حكاية الجمال والحمار

حكاية الجمال والحمار

نقلاً عن شاعر تلعفر المرحوم (محمد مشو) روى لي شفاهياً الإعلامي التركماني القدير (غانم قصاب) حكاية أعجبتني أحببت صياغتها ومشاركتها..

في قديم الزمان، حيث كانت الدروب تطول وتتسع بين المدن، عاش رجلٌ وهب حياته لترحالٍ لا ينقطع. كان هذا الرجل يملك قافلة من الجمال، تعبر الصحراء وهي تحمل على ظهورها أثقال الناس وأسفارهم، فكانت الجمال خير رفيقٍ له في رحلاته الشاقة متنقلاً بين المدن لنقل البضائع. تلك الجمال الشامخة القوية، كان يتقدمها حمارٌ صغير يسير في المقدمة على الدوام، لم يكن يحمل هذا الحمار على ظهره شيئاً، على العكس تماماً كان مزهواً بزينته دوماً، يسير بخفةٍ أمام الجمال المثقلة بالأحمال.

لقد كان صاحب الجمال رجلاً حكيماً، يُدرك قيمة الرفقة والإخلاص ويحب جماله. مررت الأيام وتقدم الرجل بالعمر وأخذت قواه تخور ولم يعد قادراً على مجاراة مشقة العمل. فجمع جِماله الوفية ووقف أمامها والكلمات تتردد في حلقه، شاكراً ومُثنياً على صبرها وجلَدها.

 “يا رفاق دربي الأوفياء، أرجو أن تسامحوني على ما حمّلتكم من أوزانٍ ثقيلة وسِرت بكم لمسافاتٍ طوال. لقد كان الأمر يتطلب ذلك، كي أحصل على رزقي وأعيش وكي أشتري لكم طعامكم وتعيشوا أنتم أيضاً”.

أبدت الجمال شكرها العميق لرفقة الرجل وأقرت بأنه كان نعم الصاحب، يراعيهن ويُحسن إليهن. لم تكن شكواهن من ثقل الحمل أو طول الطريق، بل من أمرٍ واحدٍ طالما شغل بالهن. فقالت الجمال بصوتٍ يملؤه الود:

“يا صاحبنا الكريم، لم نضجر يوماً من ثقل الأحمال ولم نزداد إلا صبراً ونحن نقارع الحياة من أجل لقمة العيش. لكن ما كان يثير استياءنا هو ذاك الحمار الذي كان مدللاً لديك تجعله يسير أمامنا، تزينه وتُظهره في أبهى صورة دون أن يحمل على ظهره حتى قشة واحدة ونحن نئن تحت وطأة الأحمال الثقيلة ونبذل كل جهدنا لنسير قدماً لتكسب أنت ونحن قوت يومنا”.

لم يكن الإرهاق من ثقل الأحمال، أو وعورة الدروب، هو ما أثقل كاهل الجمال الوفية في مسيرتها الطويلة. لم تكن الجراح التي نُقشت على أجسادها بفعل الأوزان هي الأكثر إيلاماً.

الجمال مجروحة الخاطر لما أبداه الرجل من اهتمام بالحمار الذي لم يحمل شيئاً على ظهره طوال مسيرة حياته.

أحدث المقالات

أحدث المقالات