّ النظر عن طبيعة الضمير وتعريفات الوجدان، وعن ما قيل فيهما من أطروحات فلسفية وتأملات روحية ونظريات نفسية ، تبقى الحقيقة الثابتة أن تأنيب الضمير أو الشعور بالذنب هو خلاصة باطنية تتولّد في النفس نتيجة فعلٍ مخالف، أو حتى مجرد نية يُظلم فيها النور الداخلي للعقل والقلب… ؛ فالضمير ليس مجرد صوت داخلي يُربك الإنسان، بل هو أشبه ببوصلة خفيّة وُضعت في أعماق الروح لترشده إلى طريق الصواب وتمنعه من التورط في الظلمة، حتى لو لم يكن هناك قانون أو رقيب خارجي.

ولذلك ورد في الأثر الديني عن أهل البيت : “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”، وهي حكمة بالغة تجعل من القلق والارتياب الداخلي دليلاً على خطأ الطريق، وتُعلي من شأن الطمأنينة النفسية كعلامة صدق وسلامة… ؛  إنهم لم يقدّموا تعريفاً نظريًا للضمير، بل أرادوا أن يغرسوا معيارًا وجدانيًا عميقًا في ضمير الإنسان، معيارًا لا يحتاج إلى محاكم أو نصوص أو وعّاظ، بل إلى الإصغاء لصوت النفس حين تضطرب، ولرجفة القلب حين يخون، ولانقباض الصدر حين يوشك على التلوث بفعلٍ أو نية لا يرضاها الله ولا يطمئن إليها القلب.

الضمير ـ في حقيقته ـ ليس شيئًا موروثًا فحسب، بل هو نتاج تفاعل طويل بين الفطرة، والتربية، والتجربة , والوراثة , والبيئة … ؛  وقد يكون الضمير يقظًا حيًا كما قد يكون ميتًا أو مخدرًا أو قابلاً للتشويه؛ وهنا تتجلى أهمية الإيمان والوعي والتزكية في صيانته من التآكل… ؛  فكلما اقترب الإنسان من صفاء القلب، قويت بصيرته، وأصبح أكثر حساسية لأي انحراف داخلي، بينما كلما تبلدت مشاعره وانغمس في الاعتياد على الخطأ، صَمَتَ الضمير أو تشوّه منطقه.

ولعل هذا ما أراد الأئمة  من ال البيت  الإشارة إليه حين جعلوا الضمير معيارًا لا يُكذب، وصوتًا لا يُستهان به، حتى لو خالف المصلحة أو خذله الجمهور… ؛  فالحق لا يقاس بالكثرة، وإنما يُقاس بنقاء الباطن وسكينة القلب… ؛  إذ ليس كل هدوءٍ راحة، ولا كل اضطرابٍ باطل؛ وإنما الطمأنينة التي يقصدونها هي ذلك النور الباطني الذي يتوهج حين تتخذ موقفًا أخلاقيًا سليمًا، ولو كان صعبًا، بينما القلق الوجداني هو ذلك الإنذار المقدّس الذي يمنعك من أن تتحول إلى آلة بلا روح أو مجرم بلا ندم.

# الثنائية الإنسانية : المسخ الكامن والصراع الأبدي بين الخير والشر

لكن ثمة حقيقة أخرى، و طبيعة إنسانية لا تقل بداهة عن الحقيقة  او الظاهرة السلوكية التي ذكرناها انفا: الا وهي قدرة البشر على ارتكاب الجرائم والأخطاء والموبقات… ؛ و قدرة الإنسان الفطرية على الانزلاق نحو الشر والظلم ؛ لذا انشد الشاعر قائلا :

وَالظُّلمُ مِن شِيَمِ النُّفوسِ فَإِن تَجِد ***  ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ”.

اذ يذهب الشاعر ( ابو الطيب المتنبي ) الى :  أن الظلم صفة طبيعية متأصلة في نفوس البشر، أو أن النفوس مجبولة على الظلم ، ومن لا يظلم فلعله لسبب ما يمتنع عن الظلم كالعجز أو الخوف … ؛ اذ يرى المتنبي في هذا البيت الشعري :  أن الظلم هو طبع في الإنسان، ومن لا يظلم فإنه لعلة ما يمتنع عن ذلك… ؛ فمن  يترك الظلم فإنه لسبب يمنعه من ذلك، وليس لأنه يكره الظلم بطبعه.

وقد أكد كتاب القران الكريم هذه الظاهرة او الحقيقة ؛ اذ جاء فيه : ((  وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ )) فالنفس البشرية، كما وصفها كتاب القرآن الكريم في آيات اخرى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} … ؛  لوّامةٌ عند الزلل، وأمارةٌ بالسوء عند الغفلة او في الاعم الاغلب … ؛ اذ يحمل الإنسان في أعماقه نوازع الخير والشر معاً، مما يخلق صراعاً داخلياً أبدياً مع الذات، وآخر خارجياً مع بني جنسه وسائر المخلوقات… ؛ و هذا الصراع الذي يُجسده سيغموند فرويد في نموذجه (الهو، الأنا، الأنا العليا)، حيث يتصارع… ؛ الغريزي (الهو) مع الأخلاقي (الأنا العليا) تحت رقابة الواقعي (الأنا)… ؛ هذا التناقض الذي صوّره فرويد في نموذجه الثلاثي (الهو، الأنا، الأنا العليا) يعكس حقيقة الصراع ، حيث تتجاذب الغرائزُ القيمَ في ساحة الوعي… .

بل ذهب الفيلسوف الالماني نيتشه في كتابه (هكذا تكلم زرادشت) الى إن الإنسان حيوان لم يستقر بعد … ؛ و تعكس هذه المقولة رؤية نيتشه للإنسان ككائن في حالة صيرورة وتطور مستمر، وليس ككيان ثابت ومستقر… ؛ فهي  تشير إلى أن الإنسان ليس كائناً كاملاً ومحدداً، بل هو في رحلة دائمة نحو تحقيق ( الإنسان الأعلى) … ؛ فالنفس البشرية ليست محض ملَك طاهر، بل هي قابلة كذلك لارتكاب الأخطاء والجرائم؛ فكما أن فيها ما يدعو للخير، ففيها ما يحض على الشر… ؛  إنها في صراع دائم بين نوازع النور والظلام… ؛  ولهذا كان الإنسان ولا يزال يعيش صراعًا داخليًا بينه وبين نفسه، وصراعًا خارجيًا بينه وبين الآخرين، بل وحتى مع بقية الكائنات كما اسلفنا ؛  إنها مسرح دائم للصراع بين الدوافع الغريزية والنوازع الأخلاقية… ؛  فالإنسان ليس كائنًا نقيًا  ولا ملاكًا محضًا ولا شريرًا بطبعه ولا شيطانًا رجيما ، بل كائن معقّد يحمل الخير والشر معًا… ؛ بل مزيج معقّد من النزعات والتجاذبات والشهوات والنزوات والاعتقادات … ؛ ومن هنا ينشأ الصراع الدائم في داخله، بين ضمير يرشده، وشهوة تغويه، بين عقل يحكم، ونفسٍ أمّارة بالسوء … .

# فضيلة الاعتدال: منهج التعامل مع الذنب 

يقول الفيلسوف الإغريقي أفلاطون إن النفس الإنسانية مكونة من ثلاثة عناصر: العقل، والغضب، والشهوة… ؛  وبين هذه الثلاثية تتوسط الفضيلة … ؛ فهي حالة وسطى كما قال قدامى الفلاسفة والمفكرون ؛ فالشجاعة حالة وسطى بين الجبن والتهور , وكذلك الكرم يقع بين البخل والاسراف والتبذير … الخ … ؛ كذلك ما نحن فيه من بيان هذا المطلب الفلسفي والظاهرة السلوكية والحالة النفسية , فلا يصح ان يأنب الانسان نفسه بصورة دائمة ومبالغة فيها لأدنى خطأ , ولا يصح إدمانُ جلد الذات لأدنى هفوة ؛ وكذلك لا يصح موت الضمير وغياب الشعور الوجداني من الانسان بصورة تامة  … ؛ فإن التعامل مع الضمير يجب أن يكون وسطياً أيضاً…, و يجب أن يحكمه التوازن ؛ وكذلك يجب أن يكون الضمير: ميزانًا لا سوطًا، دافعًا للإصلاح لا سببًا للعقاب الأبدي ؛  فلا يصح إدمان تأنيب النفس وتضخيم الشعور بالذنب لأبسط زلة ، كما لا يصح موت الضمير و فقدان الحس الأخلاقي كما اسلفنا ؛ وقد حذر البعض من اليأس الصامت الناتج عن عدم الاعتراف بالذنب أو تضخيمه ,  وعده من  أخطر أشكال المرض الروحي… ؛ وهذا التكوين المتضاد هو ما يجعل الضمير نعمة حين يوازن، ولعنة حين يطغى… .

فالتوازن هو كلمة السر: أي أن نسمح للضمير أن ينبهنا، لا أن يجلدنا… ؛ أن نتعلّم من الخطأ، لا أن نعيش أسرى له… ؛  أن نفهم أن الشعور بالذنب يمكن أن يكون محرّكًا للنمو، لا سببًا للاحتراق الذاتي.

فهل المطلوب من الإنسان أن يعيش عذابًا داخليًا لا ينتهي بسبب هذا الصراع؟ أم أن المقصود أن يتعلّم كيف يدير نوازعه بطريقة إنسانية متوازنة ؟؟

# المروق عن الحالة الاخلاقية الوسطى

مر عليكم ان الفضيلة تتوسط السلوكيات والمشاعر كحالة من الانسجام الداخلي، و كعزف متوازن في سيمفونية الأخلاق… ؛  لكن هذه السيمفونية سرعان ما تُخدَش حين تتحول نغمة تأنيب الضمير من لحن إنذاري إلى جوقة حزينة لا تهدأ… ؛  ففي السابق، كان الضمير يحرس البوابة، ينبهك إن انحرفت، واليوم صار يتربص بك حتى في يقظتك وسُهادك، في فرحك وذنبك، في لحظات البراءة قبل لحظات الخطيئة… ؛ اذ لم نعد نعيش في عالم “الوسط”، بل في عصرٍ تتضخم فيه الأخطاء، وتُبتلع فيه الخيرات وسط صخب التأويلات الأخلاقية المتطرفة… ؛  أصبحنا نلوم أنفسنا ليس لأننا قتلنا، بل لأننا فكرنا؛ نجلد ذواتنا لا لأننا أفسدنا، بل لأننا لم نحقق الكمال المفروض من ثقافة مثالية، أو دين مغلق، أو إعلام يُسوّق للعار بوصفه قداسة… ؛ لاسيما ونحن نحيا عصر تضاربت فيه القيم وتبدلت الاخلاق , وتغيرت المثل والعادات والتقاليد , واصبح كل شيء نسبيا , اذ صار حلال الامس حرام اليوم وحرام الامس حلال اليوم , و ابيح اليوم ما كان ممنوعا في السابق , فاصيب انسان العصر الراهن بظاهرة الشعور بالذنب وتأنيب الضمير وعدم الرضا عن الذات او القبول بالشخصية … الخ… ؛ اذ لم يعد الضمير المعاصر آلية أخلاقية لتحسين السلوك فحسب، بل صار أداة تعذيب داخلي، ضبابًا دائمًا يحجب الرؤية عن ذاتك الأصيلة… ؛  فهل نحن فعلاً مذنبون؟

أم أننا ضحايا معيار أخلاقي متقلب، تسللت إليه الأيديولوجيات والإعلانات والديانات المنمطة والسياسات المنحرفة، حتى بات الواحد منّا يُشعر بالعار لأنه أحب، أو أكل، أو نام، أو ضحك , أو مارس الجنس ؟ أهذا ذنب، أم أن الذنب صار سلعة في السوق السوداء للعواطف؟!

# وباء العصر: الشعور بالذنب  وتأنيب الضمير كظل وجودي 

وهنا ندخل في نطاق الذنب الوجودي الذي تحدث عنه كارل يونغ، حيث يرى أن الشعور بالذنب ليس فقط نتيجة لفعل مشين، بل قد ينبع من القمع الداخلي، من الانفصال بين ذاتك الحقيقية وذاتك الاجتماعية، من شعورك بأنك لم تحقق شيئاً، أو بأنك لست كما ينبغي لك أن تكون… ؛ ففي هذا العالم المضطرب، حيث القيم متبدّلة، وحيث تقلصت دائرة الحقائق واليقينيات واتسعت دوامة الشكوك والاوهام والافتراءات والادعاءات ؛ وتحولت المطلقات إلى نسبيات … ؛ قد تجد نفسك محاطًا بألف معيار للفضيلة، وعشرة آلاف تعريف للخطأ، فتضيع في بحر الأخلاق النسبي وتفقد البوصلة… ؛ وعندها كيف تحكم على فعلك بأنه صواب أو خطأ؟

هل بموجب دينك؟ أم ثقافتك؟ أم القانون؟ أم ما يروجه الإعلام … ؟

هذا الإعلام ذاته الذي يبيعك الذنب، ويمنحك شعورًا بالعار، لا لأنك أجرمت، بل لأنك غير منسجم مع القطيع او السلطة ؛ وفي  هذا الخضم، نشأت هذه الظاهرة الخطيرة: “تضخم الشعور بالذنب , و استفحال ظاهرة تأنيب الضمير ” .

أليس غريبًا أن الإنسان الحديث، رغم كل حرياته المزعومة، بات أكثر شعورًا بالذنب من إنسان العصور الدينية الصارمة؟!

كما لو أن العالم كلّه صار كنيسة خفية، والإعلام هو الكاهن، والسلطة هي الرب الزائف الذي يراك أينما كنت ويقيسك بمعايير لا تعرفها… ؛ فقد اضحت ضمائرنا ليست حرة، بل مبرمجة، تنبض بما لقّنتنا إياه العائلة، المدرسة، المسجد، التلفاز، السلطة , وربما الإعلانات التجارية … ؛  لقد صرنا نعيش كما قال البعض : “عبودية مقنّعة في قوالب من الفضيلة”.

إن الخطر ليس في الشعور بالذنب بذاته، بل في تحوّله إلى عادة، إلى طقس يومي… ؛ اذ لم نعد نؤنّب أنفسنا لأننا قتلنا ضميرنا، بل لأننا لم نكن مثاليين بما فيه الكفاية… ؛  نحن لا نكره الشر، بل نكره عجزنا عن الوصول إلى ما يُسمى “الصواب المطلق او الكمال او الحالة المثالية والمتخيلة “، ذلك السراب الذي وضعوه على رؤوس الجبال وقالوا لنا: اصعدوا اليه … ؛ وهنا يكمن المأزق الحقيقي: لقد بات الضمير جرحًا لا يندمل، لأننا لا نعرف إن كان خطأنا حقًا، أم أن الخطأ في معايير الخطأ ذاتها… ؛ اذ صرنا نعيش اليوم في عصر تتصادم فيه القيم كنجوم منهارة في فضاء سريالي ؛  فما كان رذيلة في الأمس أصبح فضيلة اليوم، وما كان فضيلة صار تهمة وشبهة … ؛ وقد تنبّه سيغموند فرويد إلى هذه الفوضى حين قال إن “الأنا الأعلى” (الضمير الجمعي) قد يتحوّل إلى طاغية، يمارس الاستبداد باسم الأخلاق… … ؛ اذ اصيب إنسان العصر بوباء مُستفحل: الشعور الدائم بالذنب، وتأنيب الضمير المُبالغ فيه، وعدم الرضا عن الذات… ؛ اذ لم يعد الذنب إنذاراً عابراً يحث على التوبة، بل تحول إلى ظل سريالي يلازم الفرد في كل مكان: في البيت والعمل، في السفر والحضر، بل ويتسلل إلى فراشه، محولاً ليله إلى جحيم من الأرق والقلق… ؛  فقد أصبح تأنيب الضمير عادة يومية، لا لارتكاب جريمة محددة، بل لعدم الرضا الجذري عن الوجود نفسه كما اسلفنا … !

# التحول الجذري: من الإنذار إلى النمط 

 تحول هذا الشعور من رد فعل طارئ – يختلف تعريفه باختلاف المنظومات الأخلاقية والتربوية والفلسفية – إلى نمط حياة دائم … ؛  فقد انتقل الصراع من الخارج إلى الداخل: صراعٌ مع الذات ومع القيم المتصارعة في أعماقنا… ؛  صراعٌ يشبه محاكمة كافكا في روايته (المحاكمة) حيث يُدان المرء بلا تهمة واضحة…!!

وقد أصبح الشعور بالذنب آلية مَرَضية لا عقلانية… ؛ اذ  تحوّل من إنذار صحي إلى روتين يومي يُسحق فيه الإنسان تحت وطأة المقارنة، والتوقعات، ومثالية مستحيلة… ؛  كثيرون لا يؤنّبهم ضميرهم لأنهم ارتكبوا ما هو خاطئ فعلاً، بل لأنهم لم يحققوا الصورة التي رسمها لهم الآخرون أو الإعلام أو المؤسسات الدينية والمجتمعية … الخ .

وهنا تكمن خطورة الضمير حين يفقد بوصلته: حين يصبح الحكم على الفعل ناتجًا عن ثقافة زرعت فينا الخوف، لا الفهم… ؛  فقد يؤنّبك ضميرك لأنك أحببت، لأنك رغبت، لأنك كنت صادقًا مع نفسك، لأنك رفضت كذبًا جماعيًا…؛ او  ربما ما فعلته لا يُعدّ شرًا، أو لم يكن بملء إرادتك، بل نتيجة ظرف قاهر أو ضغط عابر… ؛  نعم لم يعد الضمير يحاسبك لأنك أخطأت، بل لأنه يُوهمك أنك “ناقِص او فاشل “، “شرير او لست كاملا “، “عديم القيمة ولست ناجحا “… ببساطة: لأنك لست مثاليًا… ؛ فقد انقلب إلى جلّاد داخلي، وعُقدةٍ نفسية، وهاجسٍ دائم يقود صاحبه إلى الاكتئاب أو احتقار الذات ؛ و صار تأنيب الضمير وهمًا مقيمًا، يطارد الفرد لسبب وبدون سبب، يحرم عليه الراحة، ويمنعه من العيش بسلام…!!

 فهل كل شعور بالذنب حقيقي؟

وهل ما تظنه خطأً، هو بالفعل كذلك؟

أم أنك فقط ضحية لمعايير غُرست فيك منذ الطفولة، دون أن تسأل: من وضعها؟ ولماذا؟

وأحسن القول دستويفسكي عندما قال : “لا شيء أكثر عبثية من ضمير لا يفهم لماذا يحاكمك”؛ اذ تعكس هذه المقولة فكرة أن الضمير يجب أن يكون مفهوماً وواضحاً في أحكامه، وأن يكون مدفوعاً بفهم عميق للسلوك وأسبابه… ؛  فعندما يكون الضمير في حالة صراع ولا يجد مبرراً لأحكامه، فإنه يفقد قيمته ويصبح أداة لتعذيب النفس بدلاً من أن يكون مرشداً أخلاقياً … ؛ وهو قول يكشف عن التحول الخطير الذي أصاب الضمير المعاصر: من وسيلة للمراجعة إلى سلاح نفسي يقمع الذات.

في ظل هذا التحول، من الطبيعي أن يصاب الإنسان بالقلق المزمن، والأرق، والتوتر الوجودي…؛  فالضمير بات يلاحقنا حتى في أحلامنا، لا لأنه يحذرنا من الشر، بل لأنه لا يتيح لنا أن نعيش كبشر…!!

هذا الشعور القاتل لم يعد مجرّد إحساس إنساني، بل أصبح – للأسف – أكبر عملية “نصب عاطفي” في التاريخ.

الإعلام يبيع لك الشعور بالذنب عبر عناوينه، والسلطة تُحمّلك وزر فسادها، وتوهمك بأنك شريك في جريمتها، رغم أنك ضحية من ضحاياها…؛ وكذلك الأطر الثقافية والدينية والاجتماعية تُغذّي هذا الإحساس المَرَضي؛ فتُحمّلك وزر أخطاء ليست لك، وتُشعرك أنك شريك في فساد لم ترتكبه، فقط لأنك “تعيش ضمن منظومة فاسدة”…!!

صحيح أن تأنيب الضمير آلية نفسية طبيعية، تحمينا من التوحش والانحراف، لكنها تحولت إلى عبء مدمر حين اصبحت هاجسًا دائمًا، يصور لنا الصغائر على أنها كبائر، ويجعل من الفعل البيولوجي الطبيعي جريمة، ومن العشق ذنبًا لا يُغتفر.

نعم، الشعور بالذنب جزء من إنسانيتنا، لكنه يجب أن يبقى في حجمه الحقيقي… ؛  دعْهُ ينبهك، لا أن يقودك… ؛ وعليه : ميّز بين الشعور المنطقي الذي يراجعك برفق، وبين الشعور المرضي الذي يسلبك الطمأنينة ويغذي القلق… ؛  فلا تدع الضمير يجلدك إلى ما لا نهاية… ؛ و لا تسمح له أن يتحوّل إلى ساحر مظلم يصوّر لك الحب كفاحشة، والطموح كجشع، والرغبة كخطيئة، والمقاومة كتمرد آثم.

# الإنسان كائن ناقص

اشارت الآيات القرآنية الى ان الله خلق الانسان بهذه الصفات وغيرها : ((خُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا … ؛ … إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا … ؛ وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا… ؛ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي …  ))

نعم خلق الله الانسان وفيه غريزة البقاء لذا تراه يكدح في سبيل الحصول على الطعام  وتأمين قوته ؛ كذلك اودع فيه الغريزة الجنسية التي قد تدفعه احيانا لعلاقات شتى في سبيل اشباعها وارواء النفس ؛ وغيرهما من الغرائز والرغبات والشهوات … .

غير أن هذه الغرائز والرغبات  لا تُشبع بسهولة ويسر ، مما يخلق صراعًا وتنافسًا، وانقلابات في العلاقات وتحولات في السلوك وتغيرات في النوايا … ؛ وبما أن الإنسان كائن فقير في أصل خلقه، ومليء بالشهوات والتطلعات، فمن الطبيعي أن يخطئ أحيانًا في هذا السعي، وربما يظلم غيره دون وعي …؛ وقد تدفعه للزلل غير المقصود ؛ فقد يخذل الأخ أخاه، وقد يهجر الصديق  صديقه، وقد يغدر الصاحب بصاحبه , وقد يلتهم اللقمة والجياع تنظر اليه وهو لا يبالي  … الخ .  

وقد انشد الشاعر والفيلسوف عمر الخيام هذا البيت الشعري ؛ محتجًا على دعاة تضخيم الشعور بالذنب ؛ ومخاطبا الاله الذي خلقه وصنعه بهذه الكيفية وأوجد فيه كل تلك الصفات السلبية  :  “وما يكن ذنبي إن تكن أنت صانعي؟!”

فإذا كان الإنسان مخلوقًا من طين وشهوة، فمن الطبيعي أن يسقط ويخطئ ويتوه… ؛  فهل المطلوب أن نكون ملائكة بلا أجنحة ولا طيران؟ أم بشراً نجرّب ونتعلم ونخفق وننهض؟

نعم الإنسان كائن ناقص، و لكن هذا النقص هو مصدر إبداعه …؛ فعدم اكتمال الإنسان وقابليته للخطأ والنقص هما ما يدفعه للبحث عن الكمال والسعي للتطور والإبداع… ؛  بعبارة أخرى: النقص ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل هو محفز للنمو والابتكار.

