تصور أنك تقف مع امريء القيس والمتنبي وابي نؤاس وابي تمام والبحتري والشريف الرضي والجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد وتكون مرتديا ملابس الشرطة، ربما سيعدها بعضهم إساءة (مع العلم ان ابي تمام كان يعمل في ديوان البريد الذي يتماثل مع عمل جهاز المخابرات)، لكن ان تكون ضابط شرطة فذلك دين عليك دفعه لابسبب شخصك، بل لأن جهاز الشرطة ينحصر في التعامل بتقييد حرية الاخرين، لذا فهناك حساسية شعبية تجاهه، ربما يكون عمل الآخر عملا مشينا ومن دون كرامة انسانية، لكنه يجد الاحترام عند فئات من الناس تشبهه خَلقا وخُلقا!،لكن ان تكون محترفا في ملعب اللغة،ولم تكن حكما مرتشيا في التعامل مع الناس فتلك قسمة ضيزى، تصوروا ان تحت هذه البدلة الزيتونية روحا شفافة لاعلاقة لها بشارب صاحبها او كرشه الذي يستطيل ويعود فتلك فجيعة….
لا أدري لماذا نتذكر الشاعر وكأنه يحمل ملامح انثوية رقيقة، لماذا لايتشابه الشعراء مع المجرمين مثلاً؟!، الشاعر المداح والانتهازي يشترك في مجازر لغوية يكون الناس ضحيتها اذا ساهم في تجميل جروحها بمكياج لطمس الحقيقة في حرب عبثية يدفع الشعب اثمانها مضاعفة، الشاعر السلطوي بإمكانه قلب الباطل إلى حق، والحق إلى باطل، ويبقى هو الشاعر المجرم الذي يخلده التاريخ الموسمي للكتاب الطغاة وأعني بهم سيارات أجرة السلاطين.
العجيب والغريب في الأمر ان كل من ذكرت من قمم الشعر كانوا مداحين لانظمة تتنقل من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، لكن ضابط الشرطة الواقف بينهم لم يمدح النظام الذي كان يقضي فيه خدمته، لم يتضع لديكتاتور خرق الاخضر فالاخضر فالاخضر من شبابه، لكنه بقي محتفظا بكرامة شعره ولم يسكب قطرة حياء جبهته أمام حذاء السيد الرئيس(سابقا)، بل كان متوجها بكليته إلى محمد وآل محمد، يتذكر ان شاعر البعث محمد جميل شلش قال له:لو أنك مدحت مثل غيرك لجعلت الجميع يستعدونك لأنك أغزر موهبة منهم وان لغتك اشبه بسيف باشط لانك تحده كل يوم…قلتَ له حينها:كلما تجرأت على المدح يقف أمامي علي بن ابي طالب ع فاستحي منه ولا امدح.