السرج لا يصنع الفارس

السرج لا يصنع الفارس

في مشهدٍ بات مألوفًا حدَّ الغثيان، نتابع يوميًا أصواتًا تتسلّق منابر الإعلام وهي لا تحمل من أدوات الإعلام إلا الاسم ، يتصدّرون الشاشات ، يتحدثون بثقة، يطلقون الأحكام ، ويوزعون الاتهامات وكأنهم أوصياء على الحقيقة … وهم في الواقع أبعد ما يكونون عنها .
يُذكّرني هذا الحال ببيتٍ شعري دارج :
“قلْ للحمير وإن طالت معالفها
لن تُسبقَ الخيلَ في ركضِ الميادينِ…”
لقد طالت “معالف” البعض فعلًا، فتوهموا أن الامتلاء يعطيهم حق الفروسية ، فراحوا يضعون السروج فوق ظهورهم ويُقلّدون مشية الفرس الأصيل ، لكنّ النهيق يفضحهم عند أول جولة .
هؤلاء لا يصنعهم جهدٌ ولا كفاءة ، بل ظرفٌ منحرف أو فرصة عابرة، سرعان ما تكشفها المواقف الجادة والمحن الحقيقية .
الإعلام ليس ساحة للضجيج ، ولا استعراضًا للمؤثرات الصوتية والحركات التمثيلية ، بل هو ميدان للمهنية ، للصدق ، وللشجاعة في قول الحقيقة ، لا لبيع الأوهام وتضليل الجمهور .
إننا نعيش اليوم أزمة رموز أكثر مما نعيش أزمة محتوى ، إذ اختلطت الخيول بالحمير ، واختلطت الرسالة بالمنفعة ، حتى صار من الصعب التمييز … إلا لمن يملك أذُنًا تميّز الصوت ، وذوقًا لا تنطلي عليه الأقنعة اللامعة .

همسة …
قد يتزين الحمار بسرجٍ فاخر ، لكن حين ينهق … تسقط المسرحية كلها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات