25 يونيو، 2025 12:20 م

سفرة الحج.. كل شيء مختلف

سفرة الحج.. كل شيء مختلف

تواجهنا في حياتنا كمسلمين الكثير من اللحظات التي لا تقارن بعضها ببعض والكثير من التجارب التي لا تشبه سواها، ولكن هناك سفرة واحدة تسمى سفرة الروح قبل أن تكون سفرة التمتع للجسد. نعم، إنها سفرة الحج، السفرة التي يكون فيها كل شيء مختلفًا.

‏منذ اللحظات الأولى التي تبدأ فيها بالاستعداد للحج، تشعر بأن الوقت ليس كوقتك الاعتيادي، وأن المكان الذي سوف تذهب إليه ليس كأي مكان. يبدأ القلب بالخفقان والعيون تلمع بشوق لا يشبه شوق المسافرين العاديين. نعم، إن المسافر إلى بيت الله لا يحمل حقائب فقط، بل يحمل أحلامًا ودعوات، يحمل معه كل الذنوب ويرجو غفرانها وأمنيات يرجو تحقيقها.

‏حتى الوداع عند المغادرة لا يشبه أي وداع آخر، فالأهل والأصدقاء لا يقولون فقط في أمان الله أو مع السلامة، بل تقال بدموع وتنهيدات وكأنهم يعرفون أن هذا المسافر قد يعود مختلفًا بقلب أبيض نقي، وأن عينيه سترى ما لم يرَ في بقاع الأرض الأخرى.

‏وبعد محطتنا الأولى من أربيل حتى طائرتنا في مطار جدة، لنتوجه بعدها إلى المكان المقدس الذي طالما كنا نحلم أن نسكن في فنادقه القريبة من الكعبة المشرفة، الكعبة التي خصها الله باسمه وسميت بيت الله الحرام. وما إن وصلنا إلى مكة المكرمة حتى بدأ كل شيء يتبدل لنا. الهواء له طعم آخر، والزمان يتباطأ خشوعًا بين الماضي والحاضر. هنا كان يسير الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا كان يعيش ويأكل مع أصحابه الطاهرين المطهرين. هنا ومن هنا انبثقت الرسالة السماوية، من هنا بعث النور السماوي، من هنا انطلق الإسلام. في تلك الأرض المباركة الطاهرة تجد العيون تدمع بلا إرادة. هنا في الحرم لا ألقاب ولا مقامات ولا مظاهر الدنيا، الجميع سواسية بلباس أبيض، قلوبهم متجهة نحو الكعبة وألسنتهم تلهج بلبيك اللهم لبيك.

‏ المشاعر هنا تختلط بين الطواف والسعي وبين الوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة، بين رمي الجمرات وذبح الهدي، يعيش الحاج اللحظات كأنها أقرب إلى الحلم. هناك لا وقت للغضب ولا مكان له، في مكة تصفو النفوس وتعلو الأرواح بصفائها ونقائها نتيجة روحانية ذلك المكان الطاهر، وكأن الأرض تتنفس تسبيحًا والسماء تفتح أبوابها للذين يرجون الرحمة والمغفرة.

‏لقد تعلمنا في كل موقف من مواقف الحج درسًا من مناسك لا يمكن أن ننساه، فقد تعلمنا التواضع والصبر والتضحية والإخلاص لله وحده لا شريك له. هناك يتعلم الإنسان معنى العبودية الصالحة، فلا يتبع أهواءه ولا يعيش سجينًا لدنياه، هذه الحياة الفانية التي أشغلتنا بالكثير من مشاغلها المادية.

‏ثم تأتي لحظة الوداع… حين يغادر الحاج مكة، تدمع عينه وهو ينظر للكعبة آخر مرة، يؤدي طواف الوداع وكأنه يودّع أعز حبيب. يغادر، لكنه ليس كما جاء… يحمل قلبًا جديدًا، ونفسًا طاهرة، وعهدًا مع الله أن يكون أفضل مما كان.

‏نعم، في سفرة الحج… كل شيء مختلف.

أحدث المقالات

أحدث المقالات