#  كيف نفهم خطايانا , ونتعلم من أخطاءنا ؟

الأخطاء هي التجارب التي تجعلك أكثر قيمة كشخص واعي خبر الحياة وعرف خيرها من شرها … ؛  واعلم بان الذي يعمل يخطئ , والعاطل عن العمل لا يخطئ ابدا , ومن لا يعمل يعيش في وهم الكمال ؛ لا لسمو نفسه بل لفراغ ذاته وقلة تجاربه في الحياة وعدم ابتلاءه بالمغريات والتحديات … ؛ فالخطأ ليس سقوطًا اخلاقيا او انحطاطا انسانيا ، بل ميلادًا آخرا… ؛  والعثرات ليست قبورًا، بل سلالم متعرجة… ؛  ففي كل مرة تُخطئ فيها، ينبت في داخلك إنسانٌ جديد، أكثر وعياً، أكثر اتساعًا، وأكثر رحمة , وأكثر فهما وتفهما وتسامحا … ؛ لذلك جاءت الآيات القرآنية والروايات الدينية تؤكد على تسامح الاله مع المذنبين والمخطئين , وتفتح باب التوبة والمغفرة امامهم , وتحذرهم من اليأس من رحمة الله , وتعدهم بالجنان والرضوان – {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}   – ؛ فقد قرنت هذه الآية الكفر باليأس من رحمة الله ومغفرته …؛ فليس الخطأ هو العار، بل الإصرار عليه… , وليس الذنب هو الخطيئة الأبدية، بل اليأس من مغفرة الله، ومن إمكانيّة التغيير… ؛ وجاء في الاثر الاسلامي ايضا : “كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون” … ؛ وغيرهما الكثير الكثير ؛ وهذه النصوص الدينية  تؤكد أن لا مكان لليأس، وأن الإنسان مدعو إلى تصحيح مساره لا الانتحار النفسي بتأنيب لا يتوقف… ؛ فالإنسان ليس معصوما من الخطأ والذنب , الا ان الله يحب الذي يخطئ ويذنب كثيرا الا انه يتوب في كل مرة ويقلع عن الذنب … ؛ وعليه : ليست المثالية الجامدة والتعصب والسلوكيات المكررة المتخشبة هي التي تصنع الإنسان النبيل، بل الأخطاء التي تعلّم منها، والهفوات التي تجاوزها، والذنوب التي تاب عنها… ؛ أي أن الخطأ قدرنا، والتوبة شرفنا، والنهوض مجدنا.

وهنالك مثل يقرب لنا تلك المعاني : فإذا فسد الحليب، فإنه يصبح ( زبادي او روبة ) و الزبادي أغلى من الحليب… ؛  وإذا ساء الأمر  وفسد ( الزبادي )  فإنه يتحول إلى جبن، وهو أكثر قيمة من ( الزبادي  ) والحليب… ؛ وكذلك  العنب الفاسد  يتحول الى عصير عنب , ومن ثم يتحول الى حامض , ثم  يتحول تلقائيا  إلى نبيذ، وهو أغلى من  العنب و عصير العنب… ؛ مما مر تعرف انك  لست شخصًا سيئًا لأنك ارتكبت أخطاء او ذنوب او جرائم او مخالفات او موبقات … ؛ فلا تدع أخطائك تحبطك ولا ذنوبك تؤنبك تأنيبا سلبيا يشعرك بالعار … ؛ و ليست الفضيلة والفكر المتخشب  والتربية الصارمة هي التي تصنع الكمال، بل الأخطاء والذنوب والهفوات التي نتعلم منها كما اسلفنا ؛ و الوعي المستنير بأخطائنا … ؛ فمن من قال إن الخطأ شرٌ مطلق ؟ أليس الاكتشاف ذاته ابن الخطأ؟ كريستوفر كولومبوس لم يكتشف أمريكا، بل أضاع طريقه إلى الهند، فوجد عالماً جديدًا… ؛  وألكسندر فليمنغ لم يكن يبحث عن البنسلين، بل نسي صحن البكتيريا مكشوفًا، فأنقذ ملايين الأرواح … ؛ و هكذا هي الأخطاء: ليست نهاية، بل مواد خام لتحولات القيمة … ؛ ففي الحقيقة، الأخطاء هي مختبرات الحياة… ؛  فيها نكتشف ذواتنا، ونفهم حدودنا، ونتعلّم أن نكون أكثر صدقًا مع أنفسنا وأكثر فهما للآخرين .

