حتى لو انهارت هدنة ترامب بين إيران وإسرائيل، فإن قراراً أميركيا بالتنسيق مع نتنياهو قد اتخذ بوقف حرب المدن بين طهران وتل أبيب.
من المتوقع أن تعمل الدوائر في واشنطن وتل أبيب على صياغة سردية لإنهاء الحرب تصور إسرائيل منتصرة لأن مفهوم الهزيمة لا يجب أن يلتصق بالدولة العبرية إطلاقاً.
في نفس الوقت، تعمل الآلة الإيديولوجية المشبعة بالمفاهيم الدينية لإيران؛ على تركيز فكرة أن صواريخ إيران الفتاكة، أجبرت الكيان المعتدي على وقف إطلاق النار، وأن الضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية لم تقض على البرنامج النووي الطموح وأن ما خصبته المعامل الإيرانية من كميات اليورانيوم تم نقلها إلى أماكن آمنة.
خسرت إيران العشرات من القادة العسكريين والعلماء إضافة إلى مئات المدنيين؛ فيما تفشى الرعب والهلع في أوساط الإسرائيليين، ليتضح أن قسماً كبيراً منهم يتعامل مع “هذه الأرض- هاآرتس” على أنها مستوطنة، الأمر الذي كشفت عنه طوابير الباحثين عن منافذ للهرب من جحيم الصواريخ الإيرانية، بحراً وبراً، بعد أن غطت صواريخ “آية الله” سماء فلسطين كلها بالرؤوس الملتهبة المنفجرة.
كلفت حرب المدن؛ إيران المحاصرة؛ الكثير من الأرواح والخسائر المادية؛ من غير المحتمل أن تعوض في فترة قصيرة، على خلفية الأزمة المتواصلة في الاقتصاد الإيراني، بينما ستعوض الجماعات اليهودية في العالم والولايات المتحدة، إسرائيل القائمة على اقتصاد التكنولوجيا المتقدمة، مع أن هذا التقدم لم يسعف كثيراً قبابها الحديدية ومنظوماتها الدفاعية التي كانت تعمل بكفاءة متدنية قياساً لنشاطات الموساد المذهلة، الممولة من خزينة الدولة نفسها.
لن يعيد نتنياهو النظر بطموحاته المبنية على الخرافة الدينية في دولة أسسها علمانيون ملحدون، بل جاحدون داعرون، أمثال هرتزل المتوفى بمرض السفلس!
كما من غير المحتمل أن يتراجع آيات الله في قم عن “تصدير الثورة” والتدخل في دول الجوار، الأمر الذي خلق في الشوارع العربية مشاعر مختلطة بين الوقوف مع صواريخ “ولي الفقيه” ومشاعر الغضب التي وصلت أحيانا إلى أعلى درجات الحقد على سياسات طهران في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وأصابت الهزات العاطفية حتى المحللين السياسيين التي فشلت غالبيتهم؛ عن التجرد من الانتماء القومي والمذهبي في استعراض وقائع الحرب ولم يتمكن البعض الكثير من إخفاء مشاعره الخاصة، بما يتنافى مع أصول علم التحليل.
قد يعيد الرئيس الإيراني بزشكيان النظر في سياسات النظام، ويخفف القيود على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، إذ كشف خرق الموساد للمنظومات العسكرية والأمنية ، ان الأجهزة المعنية بمكافحة النشاطات الخارجية ، او ما يعرف مكافحة التجسس، كانت مشغولة بملاحقة المعارضة الوطنية ، ومنع المثقفين والمبدعين الإيرانيين من التعبير بحربة عن آرائهم ، لتصبح إيران المقموعة ، ساحة مكشوفة امام الموساد وأجهزة الاستخبارات الغربية.
احتاجت الساعات الأخيرة القيام بضربة “هوليوودية” ضد قاعدة عديد في قطر، أكثر دول منطقة الخليج صداقة مع طهران، لمنح وساطة الدوحة مصداقية أكبر، وسط تقارير ترددت على مدى حرب الأيام الـ 12؛ بأن قطر تعمل دون كلل على التوسط مع واشنطن لوقف الحرب، وأن الطرف الإيراني كان يتطلع باهتمام لنجاحها، إلى أن اهتزّ الشارع الإسرائيلي بقوة للهجمات الصاروخيّة ولم يعد أمام نتنياهو ويمينه الفاشي غير النزول عن بغلته.
لن تنتهي المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، مثلما لا تنتهي طموحات البلدين في المنطقة؛ لكن الثابت أن دورات الحروب ستلاحق شعوب الشرق الأوسط، مثل الزلازل الدورية، على أرضية إرادات سياسية تتحرك بهمجية وتتصادم مثل صفائح طبقات الأرض المسببة للهزات.