* كتب الرئيس: ترامب” خلال الساعات الماضية ومن على منصته الرقمية , منشور صلاح به :” أود شكر إيران على إبلاغنا مسبقا، ويسرني أن أبلغكم أنه لم يلحق أي أذى بأميركي، ولم يحدث أي ضرر يُذكر. والأهم من ذلك، أنهم تخلصوا من كل الرغبات الملحة في الهجوم، ونأمل ألا يكون هناك مزيد من الكراهية”.
يُعدّ العنوان عنصرًا محوريًا في النصوص الأدبية والثقافية على حد سواء، حيث يُشير المثل الشائع “العنوان يغنيك عن المتن” إلى قدرته على تجسيد جوهر النص ومضمونه بصورة موجزة ومعبّرة. يعكس العنوان، بمثابة مرآة فكرية، محتوى النص – سواء كان مقالًا، كتابًا، أو قصيدة – من خلال تقديم صورة شاملة تكتنز بالمعاني والدلالات والمفاهيم . بفضل تصميم صياغته، يمكن للعنوان أن ينقل الغرض الأساسي للعمل ويُبرز أبعاده المختلفة دون حاجة القارئ إلى الخوض في النص الداخلي. بمعنى آخر، يجمع العنوان بين الإيجاز والتعبيرية، مما يجعله مؤشرًا واضحًا وكافيًا لفهم المحتوى العام للنص.
ومع ذلك، فإن هذه القدرة التعبيرية للعنوان لا تتجلى بالضرورة لجميع القراء، بل تتطلب مستوى معرفيًا وثقافيًا يمكّن المتلقي من فك شفراته وقراءة ما بين سطوره. فالجمهور ليس متجانسًا ثقافيآ وأدبيآ وعلميآ وفي نفس منوال مستويات الفهم والإدراك المعرفي، بل يتوزع عبر طبقات متفاوتة من الوعي الثقافي والقدرة على استيعاب الدلالات النصية الضمنية.
في سياق التوترات الأخيرة بين “إيران وإسرائيل”، التي شهدت خلال الأيام الاثني عشر الماضية عرضًا مسرحيًا للقوة العسكرية، تبعه عمليات تدمير واسعة وسقوط مئات الضحايا والجرحى من الطرفين، لا يمكن للعنوان وحده، مهما بلغ من بلاغة وإيجاز، أن يكون كافيًا لنقل تعقيدات هذا الصراع. فبينما قد يرى بعض القراء، ممن يتمتعون بخلفية معرفية واسعة، في العنوان انعكاسًا للسياق السياسي والعسكري، قد يجده آخرون خارجًا عن المألوف أو غامضًا، نظرًا لتباين مستويات الإدراك فيما بينهما . وفي مواجهة هذا الواقع المأساوي، لا يسع الكاتب أو المحلل أن يكتفي بصياغة عنوان قد يكون ملفت للنظر، بل يتعين عليه الخوض في التفاصيل، تحليل الأحداث، وتوضيح السياق ومعانيها ، لضمان وصول الرسالة إلى أوسع شريحة ممكنة من القراء والرأي العام ، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو المعرفية.
حسب ما توقعناه في مقالنا السابق من أن سيناريو قصف قاعدة (عين الأسد/ الأربعاء يوم 8 كانون الثاني 2020 قصفَ الحرس الثوري الإيراني القاعدةَ بصواريخ بالستية) مطروح بقوة على طاولة مكتب الولي الفقيه “الخامنئي” باستهداف أي من القواعد الأمريكية في العراق أو دول الخليج العربي!
وتكرر نفس السيناريو قاعدة “عين الاسد” بالأمس تكرر على قاعدة “العديد” في قطر في عملية سمتها ” بشائر الفتح” وهي باتت معروفة من أنها نوع من استراتيجية طهران المعهودة لحفظ ما الوجه ليس من الناحية العسكرية فقط ؟ ولكن من خلال استغلال هذا الحدث إعلاميا وبالأخص الموجه مباشرة الى شعبها وحلفائها , وهو نوع من الجمع بين “الاستعراض” العسكري والحذر الدبلوماسي. ويعكس الإنذار المسبق للبيت الأبيض قبل الضربة الصاروخية ولغرض رغبة في إرسال رسالة سياسية دون الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة مع أمريكا وموافقة مسبقة من قبل الرئيس “ترامب” على القيام بهذه الضربة (الرمزية) والتي كانت من أهم أحد شروط قبول إيران بوقف إطلاق النار الذي حدده الرئيس بالساعة بين الطرفين.
على الرغم من استنكار مع معظم الدول لهذه الضربة الإيرانية (الرمزية) ولكن مع اتصال الرئيس الإيراني بأمير قطر فهمت إبعاد هذه الضربة والتي لم تكن بالصورة (المدمرة) و (الساحقة) كما روج لها في العالم الافتراضي حلفاء إيران بجميع مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا وبصورة ملفتة للمطلع ومن المبالغة والتهويل الذي فاق حتى حدود استيعاب العقل البشري لها ؟ وبالنسبة لقطر، فعلى الرغم من إدانتها، فإن دورها كوسيط إقليمي أصبح يتعزز أكثر بعد هذه الضربة ونجحت في احتواء التوترات الدبلوماسية التي تلتها . أما أمريكا، فتصريح الرئيس “ترامب” يشير إلى تفضيل واشنطن لتجنب التصعيد، مع الإبقاء على الضغط الدبلوماسي على إيران بأقصى ما يمكن لها من تحمله على ألا يصل هذا الضغط لدرجة الانفجار الذي سوف يعيد حتما المواجهة العسكرية الى المربع الأول ومع اعطائها مميزات سياسية ودبلوماسية ومكاسب قد لا يتم الإفصاح عنها الآن ولكن هناك مؤشرات لتصريح “ترامب” بان كلا الطرفين المتحاربين سوف يتحقق لهم الازدهار والسلام وبما يعني للمتلقي بان جميع الشروط بالتخلي عن القنبلة النووية قد تم الموافقة عليها او على الاقل في الوقت الحالي غض الطرف عن تصدير النفط الايراني الى كل من الهند والصين كنوع من الترضية الرمزية لإيران .
في المحصلة شبه النهائية لهذا العرض بقصف قاعدة “العديد” نستطيع أن نقول بان هذا الهجوم الرمزي الصاروخي “المسرحي” ما يزال يعكس نوعا من توازنًا هشًا في المنطقة. إيران تسعى لإثبات قوتها لخصومها قبل حلفائها من دون إشعال حرب شاملة لا طاقة لها بها , وهي تمر بأسوأ ظروف اقتصادية نتيجة الحصار الخانق عليها ، وفي هذا السياق،فالجمهور يتباين في مستويات الفهم، حيث قد يرى البعض في هذه “المسرحيات” الصاروخية مجرد استعراض قوة، بينما يدرك آخرون، ذوو الوعي السياسي والثقافي الأعمق، أنها جزء من لعبة دبلوماسية معقدة ذات حدود مرسومة مسبقًا. ومع ذلك، فإن الخروج عن هذه الحدود، سواء عن قصد أو نتيجة سوء تقدير وفهم ، قد يُفضي إلى عواقب كارثية، ليس فقط للأطراف المتحاربة، بل لاستقرار المنطقة بأكملها. لذا، يتعين على القادة الإيرانيين، واللاعبين الإقليميين الآخرين، فهم أبعاد هذه اللعبة الاستراتيجية بعناية، والالتزام بالخطوط الحمراء لتجنب تصعيد قد يتجاوز قدراتهم على الاحتواء.