من يحكم العالم اليوم ؟

من يحكم العالم اليوم ؟

منذ سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي، ساد الاعتقاد أن العالم بات أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة. لكن مع تسارع الأحداث، تبيّن أن “الحُكم” في عالم اليوم ليس حكرًا على دولة بعينها، بل هو نتيجة شبكة معقّدة من المصالح تضم تحالفات دولية حيث تأتي شركات السلاح في مقدمتها ومعها المؤسسات المالية الكبرى ومنصات الإعلام التي تصنع الرأي العام.

 

من يصنع قرارات الحرب والسلام ؟

القرارات الكبرى لم تعد تصدر فقط من عواصم الدول العظمى. من يملك المال والإعلام والسلاح بات هو اللاعب الحقيقي. مجموعة محدودة من الشركات العملاقة تتحكم في سوق الطاقة، الغذاء، السلاح، والتكنولوجيا.

مجلس الأمن؟ الأمم المتحدة؟ مؤسسات دولية؟ منظمات حقوق الإنسان ؟ هذه هياكل أضعف من أن توقف الحروب أو تفرض سلاماً عادلًا رغم وضوح الحقوق كما هو في قضية فلسطين وشعبها الصامد. القرار اليوم تصنعه تكتلات اقتصادية وعسكرية وشبكات مصالح عابرة للحدود ترتبط بمصالح لوبيات السلاح والنفط والبنوك الكبرى.

 

من المستفيد ومن يدفع الثمن؟

المستفيد الأكبر من استمرار الحروب هم كبار مصنّعي السلاح والدول التي تسيطر على خطوط التجارة والطاقة. فكل صراع يُفتح هو فرصة لتسويق الأسلحة، وكل حرب تُخاض تعني عقود إعادة إعمار، وصفقات مالية ضخمة.

أما الخاسر الحقيقي فهو الإنسان البسيط. يدفع المدنيون في الدول المستهدفة الثمن الأكبر: يُقتلون، يُهجّرون، وتُدمّر أوطانهم. كما يدفع دافعو الضرائب في الدول الكبرى تكاليف تلك الحروب التي تُخاض أحيانًا باسمهم، لكنها في حقيقتها تخدم مصالح النخبة الحاكمة والشركات العملاقة.

 

لماذا تستمر الحروب رغم زوال أسبابها؟

في كثير من الأحيان تنتهي الأسباب الأصلية للنزاع، لكن الحرب تستمر. السبب بسيط: الحروب تحوّلت إلى مشروع تجاري مستمر. هناك من يملك مصلحة في إبقاء النزاعات مشتعلة حتى بعد فقدانها لأي معنى سياسي. يتم خلق أعداء جدد، وإشعال صراعات جانبية، كي يبقى سباق التسلح قائماً . فالسلاح الذي لا يُستعمل يُعدّ “مخزونًا راكدًا” في منطق السوق.

 

الردع: حماية أم ترويج؟

يتغنّى الساسة بسياسة الردع كوسيلة لمنع الحروب، لكن الواقع يقول إن هذه السياسة في كثير من الأحيان ليست سوى ذريعة لتبرير التوسع العسكري وفتح أسواق جديدة للأسلحة. الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، أصبح الميدان الأول لتسويق هذه الفكرة. تُسلّح الدول بحجّة الدفاع عن النفس، لكنها في الواقع تُستنزف في سباق غير منطقي لشراء المزيد من السلاح في حين يبقى الأمن الحقيقي غائباً.

 

لماذا الشرق الأوسط؟

منذ الحرب العالمية الثانية، تركزت الحروب والنزاعات في الشرق الأوسط. ليس صدفة. فهذه المنطقة تحمل في طيّاتها حقائق مغرية. القوى الكبرى وجدت في الشرق الأوسط ساحة مناسبة لتصفية الحسابات، وإبقاء الدول في حالة استنزاف دائم. كلما حاولت دولة أن تستقر أو تنهض، تتدخل الأطراف الخارجية لإعادة خلط الأوراق.

 

من يحكم العالم إذن؟

العالم اليوم تحكمه مصالح، لا قيم. تحكمه شبكات مالية، لا مبادئ إنسانية. تُدار المعارك من وراء مكاتب الشركات الكبرى، ويُعاد رسم الخرائط بناءً على صفقات لا تعترف بدماء الأبرياء.

الحروب باقية لأن من يتحكمون في القرار لا يريدون لها أن تتوقف. الردع ليس سوى واجهة لإدامة التوتر. والشرق الأوسط والمنطقة العربية ستبقى في دائرة النار ما لم يدرك شعبنا العربي أن الحل يبدأ بالوعي، والوحدة، والتكامل الاقتصادي والخروج من لعبة الاستقطاب الدولي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات