الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. مفاوضات مفتوحة على خط النار!!

الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. مفاوضات مفتوحة على خط النار!!

فيما ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متفردا في المفاوضات مع إيران على ملفها النووي، اعتقد الكثيرون من مختلف الاطراف ان هذه المفاوضات خارج نطاق المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، هذا الخلل في التنافر بين نموذج التفاوض مع عقلية الطاووس الأمريكي بتطبيقات (شايلوك) في قصة تاجر البندقية المعروفة، انتهت مع نهاية مهلة الستين يوما التي أعلنها ترامب لإنهاء المفاوضات من دون التوصل الى حل اقرب الى النموذج الليبي في نزع وتفكيك السلاح النووي الإيراني ولم يظهر ترامب  بمظهر ذلك المحامي الذي منع تطبيق الحكم بقطع (اللحم) مقابل ( الدين) فانتهى الى مجرد حليف محتمل للمشاركة في تقطيع ( اللحم الإيراني) بالشراكة مع الإسرائيلي وليس العكس .

وفق هذا التصور تطرح التساؤلات في تقدير المواقف، ليس وفق نظرية المؤامرة او تحليل التصريحات والسلوك الظاهر من قمة جبل المصالح المشتركة بين إسرائيل الولايات المتحدة، بل ان الكثير من المحللين العرب وقعوا في خطيئة الاحتماء وراء ظهر ترامب لمنع إسرائيل من شن حربها على إيران، وكأنهم يطبقون نظرية اللوذ بالرمضاء من النار!!

 في كل ذلك تبقى نظرية كارل فون كلاتوفيتز ، في كتابه “الوجيز في الحرب” فعالة بان الحرب اخر وسيلة يلجأ اليها السياسي لحل القضايا التي لا يمكن حلها من دون سفك الدماء على ان تعود ذات الأهداف التي أدت الى الحرب على طاولة المفاوضات لمباشرة الحلول لها ما بعد الإعلان عن نتائج القتال.

وفق هذا المنظور، كيف يمكن تحليل أصحاب المصالح، بين طرفي القتال، إيران وإسرائيل، وبينهما والترويكا الأوروبية، وبينهم وبين المواقف الأمريكية والروسية والصينية، وصولا الى تلك الأدوار التي يمكن ان يباشر بها مجلس الامن سلطة الحلول من خلال قرار جديد ربما يصدر عنه كتسوية اممية، تستعيد فيها دور مجلس الامن الدولي في اصدار قرار تسوية جديد للصراع يرسم خطوط الشرق الأوسط الجديد او مجرد انهاء القتال وفرض شروطه القاسية على إيران فقط إذا فشلت المفاوضات الثنائية او الجماعية من التوصل لتلك الحلول؟؟

 للإجابة على هذه التساؤلات، يبدو من الممكن القول:

  أولا: في البعد الدولي العام، ما زالت كل الأفعال من مختلف الأطراف لانتزاع سبق الانفراد بالتصرف وفق منظور القوة الامريكية، لم تصل الى بلورة نظام دولي متعدد الأقطاب متعرف به من قبل الولايات المتحدة نفسها، وظهور كيان اممي دولي اخر بديل عن مجلس الامن الدولي، هذا يعني ان (الغلبة الاستراتيجية) ما زالت قيد الانفراد الأمريكي مع وجود تعارض أوروبي وصيني وروسي، يظهر ذلك جليا في نموذج الرسوم الجمركية الذي طبقه الرئيس ترامب تحت عنوان (إعادة اميركا امة عظيمة).

ثانيا : في البعد الدولي لإسرائيل ، الواضح ما بعد احداث تشرين الأول المعروفة في حرب غزة، لم يأت الرؤساء والوزراء كضيوف بل جاؤوا كصهاينة يقاتلون من اجلها بعناوينهم الرسمية كل بدولته، وهذا يعني ان اسرائيل ما زالت تحتفظ بصفة الدولة التي صنعها (المنتصرون) في الحربيين العالميتين الأولى والثانية ، ناهيك عن انتشار المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي بل وحتى دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الأسيوية، بما يعني وجود التزام توراتي بأمن إسرائيل، بل ان الكثير من المبادئ التي طبقها اليمن الأمريكي الجديد في تسمية محور الشر في الشرق الأوسط جاءت اعتمادا على فرضيات توراتية