 فلماذا لا نمنح أنفسنا فرصة “التحوّل” من حليب فاسد إلى جبن ناضج؟ لماذا لا نرى في ذنوبنا وقودًا للوعي، لا وقودًا للعذاب؟ إن أسوأ ما يمكن أن نفعله بأنفسنا هو أن نختزل إنسانيتنا في لحظة ضعف عابرة .

نعم الأخطاء لا تعني أنك شخص سيئ كما اسلفنا ، بل أنك شخص يجرب، يتفاعل، يتعلّم… ؛  وكل خطوة في هذا الطريق – حتى إن كانت مؤلمة – تقرّبك من ذاتك أكثر مما تفعل السنوات التي تقضيها في الكمال المزيف والرياء والنفاق والادعاءات الطوبائية والشعارات المثالية  وتقليد الاخرين ومحاكاة المجتمع المأزوم .

# الفارق بين الضمير الحي و”الضمير المريض”

ثمة ضرورة للتمييز بين: الضمير الإيجابي: الذي يدفعك للاعتذار والتصحيح والنمو , ويكون نذيرًا للإصلاح لا أداة للهدم والانتحار النفسي … ؛ والضمير السلبي: الذي يجلدك، ويصوّر الصغائر على أنها كبائر، ويقودك إلى الخوف من كل شيء، حتى من مشاعرك الطبيعية… .

الضمير الحي يمنعك من الكذب والسرقة والظلم…الخ ؛  أما الضمير المريض فقد يُقنعك أن الحب ذنب، وأن الرغبة جريمة، وأن الخطأ لحظة نهاية مرعبة ، لا بداية جديدة .

# وختامًا :

فلا تخاف من الأخطاء اذا ارتكبتها فعلا ؛ بل استمر في المضي قدمًا ؛ فهنالك خطوات كبيرة بانتظارك… ؛ و لا تُنصت كثيرًا لذلك الصوت الذي يجلدك دون محاكمة… ؛  فالضمير، إن لم يكن عادلاً، صار ظالماً… ؛ واذكر دائمًا: أن أعظم ضمير هو الذي يدفعك للنهوض، لا الذي يشلّك عن الحياة… ؛ وأصدق شعور بالذنب، هو ذاك الذي يدفعك للتصحيح، لا للاحتراق… ؛ فاخطئ… واصنع من خطئك طريقًا… ؛ وتعثّر… فكل من مشى إلى النور، بدأ من الظل… ؛ ولا تخف من الضمير… فقط أعِد إليه عافيته، ليصير لك دليلاً، لا جلادًا… ؛ فامضِ قُدُماً في دربك، حاملاً ضميرك كبوصلةٍ لا كقيد … ؛ ودع تأنيبك للذات ينبع من فهم و وعي ، لا من وراثة للخوف والجهل … ؛ و كن رحيمًا بنفسك كما تريد من الآخرين أن ينظروا اليك بعين العطف والتفهم والرعاية … ؛  واعلم أن الإنسان الذي لا يخطئ، ليس إنسانًا، بل صنمًا بلا قلب وصخرا بلا روح … ؛ و تعلّم أن تتسامح مع نفسك ، و ان تنهض بعد السقوط، وتُحوّل الخطأ إلى درس، لا إلى قيد دائم… ؛ فليس الذي لا يخطئ هو الأفضل، بل الذي يُخطئ ويتعلّم ويُكمل الطريق بوعي واستنارة وطاقة وحيوية … .

نعم، الضمير هدية عظيمة، لكنه إن لم يُفهَم ويُدار، يمكن أن يتحوّل إلى عدو خفي… ؛ فلا تكن بلا ضمير، ولا تجعله سيافًا فوق رقبتك ؛ وتذكر ان خير الامور اوسطها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات