البنك المركزي العراقي ونظام الدفع الوطني .. الخطوة المتأخرة

البنك المركزي العراقي ونظام الدفع الوطني .. الخطوة المتأخرة

يشهد القطاع المصرفي العراقي حالياً تحولاً استراتيجياً ومحورياً نحو تعزيز وتوطين نظام الدفع الإلكتروني، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل بطاقات الدفع الشائعة مثل كي كارد وفيزا كارد. لا يهدف هذا التوجه إلى إلغاء هذه البطاقات، بل إلى بناء نظام دفع وطني متكامل يوفر بديلاً محلياً قوياً وفعالاً، مع الاحتفاظ ببطاقات الدفع العالمية لدورها الحيوي في المعاملات الدولية.
الهدف الأسمى من وراء هذه الخطوة، التي يقودها البنك المركزي العراقي، هو تحقيق الشمول المالي وتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المصرفية الحديثة، مما يقلل الاعتماد على التعاملات النقدية التقليدية ويخفف من التكاليف المرتبطة بها. يسعى البنك المركزي إلى تحقيق ذلك من خلال تطوير البنية التحتية للمدفوعات الإلكترونية، والتي تشمل المقسم الوطني المسؤول عن إدارة المدفوعات بالتجزئة عبر البطاقات وأجهزة نقاط البيع والصرافات الآلية، بالإضافة إلى نظام التسوية الإجمالية الآنية ، ونظام المقاصة الإلكتروني . هذه المكونات تعمل معاً لتوفير نظام دفع إلكتروني آمن، موثوق، ومرن.
إن هذا التحول يحمل في طياته العديد من الفوائد، أبرزها خفض التكاليف التشغيلية للمصارف وتكاليف المعاملات على المواطنين، مما يجعل الخدمات المالية أكثر سهولة ومتاحة لشريحة أوسع من المجتمع، بما في ذلك موظفو الحكومة والمتقاعدون والعاملون في القطاع الخاص. كما يهدف النظام الوطني إلى تنويع خيارات الدفع المتاحة للمواطنين، مما يتيح لهم المرونة في اختيار الوسيلة الأنسب لاحتياجاتهم اليومية. الأهم من ذلك، هو أن توفير بطاقات دفع ذات طبيعة وطنية سيعزز السيادة المالية ويقلل من الحاجة لاستخدام البطاقات الدولية في المعاملات المحلية، مع التأكيد على أن بطاقات فيزا وماستر كارد ستحتفظ بمكانتها كوسيلة أساسية للمشتريات الخارجية وعبر الإنترنت بالعملات الأجنبية.
إن شركات مثل ( كي كارد) تواصل تطوير خدماتها وتقديم تطبيقات مبتكرة مثل ( سوبركي) للتكيف مع هذا التحول وتقديم حلول دفع إلكترونية متكاملة للمستخدمين داخل العراق، مما يؤكد أن التعاون بين القطاعين العام والخاص هو مفتاح نجاح هذا المشروع. من المتوقع أن يسهم هذا التغيير الجذري في زيادة كفاءة الأداء المصرفي بشكل عام، وتحسين الرقابة على التحويلات المالية، ودعم التحول نحو اقتصاد رقمي أكثر حداثة ومرونة، وهو ما يتماشى مع التوجهات العالمية في مجال المدفوعات الإلكترونية.
بالنظر إلى المستقبل، فإن هذا التطور يضع العراق على مسار تحقيق نظام مالي أكثر شمولاً وتقدماً، ويعزز من استقلاليته الاقتصادية في مجال المدفوعات. هذا لا يعني استبدالاً كاملاً لبطاقات الدفع الحالية بقدر ما هو استكمال وتطوير لنظام بيئي مالي متكامل يخدم المواطن والاقتصاد الوطني بشكل أفضل.
،و يمكن اعتبار هذه الخطوة متأخرة بعض الشيء مقارنةً بالعديد من الدول الأخرى التي بدأت بتعزيز أنظمة الدفع الإلكتروني لديها منذ سنوات. فالعراق كان يعتمد بشكل كبير على التعاملات النقدية التقليدية لسنوات طويلة، وهذا التحول يأتي لمواكبة التوجهات العالمية والفوائد الكبيرة التي تقدمها المدفوعات الرقمية.
ومع ذلك، من المهم النظر إلى الإيجابيات. فالبنك المركزي العراقي والمصارف المحلية يعملون الآن بجد لتعويض هذا التأخر من خلال بناء بنية تحتية قوية وشاملة، وهذا يشمل المقسم الوطني ونظام التسوية الإجمالية الآنية ونظام المقاصة الإلكتروني. هذا الجهد يعكس التزامًا حقيقيًا بتطوير القطاع المالي ودمج المزيد من المواطنين في النظام المصرفي الحديث.
إن البدء المتأخر لا يعني الفشل، بل قد يتيح فرصة للاستفادة من تجارب الدول الأخرى وتجنب بعض الأخطاء التي وقعوا فيها. الأهم هو التركيز على التنفيذ الفعال والسريع لهذه المبادرات لضمان تحقيق أقصى استفادة للمواطن والاقتصاد العراقي. ‫

أحدث المقالات

أحدث المقالات