ثالثا : تأسيسا على ماورد في” ثانيا ” لم يكن الرئيس ترامب، الا مثل غيره من الرؤساء الامريكان في الالتزام المتفاني في جعل امن إسرائيل أولوية اساسية ، فقد دأب الرؤساء الأمريكان على طرحه في التقرير المقدم للكونغرس سنويا عن ثوابت الامن القومي للولايات المتحدة ويتميز دائما بوجود بندين الأول امن إسرائيل، والثاني ديمومة توريد الطاقة وتدوير أرباح البترودولار،هذه الميزة التي حققها الرئيس ترامب في جولته الأخيرة في دول الخليج العربي، فيما لم يزر إسرائيل ، واعتبر بعض المحليين العرب ان في ذلك(عدم رضا على همجية إسرائيل في حرب غزة ) ،فيما لم يلتفت الكثير منهم الى النص التطبيقي القائم على خطة ترامب في تهجير سكان غزة وجعل منطقهم ( ريفيرا الشرق الأوسط) ، بما يمكن فهم ان حرب غزة بكل عنجهية القوات الإسرائيلية وخططها لتجهير سكانها ، مقبولة أمريكيا ومسكوت عنها في المحافل الدولية .

رابعا: يظهر الدور الإسرائيلي في مفاوضات ( ويكتوف – عراقجي) غير المباشرة بوساطة عمانية، في نموذج عقد (الصفقات) الذي اعتاد عليه الرئيس ترامب كسمسار عقارات في مهنته الأساسية، وأيضا كمحاور في برامج ” التوك شو ” وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ولم ينجح عراقجي ، وزير الخارجية الإيرانية ، ابعاد ” شبح المخاوف الإسرائيلية ” من الرسائل المتبادلة على طاولة المفاوضات ، لكي تبدأ إسرائيل دورها في المفاوضات من خلال شن هجوم الضربة الأولى، وأيضا  امتصاص الهجمة الإيرانية المقابلة، والمباشرة بالهجوم الثاني، وصولا الى تعدد الأيام ، وظهور تفوق حربي إسرائيلي فوق الأجواء الإيرانية، ونشاط كبير للموساد داخل الأراضي الإيرانية، فيما استوعبت إسرائيل الضربات الصاروخية الإيرانية ما بين التشتيت والاسقاط، وفق وتيرة العين بالعين ، فضرب مقر المخابرات الإيرانية ، قابله ضرب المخابرات الإسرائيلية، ومقر طبي مقابل مقر طبي، وهكذا بل يمكن ان تصل المخاطر في تبادل صفعات الصواريخ والطائرات المسيرة ، استخدام  أنواع من القنابل الانفلاقية التي  سبق وان استخدمت في تدمير ملجأ العامرية في بغداد خلال حرب الكويت والذي تم اختراق تحصينه بمثل هذه القنابل ، وهناك ما هو اشد منها فتكا ، يمكن ان يستخدم ضد  مواقع إيرانية ، يمكن ان تؤدي الى انتشار اثار الغبار النووي الى دول أخرى كما حصل في انفجار مفاعل تشرنوبل ابرزها العراق ودول الخليج العربي .

خامسا :  تغير الموقف الألماني وربما الفرنسي ناهيك عن البريطاني، يجعل ايران  في مواجهة مواقف أوروبية اكثر تحسسا من مشروعها الذي اقلق الدول الاوربية ،لاسيما فيما عرف بالمحور الإيراني للمقاومة الإسلامية، وامتلاك قدرات نووية وصاروخية تجعلها تفعل نموذج ( اليد على ازناد) للحد من الإصرار الإيراني على المضي في مشروعها النووي والعقائدي على صعيد  واحد، لان التقدم الإيراني انما يفسر في اطار المصالح الاستراتيجية نموذجا للتهديد ليس فقط لمصالح إسرائيل في المنطقة، بل وحتى لاستيعاب نموذج الرئيس ترامب وسياساته الجديدة في العلاقات عبر ضفتي الأطلسي، ومثل هذه المواقف يمكن ان تعيد التفكير الأمريكي من جديد  بهذه المصالح في حلف الناتو ليس على حساب تسوية أمريكية روسية للحرب الأوكرانية تخسر فيها أوروبا ما يعرف بالنطاق الاستراتيجي لحماية حلف الأطلسي الذي جعلها تعيد التفكير في التسلح النووي  في مقابل التهديد  النووي  الروسي .

دخول دول الاتحاد الأوربي، او ما يعرف بالترويكا الاوربية على هذه المعادلة، لن تكون لصالح إيران، وان كانت تتفاعل مع حلول سلمية غير حربية، فقط للحفاظ على مصالح استراتيجية مع شرق أوسط جديد تقوده الصهيونية الامريكية من خلال إسرائيل… وهذا ما يمكن ان يثبت في اجتماع جنيف ليوم واحد في طرح حزمة حل متكاملة على حد وصف الرئيس الفرنسي الأخيرة.

سادسا: ينطلق الموقف الصيني والروسي من (معادلات مصالح) تتمثل في تسوية الحرب الأوكرانية  بجني الأرباح روسيا  في ضم الأراضي المتحارب عليها ، وضمان أوكرانيا خارج جناح حلف الناتو ، الدور الأمريكي في مثل هذه التسوية ، يتطلب مواقف روسية للتوسط في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، هذا ما فعله الرئيس الروسي بوتين وان صرحت الخارجية الروسية بان الحرب تمثل عدوانا إسرائيليا على الدولة الإيرانية ، فالتصريحات الدبلوماسية مجردة من الانياب الحربية ، فيما وقائع الحال تؤشر ان روسيا لن تقف مع يران على الارض في هذه الحرب  كما سبق وان فعلت في غزو العراق من قل القوات الأمريكية .

اما الموقف الصيني، يتجسد في ضمان تدفق النفط عبر مضيق هرمز وعدم غلقه من قبل إيران، لديمومة توريد نفط الخليج العربي الأقرب اليها، وان كانت على استعداد لمساعدة إيران في الجوانب العسكرية العملياتية الا انها امام مفترق طرق حقيقي لاسيما وان لها مصالح اقتصادية كبيرة جدا مع إسرائيل ولها علاقات مع شركات متعددة الجنسيات تقودها الصهيونية العالمية، يممن ان تؤثر عليها في أي قرار لصالح إيران بالضد من إسرائيل على صعيد القتال الدائر بينهما.

سادسا : كل ذلك يكرر السؤال عن الاستعداد الإيراني للمطاولة في القتال وتحمل صفحات متتالية  يمكن ان يتصاعد فيها حدة العنف ليطال اهداف اساسية مثل منظومة الكهرباء، وشبكات المياه والصرف الصحي، والبنى التحتية الاقتصادية في صناعة النفط وتكريره ، واقع الحال، ما يورد في التصريحات الإيرانية غير ما يمكن ان يكون في الواقع الصحيح، لان ايران تتفاوض وهي تقاتل وهذا الموضوع واضح في اتصالات ” ويتكوف – عراقجي ” منذ بداية  هذه الحرب، لذلك هناك نموذجين للتعامل الإيراني، الأول قائم على استبدال الخسارة الجوية داخل الاراضي الإيرانية بالتفوق الصاروخي الإيراني داخل إسرائيل، يضاف الى ذلك إمكانية دخول محور المقاومة الإسلامية  الحرب نتيجة إطالة امدها وشدة قوتها، لكن ايران لن تكن او من يصرخ من شدة الخسائر وهذا يجعلها امام أوراق تفاوضية واضحة للأطراف المقابلة ، في ضبط  شدة اوار الحرب وأولويات الأهداف في التدمير المتبادل.

سابعا : لذلك ربما تعتمد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نموذج لقرار مجلس الامن الدولي في حرب الكويت لفرض التفتيش الاجباري على السلاح الإيراني ، مقابل ضمانات دولية بالمواقفة على الحد الأدنى المقبول في الصناعات النووية الإيرانية من دون قدرات على التخصيب ، وربما هذا يعني الدعوة لاجتماع على مستوى وزراء الخارجية في مجلس الامن الدولي لبحث مشروع قرار دولي لإيقاف اطلاق النار والقبول بقرار جديد على الفصل السابع  يجعل أي تحرك خارجي إيراني يفسر بالعدوانية ضد مشروع الشرق الأوسط الجديد مدعاة لفرض عقوبات اممية على ايران، وسيكون البديل الروسي في قبول ايران نموذجا مخففا من الانصياع الليبي بتفكيك مشروعها النووي  والاكتفاء بالحد المسموح به بدلا  من الذهاب الى خيارات صياغة قرار دولي ضدها .

كل ما تقدم  مناط بالصرخة الأولى من وجع الحرب ونتائجها، وكل المؤشرات تفيد انها ستكون إسرائيلية ، فيما يؤكد التدخل الأمريكي  والأوروبية احتمالات مفتوحة لتكون الصرخة إيرانية على طاولة المفاوضات الاجبارية  قبل ميدان المعارك في هذه الحرب مفتوحة الاحتمالات .