منذ حرب الايام الستة لتي شنتها إسرائيل سنة 1967 على مصر وسوريا والأردن والعراق ، لم تكن قادرة على شن مثلها في حربها مع ايران .. فالحرب هذه المرة استمرت 12 يوماً عاش سكان أسرائيل في رعب حقيقي داخل الملاجيء ولوقت قاتل وطويل ،إيران أدمت تل أبيب وحيفا، وهدمت معسكرات ومطارات وعمارات، وحتى مستشفيات، وأنزلت ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وأجبرت الآلاف منهم على ركوب البحر هربا من صواريخ لم تكن في الحسبان ,, اسرائيل كسرت العمود الفقري لايران , وشلت اخطبوط سياستها التوسعية , وقتلت قادتها العسكريين وعلماؤها النووين
يقول الراحل نزار قباني // ان من اشعل النيران يطفيها , ترامب اعطى الضوء الاخضر لاسرائيللضرب ايران الجمعة 13 حزيران , وأمر نتنياهو فجر 24 حزيران لوقف النار مع ايران — انها اللعبة الدولية لخلق الشرق الاوسط الجديد ,, تلتقي رغبات ترامب ونتنياهو في كسر العمود الفقري لإيران بعد أن كُسّرت أذرعها. فالعمود الفقري هو أسلحة منجزة وأخرى تطمح إلى إنجازها، إضافة إلى شلّ أخطبوط سياستها الثورية، ومنعها من تفريخ حركات مقاومة تكون بمثابة حصون متقدمة لها، وصندوق ابتزاز لدول المنطقة, ولهذا، لن تكون ضربة إسرائيل لإيران ردعية، بل تدميرية. لقد تجاوز نتنياهو مرحلة التراجع عن إنهاك إيران عسكريًا، وهو ماضٍ في تجريدها من كل ما قد يهدد أمن إسرائيل، وإشغالها بصراعات داخلية واضطرابات سياسية تولّدها الضربة، وتُظهر نزعات المعارضة في السعي للتخلص من “الخامنئية السياسية” والعبور إلى دولة جديدة منفصلة عن أيديولوجيا الثورة الإسلامية. وقد يؤدي هذا إلى تفكيك إيران وتحويلها إلى أقاليم إثنية وقومية متعددة
هناك أغلبية من المراقبين والمحللين ترى أن ما جرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، لم يكن إلا “مسرحية سياسية”. ورغم أن هذا التحليل قد يبدو سطحيًا، إلا أن ما جرى لا يقتصر على تصفية البرنامج النووي فقط؛ بل هناك قضايا أكثر تشابكًا وتعقيدًا,, الضربات الإسرائيلية الخاطفة أثبتت أن إيران دولة مُخترقة أولا، كما أنها ضعيفة على مستوى تقنيات دفاعها ثانيا، وهي لا تملك السلاح الذي يُدهش بدقة إصابته لأهدافه النوعية. لقد قصفت إيران الأراضي الفلسطينية المحتلة ولكنها هدمت بنايات وقتلت مدنيين. وفي ذلك ما يكشف عن ضعفها في مواجهة الهجمات الإسرائيلية التي تميزت بدقتها النوعية
بصراحة إن هذه الحرب الخاسرة المُذلة المنهكة للطرفين الإسرائيلي والإيراني معا، هي حرب االرئيس الأميركي دونالد ترامب بامتياز, ، يبحث ترامب عن صورة القائد الحاسم في موسم انتخابي ساخن، خاصة في ظل انقسام داخلي عميق. سياسيا، يريد أن يرسّخ أن واشنطن لا تنتظر تل أبيب لتدافع عن نفسها، بل تدافع عنها من تلقاء نفسها، كما قال أحد المسؤولين الأميركيين في تسريب لاحق , ترامب لم يُخفِ هدفه. الرسالة المعلنة: نحن لا نستهدف إيران كدولة، بل مشروعها النووي الذي يُهدّد المنطقة والعالم. لكن الرسالة الأعمق كانت تُقال بلغة أكثر خشونة: إما أن تأتوا إلى الطاولة، أو نُعيدكم إلى ما قبل تخصيب اليورانيوم, فهو الذي هيأ ظروفها حين حدد لإيران مهلة ستين يوما للعودة إلى طاولة المفاوضات لكي تتلقى مطالبه الاستسلامية، ثم هددها بما لا يسر إن هي لم تأتِ ولم تعقل ولم تدع العناد,, هذه هي أول مرة في التاريخ تكون أميركا هي التي تستغل اليهود، وتحارب بدمائهم، لخدمة مصالحها، بعد أن كان اليهود، منذ عشرات السنين، هم الذين يحاربون أعداءهم العرب بسلاح أميركا وأموالها ورجالها ,, ترامب هو المنتصر في الحرب وليست إسرائيل التي نزفت دما غزيرا في غزة ولبنان وسوريا واليمن، ولا حكومة المرشد الأعلى التي أنهكتها الحرب وستبكي كثيرا وطويلا على موانئها ومطاراتها ومؤسساتها وبناها التحتية واقتصادها سنين طويلة قادمة,, لقد نُكبت إيران، فعلا، في قدراتها العسكرية وبرنامجها النووي، وفي قادتها العسكريين وعلمائها وأمنها القومي وكرامتها، إلى الحد الذي اضطر معه وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى توسيط دولة ثالثة للحصول على موافقة إسرائيل على إقلاع طائرته من طهران متوجهة إلى جنيف للقاء وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك لأن الفضاء الإيراني أصبح ملعبا حرا للطيران الإسرائيلي دون منافس ولا شريك , ورغم كل ما تلقته إيران من خراب ودمار فقد أثبت النظام الإيراني أنه يمتلك قدرات عسكرية هجومية هائلة وفاعلة أدمت إسرائيل، وجعلتها تذوق لأول مرة طعم الكؤوس التي أشربتها لفلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وتركتها تبحث عمن يعينها على وقف إطلاق الصواريخ والمسيرات، ولكن ليس قبل إبطال معداتها النووية، بقنابل الرئيس الأميركي أو بمواهبه التجارية، لإرغام العدو على العودة إلى طاولة المفاوضات، تسليم سلاحه، دون قتال — إيران تريد ان تبني امبراطوريتها الفارسية وان تتحول الى دولة استعمارية في زمن انتهى فيه الاستعمار. تلك حقيقة ما انطوى عليه السلوك السياسي الإيراني المتغطرس والمتعالي وغير المنضبط. إذا كان البعض يصف الإيرانيين بالدهاء والمكر فإن ذلك ليس صحيحا ولا يمكن التسليم به في زماننا. لقد ضحت إيران بوكلائها وكانت تأمل أن الآخرين سيعفونها من المسؤولية، بل إن الولايات المتحدة ستكافئها باتفاق نووي مريح جديد. غير أن إسرائيل وقد جُنّ جنونها في غزة لم تكن على استعداد للانتظار أكثر, قادة ايران .. ان يتركو منطق الثورة ، ويعودوا لمنطق الدولة ، والافادة من نتائج هذه الحرب التي أرهقتهم كثيراً ، وهم يواجهون العدوان الاسرائيليالأمريكي ، عدوان أتقن فن الخداع ، وسقوط الأخلاق ، وان يكفوا عن سياسة الهيمنة و النفوذ ، وضرورة التصالح مع المحيط العربي والإقليمي بشكل يحفظ امن ومصالح الدول العربية و الاسلامية ,, العراق نجا مرتين من الأنزلاق بحروب عبثية ، مرة لم يتدخل في سوريا ولبنان ، ولم ينخرط في حرب إسرائيل على ايران — وهو ما تطابق مع وجهة نظر الرئيس الأميركي التي عبر عنها في رسالته إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي. لذلك يمكن القول بناء على المعطيات السابقة إن هذه الحرب ليست تأديبية وهي لن تنتهي إلا إذا حققت هدفها الرئيس وهو إعادة إيران إلى داخلها دولة تفكر في أمنها بمعزل عن أوهام السلاح النووي. ولا معنى لمهلة الأسبوعين التي منحها ترامب لإيران بعد أن وجهت الولايات المتحدة ضرباتها الصاروخية إلى ثلاثة مفاعلات نووية إيرانية. وبعكس ما كانت تأمل إيران فإن الجبهة المعادية لها قد اتسعت ولم يعد قبولها بالعودة إلى المفاوضات كفيلا بدفع الخطر عنها ,, زعماء إيران، الذين يشعرون بالإهانة ويزداد انشغالهم بالبقاء في السلطة، لا يمكنهم تحمّل الظهور بمظهر الضعفاء بالرضوخ للضغط العسكري الإسرائيلي , إسرائيل قضت على القيادة النووية والعسكرية الإيرانية بضربة واحدة، ما ترك طهران أمام خيارات قليلة للرد بما في ذلك دخول حرب شاملة ليست مستعدة لها ومن غير المرجح أن تنتصر فيها. وجاء رد إيران غير مؤثر رغم إطلاق عشرات الصواريخ لأن نفوذها في المنطقة تدهور بشدة على يد إسرائيل منذ هجمات حماس التي أشعلت فتيل حرب غزة
وبشكل عام، يمكن القول إن إسرائيل تسعى دائما إلى تعزيز أمنها ومكانتها في المنطقة، والهجمات على إيران، وإن كان لها أهداف مباشرة تتعلق ببرنامج طهران النووي أو قدراتها العسكرية، إلا أنها تندرج ضمن رؤية إسرائيلية أوسع لتشكيل “شرق أوسط جديد” أو على الأقل التأثير بشكل كبير على دينامياته ,حيث تعتبر إسرائيل إيران أكبر تهديد لأمنها، سواء بسبب برنامجها النووي، أو دعمها لوكلاء إقليميين مثل حزب الله وحماس والفصائل العراقية واليمنية، أو سعيها لمد نفوذها في المنطقة. والهجمات المباغتة والمستمرة تهدف بشكل مباشر إلى تقويض هذه القدرات والنفوذ , كما تسعى إسرائيل إلى إضعاف “محور المقاومة” الذي تقوده إيران والذي يهدد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة وقد اختبرت قبل الهجمات الأخيرة على إيران قدرة وكلائهاخاصة حزب الله ونجحت في تحجيم دوره ونفوذه وقامت أيضا باختبار قدرات طهران حين هاجمت في خضم الحرب على الجماعة الشيعية اللبنانية قدرة الجمهورية الإسلامية على الرد
نعم لقد أدمت إيران تل أبيب وحيفا، وهدمت معسكرات ومطارات وعمارات، وحتى مستشفيات،وأنزلت ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وأجبرت الآلاف منهم على ركوب البحر هربا من صواريخ لم تكن في الحسبان. ولكن ماذا بعد أن حرثت قنابل ترامب ونتنياهو إيران من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، واستنزفت صواريخها ومسيراتها وأموالها وموانئها ومطاراتها، وحرمتها من أية قدرة على الصمود وعلى التحدي والعناد؟ أشك في ذلك
نقولها بصراحة // لتشتعل طهران.. ولتحترق تل أبيب ليس منّا من يرى الاحتلال الإسرائيلي يحترق الا ويقول: “اللهم زد وبارك”.. وليس مِنّا من يرى إيران تحترق ولا يشعر بالسعادة.. فحين تُحرق طهران، نرى في الدخان وجه بغداد ولبنان ودمشق وصنعاء وهي تنتقم.. وحين تشتعل تل أبيب، نسمع في ألسنة اللهب صراخ غزة وكل فلسطين وهي تثأر.. فلتضرب إيران إسرائيل، ولتضرب إسرائيل إيران.. لتشتعل طهران ولتحترق تل أبيب.. فكلاهما وجهان لخرابٍ واحد. نحن لا نشمت في الخراب، لكننا نبتسم حين يصيب من خرّبوا أوطاننا.. لا نضحك على النكبات، لكننا نسعد حين تدور الدائرة على من زرعوها في بلادنا.. وكلما سقطت صواريخهم فوق رؤوس بعضهم، سمعنا في صدورنا أول نبضة حياة.. نريد لهذه الحرب ألا تنتهي سريعًا، نريدها نارًا تأكل بعضهم بعضًا، نريدها طويلة، عادلة، مُنهِكة ومدمّرة للطرفين، لطهران وتل أبيب