بعد اثني عشر يومًا من التصعيد العسكري المباشر وغير المسبوق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني ، تتجه الأنظار نحو نهاية الجولة الحالية من الحرب ، دون أن يعني ذلك نهاية الصراع ، فما جرى لم يكن مجرد اشتباك عابر ، بل محطة مفصلية في تاريخ المواجهة بين محور المقاومة والهيمنة الغربية الصهيونية .
انطلقت شرارة الحرب بعد أن أقدمت إسرائيل على تنفيذ عمليات اغتيال نوعية داخل العمق الإيراني، استهدفت قادة وعلماء بارزين في البرنامجين النووي والعسكري ، في ظل استمرار المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن ، هذه الضربة فاجأت القيادة الإيرانية ، وخلقت حالة من الارتباك المؤقت ، لكنها سرعان ما تحولت إلى لحظة يقظة استراتيجية ، إذ أعادت إيران ترتيب أولويات الرد .
وبعد ثماني عشرة ساعة ، جاء الرد الإيراني قويًا ومدروسًا ، من خلال إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة استهدفت مواقع عسكرية ومراكز استخبارية داخل الأراضي المحتلة، مما أوقع خسائر مباشرة وأدخل جبهة الاحتلال في حالة من الذهول .
لم يكن الموقف الأوروبي مفاجئًا ، إذ واصل الاصطفاف خلف الرواية الإسرائيلية ، مغلفًا مواقفه بدبلوماسية خاوية من الإنصاف ، أما الصين وروسيا ، فاكتفتا بالإدانات الدبلوماسية دون اتخاذ موقف فعّال، ما يعكس حسابات جيوسياسية معقدة تمنعهما من تبنّي موقف أكثر حزمًا ، في المقابل ، برز التأييد الشعبي العارم في الشارع العربي والإسلامي، والذي كان سندًا معنويًا وإعلاميًا لا يمكن تجاهله في هذه الحرب غير المتكافئة من حيث الإمكانيات ، والمتكافئة من حيث الإرادة .
ما لم يكن متوقعًا لإسرائيل وقع بالفعل ، الضربات الإيرانية لم تتوقف، بل امتدت إلى عمق الكيان ، مخترقة القبّة الحديدية ومحدثة شللًا في البنية العسكرية والمعنوية للجيش الإسرائيلي ، الأخطر من ذلك ، كان استهداف إيران لقاعدة “العُديد” في قطر، حيث تتمركز القوات الأمريكية، مما عنى إعلانًا صريحًا بأن المعركة لم تعد مقتصرة على إسرائيل ، بل تتعداها إلى من يقف خلفها ويدعمها عسكريًا .
هذه الضربة أرغمت واشنطن على التدخل المباشر ، لكنها فوجئت بحجم الرد الإيراني واستعداد طهران لتوسيع رقعة الحرب ، أمام هذا الواقع ، جاء النداء الأمريكي – الإسرائيلي بوقف فوري لإطلاق النار، في إشارة إلى العجز عن احتواء الموقف عسكريًا .
إن ما تحقق ليس مجرد نصر عسكري بقدر ما هو نصر إرادة ، لأول مرة في التاريخ الحديث ، يقف الإسلام السياسي المقاوم في وجه الهيمنة الصهيونية-الأمريكية دون أن يرفع الراية البيضاء ، انتصرت إيران ، ليس لأن ميزان القوى اختل ، بل لأن مشروعها الاستقلالي لم ينكسر رغم الحصار ، والاغتيالات ، والتضليل الإعلامي ، والمقاطعة الدولية .
ولأن الشعوب لا تخطئ بوصلتها ، فقد خرج الملايين في عواصم عربية وإسلامية تهتف باسم إيران والمقاومة ، في مشهد يعكس عمق الانتماء الحضاري إلى محور التحرر، لا إلى خنادق التطبيع والخنوع .
قد تكون المعركة قد توقفت ميدانيًا، لكن آثارها لن تتوقف سياسيًا ولا استراتيجيًا لقد رسمت إيران معادلة جديدة في المنطقة ، عنوانها أن زمن العربدة الصهيونية قد ولّى ، وأن عصر “إضرب واهرب” انتهى ، لقد فرضت المقاومة الإسلامية معادلتها ، الرد حاضر ، والهيبة محفوظة ، والسيادة لا مساومة عليها .
هذا النصر ، الذي صنعته دماء الشهداء ، والتفاف الشعب الإيراني، وحكمة القيادة ، لن يُمحى من ذاكرة الأحرار ، وهو بداية لمرحلة جديدة، يكون فيها للمظلومين كلمة وللمعتدين حساب .