منذُ نهاية الحرب العالمية الثانية في بداية أيلول/1945م ودخول الحلفاء الى برلين مع بداية شهر مايس من نفس السنة لم تتعرض أية مدينة كبيرة مكتظّة بالسكان الى حربٍ شعواءٍ من بيتٍ الى بيت ومن غرفةٍ الى غرفة مثلما تتعرض له الآن الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد.
وبعد مرور (72) عاماً بالتمام والكمال على دمار برلين وما أصاب سكانها المدنيين من قتلٍ وتجويع ومآسي مروعة سيبقى التاريخ يذكرها تتكرر مأساتها اليوم على الجهة الأخرى من العالم وتحديداً في مدينة الموصل العراقية وبكل تفاصيلها الحربية المدمرة مع سكوت واضح وإهمال شديد من لدن المنظمات الإنسانية العالمية ومسؤولي القرارات الدولية المنضوين تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
لقد صدقّنا الإعلام الحكومي وأصحاب القرار السياسي والعسكري حين روّجوا لنظرية “الحرب النظيفة” التي ستحرر الموصل من عصابات داعش الإجرامية الدولية، وتفاعل أهل الموصل الأسرى لدى داعش مع وعود الحكومة وتعليماتها بإيجابية كبيرة في دعوتها لهم في البقاء في دورهم والتعاون معها لكي لا يصيبهم الأذى وسوف تعمل الحكومة بوزاراتها الخدمية ذات الصلة على إسعاف المواطنين المحليين بكل إحتياجاتهم من أغذية ووقود وغير ذلك من الضروريات، خاصة وإنهم كانوا محاصرين لأشهر عديدة قبل إقتحام الموصل من جانبها الشرقي وكانوا قاب قوسين أو أدنى لقرب نفاذ خزين طعامهم وذخيرتهم المالية بسبب عدم إستلامهم لرواتبهم لشهور عديدة!!.
وبدأت المعركة وجرى إقتحام الجانب الشرقي ( والذي يطلق عليه خطأ بالأيسر) من الموصل ووقفنا جميعنا مع الجيش المحرر وأستقلبت النساء في الجانب الشرقي القطعات المحررة من جيش وشرطة بالزغاريد، لا بل حتى بالقُبلات متجاوزين تقاليدهم ومعتبرينهم أبنائهم وإخوتهم ومنقذيهم.
والحق يقال لقد شاهدنا المحررين وهم يقومون بواجباتهم القتالية على أكمل وجه رغم صعوبة قواعد الإشتباك داخل المدن مع عصابات تكفيرية تبرر قتل المدنيين إذا لزم الأمر وإتخاذهم لهم دروعاً بشرية، فكان المحررون يقاتلون لحماية أنفسهم وتحرير الأحياء السكنية ويساعدون على إخلاء بعض المدنيين من بيوتهم ومناطقهم المدمرة وينظفون المناطق من العبوات الناسفة والدور المفخخة التي نصبها الداعشيون كأشْرَاك، لا بل تركوا أسلحتهم وخاطروا بحياتهم لإخراج عوائل بكاملها من تحت أنقاض دورهم وهذا الأمر قلما يحدث في حروب المدن التي لا يبعد المقاتل فيها عن خصمه إلاّ أمتاراً قليلة!!!، إضافة الى معالجة الجرحى المدنيين ميدانياً وبشكل مؤقت لحين إخلائهم بالعجلات العسكرية (الهمر) الى الخلفيات وإستغناء الجيش عنها مجبراً وهو في أحوج أوقاته لها، كل هذا الأمر وكنّا كمواطنين ومراقبين متفائلين على الرغم من سقوط عدد قليل نسبياً (بالنسبة لظروف المعركة وعدد سكان الساحل الشرقي) من الضحايا بين شهيد وجريح من المدنيين وفي غالبيتهم سقطوا بتفجير الدواعش لسياراتهم المفخخة على مقربة من دورهم.
نأتي الى الجانب الآخر للمعركة وهو الجانب الإنساني والخدمي الإغاثي وهو مهمة الوزرات والدوائر والمنظمات الخدمية التي ملئت وسائل الإعلام ضجيجاً بإستعدادها لمعركة التحرير وتهيئتها لكافة المستلزمات الضرورية من معسكرات الإيواء الى وسائل النقل الى الطبابة والمستشفيات وبدأت بالتباهي بإستعدادها لإستقبال المهجّرين مهما بلغ عددهم!!، لكن الحقيقة إتضحت مع أول حي جرى تحريره في الجانب الشرقي وتلكؤ هذه الوزارات وخاصة الهجرة والمهجرين والنفط والصحّة في توفير المواد الغذائية ومواد الإغاثة والوقود (النفط الأبيض والبانزين) والأدوية الضرورية لساكني الأحياء المحررة والمهجّرين في معسكرات الإيواء على حدٍ سواء!!، وحيثُ كان من المفروض تهيأت المستلزمات داخل الخيم قبل قدوم العوائل المهجّرة بساعات على أقل تقدير وأن يكون هنالك تنسيق مع الجانب العسكري الذي حمل على عاتقه مسؤولية الإخلاء لتأتي العوائل المنهكة من تداعيات المعارك فتجد الخيمة كاملة بمستلزماتها وموادها الغذائية لا أن تقف بطوابير لساعات وقد أعياها التعب لإستلام المواد الغذائية وتنتظر أيام في البرد القارس لإستلام المدافئ ثم تنتظر الوقود وهكذا، غير أنّ تلك الوزارات إعتمدت على جهود المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية حتى وصلت مساعدات تلك المنظمات الى البعض من معسكرات المهجّرين قبل وصول مساعدات الوزارات الحكومية المعنية على الرغم من عدم وصول أعداد المهجّرين الى ثلث الأرقام المتوقعة من قبل تلك الوزارات الحكومية!!!.
ولنضع النقاط على الحروف ونشخص الخلل وأسبابه:
فمن الناحية العسكرية كان واجباً على القائد العام للقوات المسلحة وقادة غرفة العمليات تخصيص فوج مدرّب خاص على أقل تقدير ليقوم بعمليات إنقاذ وإغاثة المدنيين وإخلائهم الى الخلفيات المخصصة والمتفق عليها كونهم الجهة المهاجمة وهم الأعلم بخططهم ومن أين سيبدأ التحرير ولتستلمهم بعدها الجهات المدنية من وزارة الهجرة والمهجّرين والدوائر ذات العلاقة لنقلهم بالناقلات السياحية الى معسكرات الإيواء دون إرباك القطعات الحربية المشتبكة مع العدو والمحررة بهذا العمل!!.
كذلك كان على قادة غرفة العمليات دعم القطعات الحربية المحررة بشكل متوازي وميداني بالكادر العسكري المدرّب الذي يتنقل معها لتوزيع مواد الإغاثة الطارئة على السكان الذين قرروا البقاء في دورهم تلبية لنداء القيادة العامة للقوات المسلحة وبالتنسيق مع منظمات الإغاثة المدنية والوزارات الخدمية التي لا تستطيع الدخول الى ساحة العمليات بشكلٍ متزامنٍ مع القطعات المحررة، وحيثُ تكون تلك الأفواج أو المجموعات متخصصة ومدربة ومجهزة بمعدات خاصة ( آلات لقطع القضبان الحديدية والمجارف اليدوية والفؤوس ـ ـ الخ) للقيام بأعمال إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض بالطرق الصحيحة لتقليل الخسائر البشرية وإسعافها، وإذا كان هنالك نقص في الكادر العسكري لتكوين هذه الأفواج والمجموعات المهمة لأي معركة من هذا النوع، فكان من الأجدر للقيادة العسكرية والسياسية العراقية الترتيب مع الحشود المحلية الذين دربتهم دول الجوار وفتحت لهم المعسكرات في بعشيقة وغيرها للقتال ولخلط الأوراق لأغراض سياسية، والتفاهم معهم لإحتوائهم في عرض مشاركتهم بعمليات الإنقاذ وإخلاء المهجّرين دون الإنخراط كمقاتلين حربيين، وبهذا تكون الحكومة قد وضعتهم على المحك لإثبات صدق نواياهم لمد يد المساعدة لأهلهم وناسهم دون الإشتراك الفعلي لتحرير ومسك الأرض، وحيثُ تكون بهذا الإجراء قد ضربت عصفورين بحجر واحد!!، خاصة وإنهم جاهزون على التكيّف مع متطلبات ساحة العمليات وبيئتها القتالية!!.
وحيثُ تعذّر القيام بتهيئة ما أوردته أعلاه من مستلزمات الإغاثة والإنقاذ فقد كان لزاماً على القيادتين السياسية والعسكرية أن تتهيأ لإخلاء المدينة بالكامل لأسباب عديدة منها الإنسانية لتجنيب المدنيين والأطفال والنساء بشكلٍ خاص الرعب الذي يلازمهم على مدار الساعة ومشاهدتهم للجثث المرمية لعناصر داعش حتى في حدائق منازلهم وتعرضهم الى الحصار والموت جوعاً، والسبب الآخر هو سبب أمني لتفويت الفرصة على أفراد داعش من الإختلاط مع الأهالي بعد التحرير فتضيع فرصة القضاء عليهم نهائياً، فلو أفْرِغَت المدينة لكان واضحاً من أنّ ما تبقى في معظمهم هم من داعش أو مع داعش مع وجود إستثناءات بسيطة يمكن فرزها بسهولة.
كذلك فإن مهمة توفير الممرات الآمنة للمدنيين كما صرّح القادة العسكريين لم تكن بالمعنى الآمنة مئة بالمئة حسب المعطيات على أرض الواقع سواء في محافظة نينوى التي تعتبر من المناطق الساخنة الآن وساحة مفتوحة للعمليات العسكرية بمختلف أنواعها أو مناطق العراق الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة داعش، فقد برر هؤلاء القادة الخسائر البشرية في صفوف بعض المدنيين من جرّاء إنفجار العبوات الناسفة عليهم التي زرعها الداعشيون في مناطقهم والتي حاول المدنيون السير من خلالها الى الممرات الآمنة (فرضياً وليس حقيقياً) للوصول الى القطعات العسكرية، وهنا تحضرني قصة مؤلمة هي الأقرب الى الخيال في قصص الحروب ومآسيها التي رواها عبر الفضائية العراقية نيوز قبل أيام النائب في البرلمان عن الموصل عبد الرحمن اللويزي، حيثُ يروي ما أخبرته به إمرأة طاعنة في السن من ناحية “العلم” من أنها كانت تسمع صراخ طفل لأكثر من ثلاثة أيام وكانت تخبر عائلتها والمقربين لها بذلك حتى إنتشروا في البرية يبحثون عن مصدر الصراخ فوجدوا طفلاً لا يتجاوز الخمسة أعوام يحوم حول خمسة جثث لعائلته حاولوا الهروب من قبضة داعش في الحويجة فسقطوا في حقل الغام أبادهم جميعاً تاركاً هذا الطفل لمصيره المجهول!!!.
أما مآسي الجانب الغربي (الذي يطلق عليه خطأ بالأيمن) والخسائر البشرية من المدنيين فيه فقد بدأت بداية مأساوية مع القصف المدفعي والضربات الجوية لقوات التحالف وطيران القوة الجوية العراقية، وعلى الرغم من تأكيد جميع الأطراف على دقة الإصابات لكن الأخبار المتسربة من المدنيين في الساحل الغربي تؤكد حدوث أخطاء كلفت بعض المدنيين حياتهم، ونقلاً عن الفضائية الشبه الرسمية فقد تمّ إنقاذ (37) مدنياً من تحت الأنقاض لإحدى البنايات من قبل الجيش المحرر لكن بعد عدة أيام من تدمير بنايتهم وبعد إخبار المواطنين عنهم (بعض الأنباء غير المؤكدة تقول تم قصف البناية لوجود مجموعة من قناصي داعش فوق سطح البناية)!!!، فأين هو الجهد الإغاثي الفوري؟!!.
وقد سمعنا قبل بدأ معركة الساحل الغربي من أنه ستكون هنالك مفاجئات لا يتوقعها العدو وإنّ القطعات المحررة ستستخدم الأسلحة (الذكية) وستحيّد الأسلحة (الغبية) لتقليل إحتمالات إصابة المدنيين الى حدودها الدُنيا، لكن تبين في الأيام الأولى للقتال من أن تلك الأسلحة لم تكن في حوزة المحررين إلا بعد مرور أكثر من إسبوع على بدأ إقتحام الأحياء المهمة في الجانب الغربي مما أدى الى سقوط الضحايا من المدنيين والعسكريين نتيجة هذا التأخير في إستلامها!!.
أمّا من الناحية اللوجستية الداعمة لعمليات التحرير من قبل الوزارات الخدمية المتخصصة، فقد فشلت في مواكبتها وإستمرارها وأعلنت عملياً عن عجزها على مواكبة عمليات النزوح خاصة في الجانب الغربي وبعد تباطؤ عمليات الإغاثة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ورمت باللوم عليها، وقد تناست هذه الجهات من إنّ المنظمات الدولية ما هي إلاّ منظمات ساندة ولا تقع على عاتق مسؤولياتها تباطئ أو فشل إغاثة اللاجئين كون إن هذا الأمر مسؤولية وطنية وقرار التحرير كان قراراً وطنياً كما صرّح ويصرّح المسؤولون السياسيون والعسكريون، وقد صرّح وزير الهجرة والمهجّرين يوم أمس الأربعاء السيد الجاف في كلمته في “ملتقى السليمانية” من أنّ الوزارة عازمة على بناء مئة الف خيمة إضافية لإستيعاب نصف مليون مهجّر!!!، صح النوم يا سعادة الوزير، فأين كنتَ أنت وكادر وزارتك، وهذه الـ (عازمة) التي تذكرها سيكون عندها المهجّرين قد شبعوا من المآسي والبرد والإمطار في العراء، وتكون الموصل قد تحررت وعاد اليها مواطنيها، فبأي منطق تتكلم ومن أي موقع مسؤولية تصرّح، بالتأكيد ليس من موقع هرم المسؤولية وإنما من أدنى موقع لأبسط موظف في وزارتك الفاشلة دائماً في مواكبة الأحداث المتسارعة في العراق.
وقد إعترف الناطق الرسمي لغرفة العمليات المشتركة العراقية والناطق بإسم الإعلام الحربي العميد يحيى رسول عن أن هنالك تباطئ واضح في عمليات إغاثة المدنيين في الجانب الغربي من الموصل ونحن لا زلنا في بداية تحرير أحيائه، لكنه تدارك الأمر ورمى بالكرة في ملعب الأمم المتحدة متهماً إياها بالتوقف عن أداء واجبها!!!، وقد أيده في ذلك أحد الخبراء الأمنيين الذي كان جالساً في نفس الندوة التلفزيونية!!، ومثلما ذكرتُ سابقاً من أنّ هذا الأمر هو من مسؤولية المؤسسات والوزارات العراقية أولاً، خاصة وأنهم صرّحوا مراراً من أنهم إستلموا الأموال الداعمة من الدول المانحة والخزينة العراقية بشكلٍ كاملٍ وكافٍ لجميع الإحتمالات، فأين ذهبت تلك الأموال؟؟!!.
ولكي لا تتهمني الحكومة العراقية وإعلامها الشبه رسمي من أنني أروّج للدعايات الكاذبة والإصطفاف مع من أطلقوا عليهم الإعلام الأصفر، وحيثُ أؤيدهم من أن هنالك إعلام أصفر لا بل إعلام حاقد وأسود على كل ما هو عراقي، أؤكد من أنّ كل ما ورد في مقالتي هذه قد نقلتهُ عن القناة الفضائية العراقية نيوز التابعة للإعلام الشبه الرسمي!!، وسأورد أدناه ما جاء على لسان المواطنين والمسؤولين والعسكريين والسياسيين والإعلاميين على حدٍ سواء ومن داخل المؤسسة الإعلامية الشبه الرسمية، وسأترك الحُكم أمام من يهمه الأمر لإتخاذ القرار والإجراء المناسب.
فقد صرّح أحد المواطنين أمام كاميرا الفضائية العراقية في الجانب الغربي من أنّ الجوع قد بلغ مبلغه حتى أنّ الأطفال من جوعهم أخذوا علبة فارغة لمشروب البيبسي من يد أحد المقاتلين وبدأوا يشمونها ـ ـ ركزوا معي رجاءاً على كلمة يشمونها لإحساسهم بالجوع والعطش الشديدين ولأنهم لم يتذوقوا الطعام منذ يومين!!!، فما كان من المراسل للقناة إلاّ أن قال له متداركاً الإحراج: المهم الحمد لله على سلامتكم وهذا هو المهم!!، لكن سؤالي: هل هم حقيقة قد سلموا من الموت؟!!، أم أنّ الجوع سيكون العدو الأقسى من طلقة مسرعة لأخذ أرواحهم!!، الم يكن الأجدر بمن في أيديهم القرار أن يأمروا بوضع عدة أكياس من الخبز فقط في كل عجلة من عجلات (الهمر) المهاجمة والتي قد لا تشغل أي حيز يُذكر للإغاثات الطارئة لجياع الجانب الغربي لحين وصول المواد الغذائية لهم!!!.
يقول أحد المراسلين من القناة العراقية نيوز بعد سؤاله عن مدى تعاون الأهالي مع القوات المحررة في الجانب الغربي التي تجري فيه المعارك الآن: “أنّ المواطنين المدنيين والعوائل المتواجدة في بعض الطوابق للأبنية العالية كانت تعطي الإشارات الى القوات المُحررة لتحذيرهم من وجود القناصين لداعش الإرهابي على سطوح بناياتهم”، إذن المواطنون يقومون بواجبهم معرضين حياتهم للموت على يد عناصر داعش بسبب تعاونهم الأمني والإستخباري مع القطعات المحررة وقد أبيدت عوائل بكاملها من قِبَل عناصر داعش لهذا السبب وكما نقلته الأخبار المتسربة، ألا تستحق هذه التضحيات الرد بالمثل من قبل الدوائر الخدمية الحكومية؟!!.
ثمّ يُسْأل نفس المراسل للقناة المذكورة عن مدى فعالية عمليات الإغاثة، فتهرّبَ من السؤال مرسلاً رسالة تحذيرية لمن يهمه الأمر قائلاً: ” العوائل بالرمق الأخير نتيجة نفاذ المواد الغذائية والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة مع معاناتهم النفسية وحالات الصدمات النفسية التي أصيبوا بها”، وهذه المعاناة التي يذكرها المراسل خاصة للأطفال والنساء وكبار السن هي بكل تأكيد نتيجة ما عانوه وما شاهدوه من جثث متروكة لأيام أمام أنظارهم وقصف مستمر على مدار الساعة.
لقد ذكر أحد المهجّرين وهو جائع من أن عدّة مئات من المدنيين الفارين من قرى “الصمود” و “السكر” وغيرها من القرى قطعوا عدّة كيلومترات مشياً على الأقدام من أطفال ونساء وكبار السن والمعوقين وباتوا ثلاثة أيام في العراء بدون طعام أو ماء!!!، إذن أين هي منظمات الإغاثة، اليس من المفروض أن يكونوا مهيئين لإستقبالهم وتقديم كل أنواع الدعم وخاصة الغذائي لهم، الم يكن بالإمكان للطائرات السمتية وهي تحلّق فوق أجواء المعركة بإستمرار أن ترمي لهم بعض المساعدات الغذائية الضرورية، فهم أكيد تحت مرمى أنظارها!!.
إذن أهالي الموصل وحسب شهادة القادة العسكريين الميدانيين والمراسلين الحربيين يقومون بواجبهم الوطني بمساعدة القطعات المحررة بالمعلومة الإستخباراتية، لكن من جانب آخر هنالك قصور واضح من قبل منظمات الإغاثة وخاصة الحكومية منها، وللحقيقة فأن ما قدمته وتقدمه المنظمات المدنية والدينية من الجنوب والوسط أكبر بكثير مما تقدمه الدوائر الحكومية المعنية، وبالتأكيد فإن قطعات الحشد الشعبي الذي وقفنا ضدها جميعنا أثبتت إنسانيتها في هذه المعركة أفضل بكثير من غيرها من المتباكين على المكوّن!!!، وهنا أتوقف لأسأل المتباكين على المكوّن من دول الجوار والدول العربية وحلفائهم من الداخل: أين أنتم الآن؟!!، وأين هي مساعداتكم الإنسانية للعوائل التي تباكيتم عليها؟!!، وهل أنتم ناشطون فقط في تزويد الأسلحة وتدريب الجموع على الإقتتال وزرع الموت فقط!!، لكنكم تحجمون عن تقديم يد العون عندما يصل الأمر لتقديم المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية ومستلزمات ضرورية أخرى؟!!، وأين هي تركيا صاحبة اللسان الطويل والتي وضعت نفسها في موضع المدافع عن المكوّن؟؟، وحيث يقول النائب رعد الحيدري الممثل للمكوّن متحدياً ومخاطباً تركيا من أنها لم ترسل حتى رغيف خبزٍ واحد لأهالي الموصل في حين التزمت بتغطية تكاليف وإستضافة مؤتمر إسطنبول الذي يُعقد الآن لأشخاص من المكوّن لم نسمع بأسمائهم من قبل تحت يافطة “نداء الموصل”!!!، فأي نداء تتكلمون عنه يا من خنتم الموصل وأهلها؟؟، هل هو نداء داعش الذي سربته تركيا الى الموصل لزرع الموت فقط!!!.
وأختتم مقالتي بالقول من أنّ القطعات المحررة من الجيش بمختلف صنوفه وتسمياته والشرطة الإتحادية والقطعات المتجحفلة معهم قد أبلوا البلاء الحسن ويقومون بواجبهم في التحرير والإغاثة والإنقاذ بأقصى ما يستطيعون من جهد ومحاولاتهم القصوى في تجنب الإضرار بالمدنيين وممتلكاتهم في ظروف إشتباك صعب جداً مع العدو، لكن ملامتنا تقع على عاتق الجهات الساندة لإدامة فرحة الإنتصارات والتحرير.
كما على كل إعلامي منصف أن يثني على الخدمات التي تقدمها المستشفيات في أربيل وبلدات كردستان الأخرى للجرحى المدنيين والعسكريين، كما علينا أن نثني بحق على جهود المراسلين والمصورين الحربيين وخاصة من الفضائية العراقية الذين سُمِحَ لهم بمرافقة القطعات المقتحمة لنقل الصورة الحقيقية دون رتوش لما يجري في ساحة العمليات.
كما أني أخاطب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي قائلاً: جهودكم مما لا شك فيها واضحة وأنتم تسبحون في بحرٍ مملوء بأسماك القرش المفترسة!!!، وكلامكم وأمنياتكم في “ملتقى السليمانية” الثقافي هي أمنيات أغلب العراقيين بمختلف مكوناتهم وتوجهاتهم، وإذا عنيتم ما ذكرتموه فعلاً فستجدون صداه الوطني قد ملأ الأجواء ودخل الى كل حيز في كل بيت عراقي من زاخو الى الفاو ومن القائم الى خانقين، وعندها سيكون لجميع العراقيين موقف ورؤيا واضحة منكم شخصياً، وسوف يكون للشعب العراقي وإعلامه كلام صريح معكم بعد إنجلاء غبار المعارك والتحرير التي تتخذونها الآن سبباً في عدم ضربكم للفاسدين ومحاسبتكم للذين سلّموا الموصل والأنبار وصلاح الدين للدواعش.