خلاف عائلي بسبب ولادة القطط الأربعة

خلاف عائلي بسبب ولادة القطط الأربعة

أربعة قطط وُلدنَ للتو، حولن بيتنا إلى مستشفى ولادة. فما بوسعنا أن نقوم به جراء هذه الولادات من القطط؟ كل منا كان له رأي وحديث في هذا الصدد. أحدنا قال : نحاول أن نُخصص لهن مكانا فاخرا يليق بعدد الولادات، ونُقدم ما علينا رفقةً بهن. وقال آخر: ندعهن وشأنهن، كيف يحلو لهن ترتيب حياتهن ، سواء أحببن أن يعشن معنا تحت سقف الدار المتواضع البسيط أو العكس.

هنا بدأ النقاش العائلي . كان لكل فرد رأيه وتشبثه دون أن ينتظر من أحد مخالفة هذه الحصافة والعبقرية المحضة. ربما كان رأيي أو اقتراحي له وقع خاص، رغم أنه جوبه بالرفض في أول وهلة. قلت: نرمي هذا الحجم الهائل خارج الدار، نتخلص من إزعاجهن الذي لا طائل تحته، غير جلب الأمراض، أو توفير ما يحتجن من زاد ومأكل ومتابعة حالتهن الصحية.

اختلفنا في الاقتراحات التي لا تشبه بعضها، وكعادتنا عندما نقترح أو نتحدث، كأننا نجد سببا لنختلف أو نتشاجر على أقل الأسباب قيمة أو لأهميتها. فلا بد أن يُغيظ بعضنا الآخر، وكل منا يهتف لميولاته ورغائبه. الأمر الأكثر غرابة أننا كعائلة، وجوهنا ذات ملامح تكن الود لبعضنا، لكن قلوبنا – يعلم الله – ماذا تضمر أحدها للآخر. وهذه القطط الأربعة لم تكن كافية وحدها لتعكر صفو العلاقة بين أفراد الأسرة، بل الصفو نفسه يهتز ويترنح من أجل أن يعكر ذاته بذاته.

بعد اقتراحي، صمت الجميع، وقُطعت سُبل الاقتراحات الرهيبة والأفكار الجهنمية، وكأن لا رأي يعلو بعد أن قدمت اقتراحي، ربما لأني بمثابة سيد القوم الذي يتطلب من أفراد العائلة الطاعة والمثول باحترام فائق. فلم أجد من أفراد عائلتي مَن يتجرأ على أن ينطق ببنت شفة. رغم أني أعترف أن رأيي يخلو بعض الشيء من الرفق بمثل هذه القطط، وبعضنا كان رأيه مليئا بالشفقة والعطف، وآخر وجد حلاً وسطا قد يكون مناسبا أو غير مناسب، حسب ما تكون عليه أجواء وظروف البيت أو التزاماتنا الأخرى. المهم عندي أننا نتخلص من هذه القطط بأي وسيلة كانت.

بعد أن ساد الصمت طويلا، بادرت إلى تنفيذ اقتراحي، وحاولت أن أُخرج القطط الأربعة إلى مكان بعيد عن منزلنا، بعيد جدا حتى لا يكون بإمكانهن العودة مرة أخرى. تمنيت أن أجد من يتولى رعيهن، أو يعمل شيئا غير كلام التوسل والعطف، فلا أحد يتكفل بجدية بتولي حياتهن أو تقرير مصيرهن.

حاولت أن أبتعد بهن قليلا قليلا ، حتى لو دخلن أحد بيوت الجيران. المهم كانت الأمنية ألا يصلن إلى الدار مرة أخرى، فنعود لنقترح ونتشاجر حتى دون اجتماع، أو الإعلان عن التحضير لاجتماع رسمي أو طارئ. في مثل هكذا مواضيع، تُحلّ توتراتنا، فتستغرق منا الحديث والشجار يوما كاملاً على أقل تقدير.

بعد أن غشي الليل، حاولت أن أستتر بالظلام وأتحايل على أمهن الحارسة الأمينة. وبعد محاولات أكدت فيها على عجزي وفشل محاولاتي، استغللت ذهاب أمهن بعيدا، ووضعتهن في عبوة كرتونية كتب عليها أحد أسماء شركات صناعة الزيوت. وذهبت مسرعا، وكلما ابتعدت، تمنيت الابتعاد أكثر، رغم خشيتي من أمهن التي أصبحت من خلال محاولاتي على علم بنيتي السيئة تجاه قططها. وما إن وصلت إلى الحديقة العامة وسط صراخهن المتكرر وأصواتهن غير المفهومة، وضعتهن ويدي ترتعش تحت شجرة الصفصاف، وهربت أجر أذيال فعلتي عائدا إلى الدار، وكأني منتصر؛ لأني فعلت أمرا لم يخطر على بالي أن أفعل مثله. توقعت أن ينتهي الأمر عند هذا الحد.

كان حال الأم صعبا للغاية وهي تبحث في زوايا الدار عن صغيراتها. فقد جعلني وضعها المأساوي أشعر بتأنيب الضمير، مما زاد على ألمي تلك الأصوات التي تُخرجها بصوت أبحٍّ حزين، وكأنها تعلم أنني من فعل ذلك. فما إن يُرهقها تعب البحث، حتى تتوقف أمامي، وتكرر تلك الأصوات التي داهمت إنسانيتي والتي أشعرتني بالندم. مضى بحثها يومين، وفي اليوم الثالث صباحا، غابت الأم. أجهل أين حل بها النوى، لكنني أتمنى أنها وجدت صغيراتها لتقوم برعايتهن حتى يشتدّ لهن ساعد، ويتكفّلن حياتهن بانفراد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات