“السياسة اليوم” الإيرانية تحذر .. بعد النار والدخان: حان وقت الترميم الاقتصادي لا الشعارات

“السياسة اليوم” الإيرانية تحذر .. بعد النار والدخان: حان وقت الترميم الاقتصادي لا الشعارات

خاص: ترجمة- د. محمد بناية:

بعد انحسار لهيب حرب الـ (12) يومًا، وعودة الهدوء النسّبي للأجواء الأمنية في البلاد، تتجه الأنظار الآن من سماء مليئة بالمُسيّرات والأخبار العاجلة، إلى موائد المواطنين الفارغة والأسواقٍ الخالية من الحياة. يتساءل الناس بشكلٍ أساس: الآن بعد انتهاء الحرب، متى تبدأ حياتنا ؟. بحسّب ما استهل “فرهاد خادمي”؛ مقاله التحليلي المنشور بصحيفة (السياسة اليوم) الإيرانية.

في الحقيقة؛ يمَّر المجتمع الإيراني اليوم بمنعطف لا تحدَّده الصواريخ، وإنما الضغوط الاقتصادية، وسلة شراء عاجزة، وإيجارات منازل تفوق القُدرات، وأحلامٌ دفنت تحت التراب.

لقد صمد الشعب، طوال أيام التوتر والأزمات، وهو من دفع الثمن، والآن حان دور الحكومة لتحل الحكمة محل الشعارات بدل ركوب موجة العواطف.

مطلب التقدم الاقتصادي بالتوازي مع التقدم الدفاعي..

لا أحد يشك أن الأمن أولوية لأي دولة، لكن الأمن ليس مفهومًا مطلقًا. بمعنى أن شعب يعجز عن تلبية متطلبات حياته اليومية، يبقى غير مستَّقر حتى لو لم تكن الصواريخ قد سقطت عليه. وهذا لا يعني عدم الحاجة للصواريخ، فقد اتضح للجميع دورها خلال حرب الـ (12)، لكن المطلوب هو أن يسّير الاقتصاد، كالقوات المسلحة، على طريق التقدم والإنتاج وتحسّين أوضاع المواطنين المعيشية.

على الحكومة أن تدَّرك أن تضخيم التهديدات الخارجية؛ لا يصلُح اقتصادًا نصف ميت ورفاهية تحتّضر. فلقد انتهى زمن الخطابات الرنانة، فالشعب يُريد أكثر من التعاطف؛ يُريد أفعالًا.

وفي هذه اللحظة التاريخية، لا يمكن للمسؤولين ترك مصّير البلاد في متاهة البيانات العاطفية. يجب أن يسود العقل في كل القرارات. لا يمكن أن نبقى في حالة تأهب دائمة دون أن نفكر أبدًا في إعادة بناء الاقتصاد والبُنى التحتية. لا يمكن أن نهرب من مسؤولية إصلاح حياة الناس بحجة أننا: “في حالة حرب”.

التحرك الفوري لاستعادة الثقة الاقتصادية..

الحرب لم تنتهِ؛ بل هي هدنة، لكن المشاكل باقية. على الحكومة أن تتحرك فورًا لاستعادة الثقة الاقتصادية. وهذا يعني: مراجعة السياسات النقدية والعُملة، وتعزيز دورة الإنتاج المحلي الحقيقي وليس على الورق فقط، ومكافحة الفساد الهيكلي بجدية وشفافية دون محاباة، وخفض النفقات غير الضرورية وزيادة كفاءة النظام المالي، والأهم، العودة إلى حوار صادق مع الشعب.

وفي اللحظات التي يُراقبنا فيها العدو من بعيد، إذا شعر الناس أن شيئًا لم يتغيّر، وأنه لا أمل يلوح في الأفق، ولا مسؤولية يتحملها المسؤولون، فما حاجتنا إلى عدو خارجي ؟.. نحن الآن بحاجة، أكثر من أي وقتٍ مضى، لأن يكون الاقتصاد أولوية الحكومة. لا يمكن لصانعي مستقبل هذا البلد أن يعيشوا على الفخر الوطني وحده. البطون الجائعة لا تشبع بالمجد.

لقد تعب الشعب..

وإذا لم يحل العقل الاقتصادي الآن محل الإدارة العاطفية، فلن يأتي الغد على موائد فارغة فقط، بل ستُفرغ ثقة الشعب أيضًا.

وبجولة بسيطة في الأزقة والشوارع، سترى نظرات منهكة. لقد تعب الناس من سماع عبارة: “نحن في ظروف حساسة”. هذه العبارة لم تُعدّ تحذيرًا ولا تحليلًا، بل أصبحت ذريعة لعدم تحمل المسؤوليات. يبدو أنه لن يأتي وقتٌ تكون فيه البلاد في: “ظروف عادية” لمعالجة المطالب الحقيقية.

الضرورات الاقتصادية وفرص الإصلاح..

إن اقتصاد البلاد لا ينتظر قرارات خارقة، بل ينتظر الشفافية والانضباط وإرادة حقيقية للتغييّر. يُريد المواطن التأكد من أن أولوية النظام ليست الصراعات الدبلوماسية، بل تأمين لقمة العيش وإعادة الأمل إلى البيوت.

على الحكومة أن تعترف أن إدارة الدولة لا تعني فقط إدارة الأزمات. لقد مرت سنوات دون تجاوز الأزمات، لأننا حولنا كل أزمة إلى أداة للبقاء قصّير الأمد. لكن هذه الأدوات لم تُعدّ مجدية. تحمل الشعب ليس موردًا لا ينضب.

إذا لم تُتخذ اليوم القرارات الاقتصادية الصعبة والضرورية، فستضيع غدًا فرص أكبر للإصلاح. على الحكومة أن تذكر نفسها أنه لا شرعية تدوم أكثر من رضا الشعب،

ولا تهديد أخطر من السخط الصامت في المجتمع. لا نريد أن نبالغ في تصوير العدو، لكننا لا نريد أيضًا أن نترك البلاد للفوضى بسبب غياب التخطيط.

لقد حان الوقت، بعد هدوء غبار الحرب، لاتخاذ خطوات اقتصادية جريئة وواضحة برؤية واقعية ومسؤولية بعيدًا عن العواطف. لا شيء، حتى المشاعر الثورية، يمكن أن يحل محل خبز الناس. بلد حارب للدفاع عن قيمه، يستحق المحافظة على قيمة العيش فيه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة