بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19]
في الآية المباركة من سورة النور يقول الله عز وجل “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون” والآية هنا لا تنطوي على غموض، ولا تحتاج الكثير من التفسير والتوضيح، فهي تبشر بالعذاب الأليم في الدنيا (ربما يتعلق العذاب بالأمراض الجديدة التي تقع بيننا الآن … وإن الناظر في القرآن الكريم والسنة النبوية يجد انواعا من العذاب وأصنافا كثيرة ، يجد مسيرة طويلة وتاريخا عظيما لما بين الرسل وأقوامهم من التبشير والإنذار، ومن النصر أو العذاب والهلاك والتدمير، ففي خبر كل نبي ورد ذكره في القرآن تجد انتصاره واضحا جليا، وإهلاكا لقومه الذين حاربوه او الذين خالفوه ولو من بعد حين .. في الاية الكريمة :{ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا} نجد القران يحدد نوع العقوبة بأنه (عذاب الخزي) في الدنيا، وهناك قسم آخر عذاب تام يوم القيامة..
الألَم : الوَجَعِ الشديد …الحُزْن والأسى يعتبر الم لان الالم ينتاب الجسم والنفس .. تسمى ( في الفلسفة ):: أحد الظواهر الوجدانية الأساسية.. ففي علم النفس هو شعور بعكس اللّذة وعدم الرَّاحة والضِّيق سواء أكان شعورًا نفسيًّا أم خلقيًّا ومن الالام المشهورة آلام المخاض أو الطَّلْق : الآلام التي تحسّ بها المرأة عند الولادة .. وهذه الالام معروفة ربما تسبب الموت للمراة الحامل المقرب ..
***في مورد من القران يقول تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ}… العَذَابُ : معناه عقاب ونكال مؤلم شديد ،وهو كل كلُّ ما شَقَّ على النَّفْس والجسد .. يسمى عذاب .. يقابله كلمة عَذّب وهو ما يسر النفس والبدن.. الماء العَذْب : ماءٌ قلّت نسبةُ الأملاح الذَّائبة فيه بحيث أصبح سائغًا
واكبر عذاب يعرفه الناس ويتوقعونه هما : عذاب القبر وعذاب جَهنَّم …أما العذوبة في حال الدنيا .. مرة تأتي بالكلام فيسمى كلاما عذبا لان الإنسان يستشعر لذة كلام المقابل ..حدِيثٌ عَذْبٌ غالبا ما تاتي منسقة بشعر او نثر .. فهو حَدِيثٌ ساحر لَهُ وَقْعٌ حَسَنٌ.. قال النبي {ص} إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشَّعْرِ لَحِكَمًا ” أما في الأطعمة والشاربة كلمة عَذْبُ : السَّائغُ من الطعام والشراب وغيرهما من أنواع الملذات يسمى عَذّب ..أما إذا اجتمع العذاب والاهانة مع الخزي فما هو الخزي ..؟.
ها هو الخزي ..؟ الخزي يعني الاهانة .. خزي الرَّجُلَ : أَهَانَهُ وأَذَلَّهُ..خَزَى فلان أي فضحه ..ينشر غسيلا عفنا من الكلام والفاعل بهذا الأسلوب الذي ينشر الفاحشة سيعاقبه الله في الدنيا بالخزي ..فاخِزي : ذلّ وهوان .. حين يقع الرجل الشريف بخزي يعبر بأسلوب يبين الخجل والشُّعور بالمهانة ، يا للعار..
مرة يبين القران سبب العذاب للناس لانهم يعتدون على الاخرين او على الانبياء والرسل والقران .. هذا الاسلوب هو المعصية وهو الخوض في اعراض الناس ومشاكلهم ومصائبهم .. يقف القران معهم ضد مروج الإشاعات ومروج الفاحشة يقول :{وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وتارة يعطي المهرجين فرصة للتوبة وعدم الخوض في أعراض وسمعة الناس .. هذه ربما الفرصة الأخيرة , يوصف عذابه بأنه العذاب الأدنى،يقول تعالى :{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وهذه الآية الأخيرة – آية السجدة – استوقفتني كثيرا، وتأملت ما دلت عليه، ودفعني ذلك إلى البحث في القرآن الكريم عن نظائرها، وعن أسباب هذا العذاب الأدنى، وعن أنواعه؛ فكان هذا المجلس الذي بين يدي لأبين أسباب العذاب فيجتنبها المستمع . كي لا يقع بالعذاب الأدنى ولا العذاب الأكبر .
اليك قصة من القران :.. لما أيس يونس (ع) من إيمان قومه دعا ربه عليهم فقال: يا رب! إن قومي أبوا إلا الكفر فأنزل عليهم نقمتك فأوحى الله اليه: إني أنزل بقومك العذاب, قال: فخرج عنهم يونس وأوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام، ثم أخرج أهله،وصعد جبلاً ينظر إلى أهل (نينوى) ويترقب العذاب. وبعث الله عز وجل جبريل، فقال: انطلق إلى مالك خازن النار فقل له يخرج من سموم جهنم على قدر مثقال شعيرة، ثم انطلق به فأحط به أهل (نينوى)فانطلق جبريل(ع) بما أمره ربه تعالى ,عاين قوم يونس العذاب لما هبط للوقت الذي وقت لهم يونس. ويُقال: إن العذاب لما هبط على قوم يونس فجعل يحوم على رؤوسهم مثل قطع الليل المظلم. فلما استيقنوا بالعذاب علموا أن يونس قد صدقهم، فطلبوه فلم يقدروا عليه. فقالوا: نجتمع إلى الله ونتوب إليه. فخرجوا إلى موضع يقال له: تل الرماد، تل التوبة وإنما سمي: تل الرماد، لأنهم خرجوا جميعا الرجال والنساء معهم أنعامهم كلها ، فرقوا بين المراضع وأولادها، والبهائم وأولادها، وجعلوا الرماد على رؤوسهم، ووضعوا الشوك تحت أرجلهم، ثم استجاروا بالله ورفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء. فعلم الله عز وجل منهم الصدق. فقالت الملائكة: يا رب! رحمتك وسعت كل شيء، فهؤلاء كبار واطفال ونساء وشباب من ولد آدم تعذبهم، فما بال الأصاغر والبهائم؟ فقال الله عز وجل: يا جبريل! ارفع عنهم العذاب، فقد قبلت توبتهم…
***: الدروس المستفادة من القصة .. يتبين ان هناك عذاب مرفوع , لم يكتب الله عز وجل على قوم العذاب إلا عذبهم، ولكن لهذه القاعدة استثناء منهم قوم يونس بن متى، فقد كشف الله عنهم العذاب، وأما السبب في هذا الاستثناء فهو كما دلّت عليه الآية الكريمة هي ” التوبة ” وهذا السبب لا يختص بقوم يونس بل للناس كافة ولكنهم نموذج تعريف للناس يبين الله ان هناك عذاب يرفعه لو ابدى العبد توبة من ذنوبه خاصة الشرك والتعالي على كلام الله ..التوبة هي سبب رئيسي في نجاة الإنسان من العذاب الإلهي، ولكنها لا بد وان تكون توبة صادقة، وقد ورد في العديد من الروايات صفات لهذه التوبة الصادقة، ومن أهمها أن لا تكون هذه التوبة من الإنسان كتوبة فرعون حيث تاب لما أدركه الغرق، وقد ورد عن رسول الله (ص):”إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.. وقد ورد عن الإمام علي (ع) بيان رائع قال :”غرسوا أشجار ذنوبهم مقابل عيونهم وقلوبهم, وسقوها بمياه الندم، فأثمرت لهم السلامة، وأعقبتهم الرضا والكرامة”.
وما يترتب على التوبة الصادقة ليس هو مجرد الخلاص من العذاب الإلهي بل هو النعمة الالهية، ولذا ورد في قصة قوم يونس ﴿وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾، فقد أنعم الله عليهم بعد ان كان مقررا لعم العذاب، وقد ورد عن الإمام علي (ع): “من أخذ بالتقوى بعدت عنه الشدائد بعد دنوها وهطلت عليه الكرامة بعد فحوطها، ونزلت عليه الرحمة بعد نفورها، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها (ذهابها)، ..
*** اما في الآخرة لمن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، يحبون أي جميع المجتمع المسلم، فكيف بمن يحبون ويتفاخرون بتعالي وتكبر وإصرار في ممارسة الفعلية لعملية نشر الفاحشة، هناك نماذج ينشرون الفاحشة في المجتمع بلسانهم شتائم وكلام ونشر غسيل مقرف ..كان احدهم اتخاذها حرفة أو تجارة، ينشرونها بتعمد نشر أخبارها كي يسمع جميع الناس فترتاح نفوسهم المريضة ان فلان نشروا فاحشته بين الناس .. وهو يظن ان الناس يعتبرونه من البيوت النظيفة , بالعكس لان الله تعالى محاربهم ويقف مع الذين ذلوه وخزوه .. فتكون الضربة الإلهية في بيته وسمعته وأسرته , لأن سلوك الفاحشة بكل صورها سلوك شائن هابط لا ينتشر هكذا من فراغ، وإنما يتجرأ ويشجع عليه شخص ثم آخر حتى يغدو عاديا لا يثير ضجيج ضج مروجي الفاحشة .. هو ما يسمونه في السياسة “التطبيع” أي جعله طبيعيا في العرف العام، كما نقول في سياق التعامل مع العدو الصهيوني. “حين نتابع مسيرة المجتمعات الإنسانية الراقية نعرف انه جاء من صفات شريفة بين أفراده , قيما والتزاما ومنطقا وموقفا وكل شيء ما يتوافق عليه الناس بصفات الشرف كافة ..وحين يقع التساهل بالمجتمع في التعامل مع رذيلة معينة، فإنها ستأخذ في الانتشار، إلى أن تتحول إلى أمر عادي لا يثير الاستنكار”
هناك فواحش موجودة في المجتمعات بشكل دائم، وليس ثمة مجتمع مثالي في الدنيا، لا في القديم ولا في الحديث، وقد جُبل الإنسان على القابلية لاقتراف الذنوب، لكن تحويلها إلى أمر عادي وطبيعي هو الخطر الحقيقي، وعندما طالب الشرع بأربعة شهود يرون “المرود في المكحلة” كما في العبارة الشهيرة لإثبات واقعة الزنا، فكأنما هو يطلب المستحيل في حال ان الزانيان يحرصان على التخفي والستر، .. لذلك العقوبة تكون عمليا لمن ينتهكون حرمة المجتمع ويعتدون على قيمه في العلن وأمام الملأ، وبالطبع لأنهم حين يفعلون ذلك سيجرؤون الآخرين على تكرار ما اقترفوه، وبذلك يغدو سلوكا طبيعيا يمارسه المجتمع برمته. وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري “كل أمتي معافى إلا المجاهرين”.
**** حين نتابع مسيرة المجتمعات الإنسانية سندرك أن قيمها هي خلاصة ما يتوافق عليه الناس، الأمر الذي قد يتغير بمرور الوقت، وحين يقع التساهل في التعامل مع رذيلة معينة، فإنها ستأخذ في الانتشار، وصولا إلى تحولها إلى أمر عادي لا يثير الاستنكار. مثل الخمر حين يتم التسامح في احتساءه , بعد مدة يكون الامر اعتياديا , ومثله السفور والاختلاط وهكذا .. يبدا امرا غريبا ثم يصبح عرفا اجتماعيا يدافع الممارسون فيه دفاعا مستميتا ويصفون الملتزم بالرجعية والظلامية وغيرها ..
على مرّ الزمان وفي سائر المجتمعات، كانت رذائل الزنا والخيانة الزوجية والجريمة بشتى أنواعها والشذوذ والرشوة والقمار والخمر والمخدرات موجودة بهذا القدر أو ذاك، ولكنها تبعا لرفضها من غالبية المجتمع، كانت تختبئ تحت السطح، ومن وجدوا في أنفسهم ميولا نحو تلك الأفعال، إما أن يمارسوها في السر، وإما أن يرفضوها (وهم الغالبية) خوفا من العار او من العقوبة إذا لم يحل الخوف من الله بينهم وبين ذلك، ولكن وما إن سمح المجتمع بإشاعتها من دون عقوبة ولا رد حتى صارت عادية. … مثلا : عندما نرى الممارسات الأخلاقية السيئة المرفوضة في اغلب دول الغرب، ليس معنى ذلك أن تطورات جينية حدثت في البشر خلال السنوات الأخيرة (مثال الشذوذ والاعتراف به رسميا في عدد من الدول الأوربية وتحولت إلى الإباحية بشتى أنواعها)…….
والحال أن المجتمعات هي التي تحدد سقفها الأخلاقي بحسب حراكها وتطورها، وليس هناك حرية مطلقة في أي مكان في الدنيا، بدليل أن الجنس الساخن (كما يسمونه) ما زال ممنوعا في وسائل الإعلام الغربية المفتوحة لكل الناس، وبدليل أن ممارسة الجنس على مرأى من الناس في الشوارع والأماكن العامة أيضا ممنوعة، وكذلك التعري الكامل، إلى غير ذلك من الممنوعات مثل المخدرات بمعظم أنواعها.
وها هو الشذوذ، ورغم مرور أعوام على تشريعه في بعض الدول واللوبيات المؤثرة التي تقف وراءه لم يأخذ الاعتراف سوى في ثماني دول في العالم، من بينها خمس دول أوروبية، بينما تتفاعل هذه الأيام المساعي لتوفير المزيد من الاعتراف الدولي به، وأقله منع تجريمه من الناحية القانونية.
“ليس من الغريب أن يحدد المجتمع المسلم سقفه الأخلاقي بالطريقة التي يراها, وإذا كان الغرب قد تعامل مع الدين بوصفه نصا قابلا للتغيير، فإن الدين الإسلامي ليس كذلك، إذ سيبقى الزنا حراما إلى يوم الدين ” وتبقى الرشوة وسرقة المال العام واستغلال المناصب للمصالح العامة كلها محرمة ..
*** من هنا أصبح قضية التلاعب بالسقف الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية يعتمد على قوة الرفض او السكوت والقبول به , هذه الحالة تأخذ مداها حتى تتحول إلى موضوع أشبه بالقانون , مثلا : عندنا في الإسلام قانون الزواج يبيح للرجل ان يتزوج أربعة نساء , ولكن العقلية الأوربية المسيحية التي انتقلت ألينا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , سربت أفكارا مسيحية بعدم الزواج من أكثر من واحدة . فأصبح المحذور بالمجتمع وتقلص عدد الرجال من تنفيذ هذا الأمر الشرعي حتى وصل الى حدود 95% وأصبحت النساء حاكمات بهذا الأمر . مما ترك فيالق من النساء بدون زواج ..
وهناك محاولات غربية لفرض النمط الغربي في الأخلاق بقوة القانون ، كما يحدث فيما يتعلق بالاتفاقات الدولية مثل “سيداو” المتعلقة بحرية المرأة، والتي تخالف في الكثير من نصوصها الشريعة الإسلامية وما تعارفت عليه مجتمعاتنا،منها موضوع الخلوة وقانون الميراث , القانون الوضعي تنظيم بشري من صنع الناس، لا ينبغي مقارنته بالتشريع السماوي الذي جاء من عند الله؛ للفرق بين الخالق والمخلوق، ولن يستوي لدى العقول أن يقارن ما صنعه الناس بما صنعه رب الناس.****والذين يضعون القانون بشر، يخضعون للأهواء والنزعات، وتتغلب عليهم العواطف البشرية، فيقعون تحت تأثير هذه العوامل التي تحيد بهم عن تقدير الحق، والقيام على شئون الحياة بالقسط، ومهما ارتقى الناس في سلم المعرفة، فإنهم لا يستطيعون أن يدركوا حقائق الأمور، وأن يحيطوا بها خبرًا، وبهذا تكون القوانين الوضعية عرضة للتغيير والتبديل، ولا يكون لها مقياس ثابت لحكم، فما هو حلالٌ اليوم قد يصير حرامًا غدًا، وبذلك تختلف موازين الحياة ومقاييس الخير والشر، وتتلون بتلون الإنسان ….
**** هذه المساعي جعلت التجاوز على المجموع بعنوان تقديس الحرية الفردية حتى لو تطاولت على المجتمع، مثل الموقف من عقوبة الإعدام للمجرمين القتلة وسراق المال العام .. ومن ثم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج والشذوذ وسواها من القضايا، الأمر الذي ينبغي أن يواجه بكل حازم من قبل القوى الحية في الأمة، والتي ينبغي أن ترفض هذه اللعبة،…… ان التقصير في الأمة واضح جدا حين يصر غير الشرفاء على تحديد السقف الأخلاقي بالطريقة التي يريدونها بعيدا عن القران .. مع العلم أن مجتمعاتنا الإسلامية لن تخالف عقيدتها لو ترك الامر للناس الشرفاء.
ومن امثلة ذلك قول القران ان اهل الفاحشة لهم عذاب اليم , قصدهم الأذى والسوء، (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، فعليهم حدُّ القتل، ولهم عذاب الآخرة، لأنهم أحبوا إشاعة الفاحشة بين المسلمين، فإن إشاعة الفاحشة ضرر على كل الإسلام، حين تنتشر الفاحشة بينهم، ; وقذف بعضِهم بعضا، ورمي بعضهم بعضا. ;.
**** النقطة الثانية يتعلق بالهجمة العاتية في وسائل الإعلام في الساحة العربية، وفي عالم الفضائيات والإنترنت، وحتى الصحف والمجلات، والتي يظهر إنها تتخصص في نشر الفاحشة في الذين آمنوا بكل ما أوتيت من قوة وقدرة، رغم محاولة بعضها إظهار الرصانة.المصيبة أن يأتي ذلك بتواطيْ مع الخارج الساعي إلى تدمير مجتمعاتنا من الناحية الأخلاقية اضافة للخلايا المتهيئة للانقضاض على المنظومة الأخلاقية والاحزاب التي تتبنى أفكارا هي بالأساس ضد الأخلاق الإسلامية ..لقدِ ازدادتْ خُطُورة نشْر الفاحشة بازدياد أوعيتها، وتنوُّع أساليبها، فقد يعجز المرء عن حصْر ومتابعة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمشاهدة، والتي جعل أكثرها من تزيين الفاحشة هدفًا، تُعَدُّ من أجله النصوص والمقالات.
*** لا بأس أن أذكر هنا ما ذكره مخرج تائب، قال: كان يأتي إلينا منتج من بعض دول الخليج، فيقول: أريد الممثِّلة فلانة مع الممثل فلان، في مسلسل تقوم فكرته على أنَّ العلاقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج مستحبَّة، وتستمر خلال الحياة الزوجية لو تزوجت البنت برجل اخر ..”””
*****
ومن كلام الفحش هي حرب الشائعات، وهذا أثره كبير، وخطره شديد في علاقات الدول بعضها مع بعض، وهي تسمى الحرب النفسية، أو الحرب المعنوية. والشائعات ليست وليدة هذا اليوم، وإنما هي معروفة بقِدَم الإنسان، لكنها أخذت تَتطور وتزداد مع تَطَوُّر الحضارات القديمة والحديثة، وهذا شيء مُشاهَدٌ فيما نلحظ الآن من الشائعات التي نسمع بها بين فترة وأخرى في شتى الوسائل.
ومَن يقرأْ تاريخ الأنبياء عليهم السلام وقصصهم مع قومهم في القرآن الكريم يَدْرِكْ أثر الشائعات وخطرها على الدعوة إلى الله، مثلا نوح {ع} رماه قومه بالضلال والجنون قال الله تعالى حكاية عنهم: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾وفي موضع آخر: ﴿ وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾القمر 9.
وهود(ع) اتَّهَمه قومُه بالسفاهة والكذب قال تعالى حكاية عنهم: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾ حتى وصل بهم الأمر إلى أن اتهموه في عقله يقول الله جل وعلا حكاية عنهم : ﴿ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ … موسى(ع) قالوا عنه: ساحر. وقد حكى الله ذلك على لسان فرعون: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ .
ونبينا محمد{ص} سيد المرسلين لم يسلم من تلك الشائعات الكاذبة الْمُلَفَّقة، فقد ابْتُلِي بحادثة الإفك، وكلنا يعلم هذه الحادثة، وكادت أن تؤثر في بعض النفوس، لولا أنَّ الله جل وعلا فضحهم وبَيَّن كذبهم، وبَرَّأ عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سماوات، بَرَّأَها بآيات تُتْلَى إلى يومِنا هذا…. كذلك لما أشيع مقتل النبي{ص} يوم أحد أَثَّرَ ذلك على صفوف المجاهدين، والأمثلة على هذا كثيرة،… .
وقد جاء التحذير من تلقف الشائعات والترويج لها صريحًا في قول الله جل وعلا: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ فسمى الله ناقل الشائعة فَاسِقًا، ولا يخفى دور الفاسق في الإفساد في الأرض، وحَقٌّ على من سمع الشائعة أن يتثبت وأن يتأكد من صحة الخبر، وعليه أن يسأله نفسه هل في إعلانه مصلحة أم أن المصلحة في الكتمان؟!
ولقد جاء التحذير من الشائعة في السنة المطهرة أيضًا كما في قول النبي{ص} «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ».في حديث آخر عند أبي داود: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا» يعني قالوا .. او يقولون لانه لم يراها ولم يتاكد منها .. ولكن كون نفسه نفس فاسق فحدثته ان يتكلم بها فقال يقولون … وكم أوقدت الكلمة الخبيثة من فتنة! وكم أهلكت ودمرت من بيوت كانت يوما لها كيان يلج اليها الناس لقضاء حوائجهم , ولكن الكلمة او الشائعة ينفذها الفساق المتخصصون بالفاحشة والكلام الهابط .. وكثيرا ما نسمع في الاعلام الفساق الذين يُرَوِّجون للباطل تحت شعار حرية الكلمة والنظام الديمقراطي, وأي حرية هذه حين يجد أهل الباطل طريقا قانونيا لترويج أكاذيبهم، يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه من أجل التمويه والتضليل، فيَلْبِسون الحقَّ بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون… اغلب مروجي الشائعات بما انهم فساق , يضاف لهذا انهم يروجون الأكاذيب وقلب الحقائق.. اغلبهم لا يعرفون قدر مسئولية الكلمة، فالحرية لا تعني الخوض في الباطل، فالإنسان مسئول أمام الله عز وجل عما يقول وعما يفعل، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ ولا مكان للديمقراطية عند الله في تمزيق أعراض الناس ..قال جل من قائل: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ ..فكم من كلمة قالت: لصاحبها دعني لأنك غير مؤهل أن تحملني لأنك أدنى من مستوى الكلمة ..قال رسول الله{ص}: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ» ….
أسباب انتشار الشائعات ودوافعها:
*****
انتشار الشائعة بين المجتمع لها دوافع كثيرة، وهذه الدوافع مرة دوافع نفسية تتكون من ترسبات حقد بدون مبرر على الناس بسبب حسد او شعور بالدونية او بالانحلال الخلقي واللا أبالية بما تؤدي نتيجة إلقاء الكلمة القاتلة .. أما أسبابها غالبا سياسية وهذه الطبقة تعيش في صراع سياسي فيما بينها على حطام الدنيا , فترى السياسي لا يهتم لمصالح الشعب بقدر ما يهتم بخصمه السياسي , ومن أسلحة الحرب عندهم الإشاعة .. والإشاعة تختلف عن الدعاية , هي إن الإشاعة لا يعرف مطلقها أول مرة وربما من يروج لها ومن المؤكد ان المروج لا يعلم من أصدرها ,, ومرة يكون سبب الإشاعات اجتماعي :.. سيكولوجية الشائعات
الشائعات هو مرض نفسي يَشعر من خلاله الإنسان انه مريض ولا يمكنه ان يكف لسانه عن الاعراض والأموال والسمعة الاجتماعية فيما يخص الناس .. والذي يثير الإشاعات عادة يستغل وسائل نشر الأخبار الكاذبة او الصحيحة ولكنها تؤذي شريحة جدا كبيرة… وهؤلاء المرضى النفسانيين يحتاجون نصيحة وخوف من الله تعالى .. لانهم في هذا العصر حصلوا على سهولة اثارة الشائعات .. لان كل مريض يمتلك منصات نشر عديدة من خلال أجهزة النقال والكومبيوتر ..والقنوات الفضائية .. الان توسعت الوسائل كثيرا , وصار مرضى النفوس والصغار اجتماعيا يستخدمون الشائعات للترويح عن المفس ليس الا ..!! ونشر اخبارا خاطئة ضد شخص او مجموعة او طائفة يتصورون انهم بهذا التهريج حين ينشرون الفاحشة يفوزون بغنيمة , أو التشهير أو الفوز بغنيمة …
غايتهم الاساسية إثارة البلبلة واللعب على مشاعر الناس الدينية والعرفية والعادات والتقاليد، وقد يمتد تأثيرها إلى سنين وقد تكون نتائجها كارثة على مجموعة من الناس … فهم اساسا غير مقبولين اجتماعيا , ويشعرون بعقدة النقص .. فلا مانع عندهم في اسقاط جماعة او شخص معين
من الأمثلة :.. حين تتحدث بعكس تيارهم , تمدح شخصا يستحق المدح وله مواقف انسانية , تجدهم مجرد ذكر اسمه فيهاجمونه يبحثون عن سقطات عنه .. ديدنهم الغيبة والكذب والنفاق .. وطيبة اغلب الناس اعطتهم فرصة لترويج الفاحشة في الذين امنوا .. غايتهم حجب المعلومات الصحيحة الطيبة عنه ومن ناحية اخرى , زعزعة ثقة الناس في الشخص المراد تحطيمه لتجريده من حب الناس والتفاف المجتمع حوله كشخصية بارزة، وشغل الرأي العام بمواضيع تافهة وإغراقهم بما لا يفيدهم بعيداً عن موضوعات مهمة، وتعتبر الشائعات من أساليب إثارة الرعب بين الناس مثل ترويج انتشار مرض ما أو جرثومة ما في نفسية الناس ومن منا لا يهتم بصحته ويخاف عليها، حيث يطلق المروج الشائعة إشباعاً لمشاعر مكبوتة في نفسه من حقد تجاه الآخرين سواء المروجة ضده أو المجتمع..فيعمد إلى الإضرار بالمجتمع بكامله ويستغفلهم، … وغالبا , تتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص.ولنذكر أهم أسباب انتشار الشائعة – وهذا على سبيل المثال لا الحصر لئلا يطول بنا المقام – من تلك الأسباب:
السبب الأول: أتباع الهوى :.المقصود بالهوى هوى النفس الأَمَّارة بالسوء . هو فيه خلل نفسي ,صاحب الهوى يعمل على نشر ما يوافق هَوَى نفسِه , يعني يرى سقف الأعلى من الأخلاق في نفسه ،فهي متدنية جدا , فيرمي الناس بأعراضهم وكم يتمنى أن تتهدم شخصياتهم .. ولو كان على حساب إلحاق الضرر بغيره، فهو لا يهمه إلا مصلحة نفسه فقط، وإشباع غريزته السيئة، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك من خطر على المجتمع، ولهذا أنكر الله جل وعلا على من هذا صنيعه، فقال تبارك وتعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾، وقال جل وعلا: ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ .. فمَن يعمل على نشر الشائعة دون النظر في العواقب إنما يعمل ذلك لموافقة هوى نفسه السيئة ..
السبب الثاني: الجهل.: ربما يثار على هذه النقطة سؤال , وهو اغلب الفضائيات يحملون شهادات عليا , ودخلوا دورات إعلامية عند خبراء بالإعلام , فيكيف يكون الذي يثير الإشاعات جاهلا ..؟ الجواب هؤلاء هم بالأساس خبثاء وشغلتهم الإساءة وإثارة البلبلة والفرقة حسب أجندات أعداء الأمة, يقول الإمام علي{ع} ” ما مد أحدكم يده بطعام احد إلا وأذله ” أي يكون ذليلا يسير وفق رأيه, حتى لو لم يكن مقتنعا بذلك الرأي ..!! , ولكن حديثنا بالجهل عن النساء والرجال أصحاب الثرثرة الذين نعني” من يجهل عواقب الأمور”،وهناك شريحة واسعة من النساء وأمثالهم من الذكور ليس لهم شغل ولا علم وعلم إلا قال فلان وقالت فلانة .. فمن أراد أن يقدم على عمل لا بد أن يكون عنده بُعْدُ نظرٍ ليعلم ما يمكن أن يُؤدِّيَ إليه هذا العمل من المفاسد؛ إذ لا يليق به أن يقتصر على فهمه القاصر فقط ، فقد يظن الإنسان أن ما ينشره من الأكاذيب والأقاويل حقائق مُسَلَّمة لا تقبل الجدل، لكن في الحقيقة هي أكاذيب مُلَفَّقة، فالجهل بعواقب الأمور من أهم دوافع انتشار الشائعات في المجتمع، وأحيانا قد يؤدي به جهله إلى أن يطلق الشائعة من باب الْمُزاح والدعابة، إن أولئك الذين يطلقون الشائعات على سبيل المزاح والدعابة لا تلبث شائعاتهم أن تتلقفها الآذان الصاغية المحبة للفساد والإفساد بين الناس، وسرعان ما تنتشر انتشار النار في الهشيم، تسابق الريح من هنا وهناك حتى تعم الآفاق، ومَن كانت هذه حاله وهذه مهنته ولا يتعرق وجهه من الخوض في الباطل .. يكون من الذين خلعوا ربقة الحياء من أعناقهم؛ لأن كل همه إثارة المشاكل وخلق القلاقل بين الناس.فهم بلا حياء اصلا …
السبب الثالث: النفاق:…..النفاق سبب من أسباب الاشاعات قال تعالى : ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا ﴾…النفاق مرض القلب، وهو سبب المصائب الاجتماعية والنكبات، ” فما من فتنة إلا وكان للمنافقين يد فيها” ، وما حادثة الإفك من ذلك ببعيد، وهي خير شاهد على ذلك، وقد وصف الله المنافقين بالعداوة للمؤمنين، ومن المنافق ربما لا يدري انه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، كما قال تعالى:﴿ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ المنافقون هم أهل إرجاف وكذب وبهتان، يُخْفُون ما لا يُبْدُون، والحقيقة أن هذه الشائعات المغرضة إنما تصدر ممن لا خلاق له.
السبب الرابع: الفراغ.:.. الفراغ أي مجتمع البطالة .. لا إنتاج ولا فكر ولا إنسانية ولا علم ولا فهم ..هؤلاء يعيشون فراغا قاتلا , وكلامهم حتما يؤدي إلى ترويج شائعات بطرق ووسائل مختلفة، ومن هذه الطرق وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والجوال ويكون ذلك بغرض التسلية والتهكم، ولذلك شواهد كثيرة من رسائل “البلوتوث” عياذًا بالله. كثير من الشائعات تنقل عن طريق البلوتوث، وتنقل عن طريق مواقع الدردشة في الإنترنت وهذه المواقع ما هي إلا ويلات على البشر، وخاصة الشباب منهم الذين جعلوها مسرحًا لآرائهم وأفكارهم الهدامة، فهم يتناقلون في القيل والقال، والزور والبهتان، وخدش الحياء، لا شك أن هذا سوء استخدام للفراغ الذي هو نعمة من الله جل وعلا ومِنَّة مَنَّ اللَّهُ بها على الإنسان، وكما جاء في الحديث الشريف :«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»..
السبب الخامس: الرغبة في حب الظهور:….حب الظهور مرض نفسي، وهو من الأمراض العقلية التي يلجأ إليها ضعاف النفوس من أجل إبراز أنفسهم على حساب الآخرين، يعني يعمل الواحد منهم على إبراز نفسه بنشر هذه الشائعات وإن كان فيها ضرر على غيره نتيجة لِمَا يعانيه من الفشل في حياته العامة، مُعْتَقِدًا أن ذلك يُعوِّض ما يشعر به من نقص، ولا شك أن هذا اعتقاد غير صحيح، وقيل :”رحم الله امْرَءًا عرَف قَدْر نفسه…. وحب الظهور من مظاهره الشعور بالكراهية للآخرين وخاصة مَن لهم مكانة في المجتمع” وكل ذي نعمة محسود ” فيكون غرضا للحسد والحقد والشائعات ، هنا يبين مُرَوِّج الشائعة على نشرالكراهية والبغضاء لذلك الإنسان ذي النفوذ حتى يسيء إلى سمعته بين الناس، وذلك لِمَا يَرَى عليه من نِعَم الله من المكانة والمنزلة، وهذا يعد من باب الحسد على هذه النعمة، فيأخذ في ترويجع الشائعات الكاذبات عنه حتى يسيء إلى سمعته، ويكون هذا أحيانا من باب الانتقام لنفسه المريضة بداء التكبر والتعالي على الناس .. ليلحق الضرر بأخيه.
وخلاصة القول أن هذه الأسباب يجمعها سبب واحد، وهو ضعف الوازع الديني، فإن الإيمان متى استقر في قلب العبد فإنه لا يرضى بأذية لأخيه المسلم، فالإيمان يُرَبِّي صاحبه على الأخلاق الفاضلة، أما إذا خف ميزان الإيمان في قلب العبد فعندئذ يصبح العبد عرضة لكل ما مِن شأنه الإساءة والإفساد، ومن ذلك الإفساد والإساءة تلقف الشائعات ونشرها، فلا شك أنَّ ضعف الوازع الديني هو رأس الأمر كله في نشر هذه الشائعات الكاذبة. وينمو الضعف حتى يذوب الأيمان في القلب ويصبح ملعونا من رحمة الله ..
من هنا جاء الدعاء :..اللهم أحفظ بلادنا من حقد الحاقدين ونوايا المتكبرين ، وأحفظ قلوبنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، اللهم أرنا الحق حَقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واصرف عنا سوء الأخلاق لا يصرفها عنا إلا أنت،… واخيرا نتشرف بقول النبي {ص} «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» ولو سئلت عن أمر قل لا اعلم فانه خير جواب في الفتنة , وردا على المروجين للفساد في الأمة ..
خطر الشائعات على الفرد والمجتمع :من اصدق مظاهر الفاحشة والإشاعات هي الغيبة .. لعن الله الغيبة ومروجها,الغيبة خطرها عظيم على الفرد والمجتمع وحقيقة { الشائعات أنها تمثل الغيبة والنميمة}، وقد حذرنا الله من ذلك .قال تعالى:﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾عن النبي{ص} قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ». قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:« ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ في أخي مَا أَقُولُ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ».وسبب نزول قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾ أخرجه البخاري ج5 ومسلم ج1 ص69 :أن عائشة قالت للنبي {ص}” حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا. تَعْنِى أنها قَصِيرَة. فَقَالَ النبي{ص}:«لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». أي: غيرته.
وهي لم تقل شيئًا إلا أنها تقصد بأنها قصيرة، فما بالكم بمن يُرَوِّج الشائعات الكبيرة، ويسعى في تشويه سمعة الناس والطعن في أعراضهم وأخلاقهم وقدراتهم وعلمهم، ” الان كثير من المتدينين يثيرون اشاعات ضد المراجع , وترى الجدال بينهم حول الاعلمية وتسقيط فلان , وهم بالاساس لا فهم ولا علم لديهم بما يتناقشون فيه ..!! قال النبي{ص}:«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» وفِي لَفْظٍ: «نَمَّامٌ». والقتات الذي ينقل الكلام من شخص إلى شخص، أو مِن قَوْم إلى قَوْمٍ على سبيل الإفساد…تدخل الشائعات في باب الكذب، والله حذرنا منه قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) ..
وقال{ص} «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». وقال :«بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا» أي قالوا او قال فلان .. فهو يسمع أيَّ خبر خيرًا كان أو شَرًّا، أو فيه مصلحة للمسلمين أو للأفراد أو فيه مضرة، وينقل هذا الخبر على عواهنه بدون التأكد، وبدون التريث، وبدون أن ينظر هل في نشر هذا الخبر مصلحة للمسلمين أم فيه مضرة؟ فإذا كان فيه مصلحة نسعى إلى نشره، وإذا كان مضرة ويجر إلى فتنة وفساد يجب ان يتوقف الإنسان، ولقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يهرج ويكذب في حديثه بأن فيه خصلة من خصال النفاق قال {ص}:«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا اؤتمن خَانَ». وهناك خصلة رابعة لم يلتفت لها الناس,هؤلاء واضحون بحكم القران قال تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ وقول الرسول{ص} « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». ومعنى تبينوا : تثبتوا.
ويقول شخص :حصل بيني وبين جاري خلاف بسيط، فحقد علي، فرأيت بعد فترة أن جماعة الحي لا يسلمون عَلَيَّ، ولا يَرُدُّون عَلَيَّ ,ولا يَدْعُونَنِي إلى اجتماعاتِهم المعتادة، فأحسست أن في الأمر شيئًا، فبعد أيام قال لي ولدي : أبي، ما معنى كلمة مُرَوِّج؟ قلت:مَن قال لك هذه الكلمة؟ قال: ولدُ الجيران حصل بيني وبين ابن جارنا خلاف فقال لي : يا ولد المروج .. قال: فاضْطَرَبَتْ أعصابي وصِرْتُ في حَيْرة من أمري، وحاولت أن أعرف الخبر، وإذا به الجار العزيز أشيع عني أني مُرَوِّج مُخَدِّرات، وأنا لا اعرف حتى شكلها وأنواعها .. وكنت مستاجرا للدار التي اسكنها فرفض صاحب العقار أن يجدد لي العقد؛ لأنه سمع بهذه الشائعة، فخرجت واستأجرت في حَيٍّ آخر؛ لأنه لم يكن لي وجه أقابل به الناس وقد انطلقت هذه الفرية عَنِّي وشاعت في الحي الاخر الجديد, الان كم شخص تشوه سمعته في تحقيق في مراكز الشرطة أو بمحضر مسئولين أو مجلس عام ولذل ينزل العقاب على الامة التي تروج الفاحشة والفساد .
من الأمثلة في ذلك: يأتي صاحب مصنع عنده صناعة كاسدة لا يُشْتَرَى منه، وليس للناس رغبة في منتجه فيدبر شائعة أو أكذوبة أن المصانع الفلانية والفلانية تستعمل في هذه المنتجات مواد كيماوية تضر بصحة الإنسان، سواء كان مشروبًا أو مأكولاً أو ملبوسًا، فيعرض الناس عن هذه المنتجات خوفًا على أنفسهم وصحتهم، فتُصاب هذه المصانع بالخَسارة،
وتمتد الشائعات فتنال من كبار الشخصيات الدينية والعلمية والقضاء والعلماء والمشايخ وطلبة العلم والدعاة إلى الله، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حتى تحصل الفجوة والهوة بين العلماء وبين الناس، فتهتز الثقة بين الناس والدين والعلماء، فيذهبون إلى جهات التي أثارت تلك الشائعة , رغم معرفتهم إنهم أهل فساد وعدم احترام الحرمات ولا يعيرون لقول الله ميزانا .
وقد نجح الاموين في بث الإشاعات ضد أهل البيت {ع} سواء في كتابة التاريخ , او في الحوادث السياسية الكبرى .قصة ابن عفيف الازدي حين حضر اجتماعا سمع ابن زياد يشتم الحسين ويضرب ثغره امام الناس .. فقال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ..الخ …. في كربلاء كانت الإشاعات تثار امام الخسين {ع} وهو حي يتكلم .. حين قال ” انسبوني معرفة من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي ….. الخ … وكانت النتيجة ان اشترك المجتمع كله في قتلهم ..