بلد السواد.. أرض الفقراء والمحرومين

بلد السواد.. أرض الفقراء والمحرومين

عندما تسير في بلد آخر، تجد في روحك المقارنة بين كل شيء تراه هناك وبين كل شيء تعيشه في بلدك. تراقب الأسعار في الغذاء والدواء، وتراقب كيف يعيش الناس هناك، فتجد أنك تعيش في بلد يستطيع أن يعيش فيه الفقراء، وأن الجوع فيه قد أصبح من الماضي رغم التفاوت بين أسرة وأخرى. هنا، حيث النخيل الشامخ لا يزال واقفًا بكبريائه، وما زالت دجلة تروي حكايات الجياع والعاشقين في عصور قديمة. هنا ما زالت الأرض التي كان يسير عليها الآباء والأجداد تتنفس من وجع أهلها. هنا أرض تدعى بلد السواد، لا لكثرة زرعها فقط، بل لشعوب سكنت هنا فأتعبتها الحروب. هنا أرض أنجبت الأنبياء والشعراء والمجاهدين، ثم بكتهم على أرصفة الحرمان. كل حجر فيها وكل قطرة تراب تشهد وتتكلم عن صبر الفقراء والمحرومين والأرامل والثكالى.

‏هنا كل شجرة تخبئ خلفها دمعة أم انتظرت شهيدًا لم يعد منذ عشرات السنين.

‏إن بلد السواد ليس لقبًا جغرافيًا فقط، بل هو عنوان لمعاناة ونبل وشهامة الرجال وصبرهم، لأعينهم التي تتطلع إلى مستقبل أفضل يضمن معيشة أفضل لأبنائهم والأجيال التي من بعدهم. نعم، نحن نعيش في أرض ربما لم تنصفنا أحيانًا، لكنها لم تنحنِ لأحد، وإن طال ليلنا ففجرنا قادم بإذن الله، سواء من صبر طويل أو دعاء محروم أو من دمعة طفل لم يفقد الأمل بعد.

‏إنها بلد السواد، يسكن فيها شعب قلوبهم من نور وأخلاقهم العالية قد أعطت دروسًا للدنيا كلها.

‏هنا تحمل السماء غيم الحنين، ينبت اليأس أحيانًا، لكنه لا يزهر. هنا، لا شيء يشبه الحياة إلا الصبر، أنقلها لكم من سوق الشورجة إلى أزقة وشوارع بغداد، من تراب البصرة إلى حجارة نينوى، تتشابه الوجوه وتختلف الجراح. نعم، إنهم الفقراء بمسمياتنا، ولكنهم سادة الكرامة بمسميات أخرى، هم المحرومون بنظرنا، ولكنهم الأغنياء بالدعاء، يكتبون أسماءهم على جدران الذاكرة، ليسوا ضحايا مثل الشعوب الأخرى التي تتباكى بهمومها، ولكنهم منارات تضيع زمن العتمة. هنا يصنع الجوع شعرًا وتبقى الطفولة أحلامًا مؤجلة، شعب لا يعرف اليأس، يربون أبناءهم على الحلم ويعلمونهم أن الوطن ليس خريطة بل روح تسكن فيهم حتى وإن جار الزمان معهم. هنا ما زلنا نعيش مع الأمل، نمشي حفاة والطريق طويل، نطرق أبوابًا أغلقت وننتظر الفجر القديم. هنا لا يوجد شيء اسمه الغلاء، هنا شعب طيب يحب الخير فأعطاه الله الخير. لقد منحنا الله نعمة فضيلة أيها الإخوة لا يمكن نسيانها، خاصة عندما نشاهد كيف يعيش أبناء العروبة في الدول الأخرى وهم يعانون من الغلاء الفاحش، يعملون ليل نهار من أجل لقمة العيش. اللهم يا واسع الرحمة، أنقذ “بلد السواد” من سواد السنين، اللهم اجعلنا في بلدنا آمنين مطمئنين وأبعد عنا الغلاء يا رب العالمين. اللهم منا الدعاء ومنك الاستجابة، اللهم اجعل لنا في كل درب النور ووفق أبناءنا لما تحبه وترضاه وامنحهم سلامًا لا يُؤخذ منهم مرة أخرى. اللهم اجعل الخبز كثيرًا، والدواء متاحًا، والفرحة صادقة في كل بيت،

‏اللهم اجعلها دعوة مستجابة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات