ونحن نعيش أيام الحزن السنوي بقدوم شهري محرم الحراموصفر، وذلك بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليهالسلام). هذه الحادثة الأليمة التي أدمت قلوب محبيه وناصريهبعد أن حلت المجزرة بحق إمام الهدى وعائلته وأصحابهالمنتجبين.
فلهذه الواقعة التي حدثت في العاشر من شهر محرم الحرامالكثير من العبر والدروس التي يجب على كل إنسان أنيستلهمها بمعانٍ جمة، وأولها كيفية الوقوف بوجه الظالم ونصرةالحق على الباطل.
ومن جانب آخر، أن يعلم الإنسان أن الحياة فانية فلا يبقىمنها سوى العمل والأثر الطيب. هنا جسّد إمامنا المظلومصورة لا أروع منها بالفداء والتضحية لأجل الأمة الإسلامية،ولأجل أن يعيش الإنسان بكرامة وأن يكون له كلمة.
فالكلمة هنا عند الإمام التقي لها استراتيجية واقعية ودلالةعلى أن الفرد يجب أن يكون عارفًا بالحق حتى وإن اجتمععليه الجميع بالباطل.
كل هذا، حقيقةً، لم نجده في زماننا إلا ما ندر. فأين الكلمة؟وأين الحق؟ وأين البسالة والشهامة والإباء؟ وأين الرجولةوالمروءة؟ هذه الصفات يتحدث بها الجميع، ولكن لا يطبقهامجتمعة مع بعضها، بل تتجزأ بمصالح دنيوية. حتى ذكرىواقعة الطف واستشهاد الإمام وآل بيته الأطهار، طقوسهاوشعائرها أصبحت لغرض “الشو الإعلامي“، بل لغرضالحصول على المكاسب من رضا الناس والجمهور. فباللهعليكم، لماذا يقيم السياسيون مجالس العزاء والناس تتجمهرعليهم؟ فهم طوال السنة منبوذون من المجتمع، ويكاد أفضلهمعملًا يتخفى وراء الستار لغرض عدم مواجهة جموع الناس.
ولكن في هذين الشهرين، يصبح الجميع “مؤمنًا” ويتحدثبصفات الإمام الحسين (عليه السلام) وينبذ الأفكار الرجعية،ويحدث الجمهور بالحلال والحرام وكأنما هو “قديس” زمانه.
إن حادثة استشهاد الإمام هي رسالة إلهية إلى عموم البشر،الغاية منها الإفادة والتحلي بمكارم الأخلاق، وليست “للطموالعويل” كما تُقام ببعض المجالس مع احترامنا الشديد لهذهالشعيرة.
وأخيرًا، نقل لي أحد السياسيين السابقين أن هذين الشهرين،هما عيد لفرقة المسؤولين والسياسيين، خاصة أنهم يعيشونفي عزلة طول السنة إلا في تلك الأشهر، فيظهرون علىالساحة ويبدأون بعمل المجالس والسرادقات لغرض كسبالمواطن المسكين الذي يلجأ بشكل عاطفي للحصول على “لحموهريسة وقيمة“، وينسى همومه ومشاكل البلد والأزماتوالحروب، وينشغل هو والبلد وأفراده بتلك المظاهر.
ويخرج لنا أيضًا “جماعة المحتوى الهابط” بتوزيع الثواب وكأنذلك لتخفيف سوء عاقبتهم في الدنيا، وليستغل بعض التجاربرفع أسعار السلع والمواد، فهذا موسم وعيد لهم، وكما يقال: “مصائب قوم عند قوم فوائد“.
السلام على قتيل العبرات، وعلى من تبعه بالحق ونصره.
وليخسأ كل من يتخذ هذه الحادثة الأليمة دعاية للمفخرةلصالح نفسه وأهوائه.