مقامة ترانيم ساجدة الموسوي

مقامة ترانيم ساجدة الموسوي

أختاه في سؤالك سرب من نايات نبضك , تنشدني لحنا , تآمرت الحياة عليّ والخلود المتعطش لروح الفناء كي يستريح , أحتسبتك الطهر ونبل القلوب , ظننتك النقاء وأجمل معالم الوفاء , فعلميني كيف أفطم قدري من حدود تيهك , وهل سؤالك ياأختاه سؤال أم خنجر قتال ؟ لصحوكِ يد , تمسك معصمي وتكبل أرجائي في قوقعة فجرٍ عليل , مُمتلِئ بذكرى آفاق الروح الهائمة في ميادين تتأهب لقتال , كانت لنا أشياء تزرعنا ورودا وقصائد لبنية في مشاتل الحرف ما زلت قيد الانتظار, وأنا سأظل أنتظر الهطول , لأتسكع بين حروف صمت قصيدتك , فأمنحي للمرايا حرفًا , وصلاة تغشاك , يا لهذه المساءات المترنمة بتراتيلك , كعاشق وهمي يأتي مثقلاً بالأوجاع ويغرس الأحلام في غسق الاحتراقات .

 

يودعنا الزمن ذاكرة أتلفها النسيان , وإن ترجلتَ عند آخر همسة نطقتها الآلهة ذات شجن , كيف تهونين الكتابة ؟ والكتابة جرح الروح , وتقلبين الكمين فنا وجمال ؟ , تلعنين سطوة الريح , وتذيبين تعتيم هوى محال ؟ هم عجزوا عن صلبه , ذلك الذي ما زال القلب متشردًا به , فمتى نتماهى و نلملم أشيائنا المتشردة معه ؟ وهو الذي كان ترنيمة ناي في قلب ناسكٍ , المتخم بصلوات آخر الليل , حتى موج البحر احتفى به قبل منا , فامتلكته المسافات , آه كم سرقني سرًا أودعته بحرًا نشف من موجه , أحيانًا أسائل نفسي , هل يتعرض البحر للغرق يومًا؟

 

أقر بأن الحياة تدور بلا كلل وملل , وترسم أرواحنا بدهشات الفجر والمساءات , وتزرعنا ابتسامات في وجوه مكتظة بـــ: فقده , حبه , ذلك الذي قتلوهُ على ألواح براءتِهِ , وتفرّجَ عليه كلُّ الأعمامِ وكلُّ الأخوالْ , والحزن أصاب كبد خيبتي , فبت مكتظا به , أمران في نصك لا يمكن تجاوزهما , الجمال المطلق لنبل روح المقتول , وجوقة حروفكِ التي تحمل مؤونة من حرقة النفس التي لا تغتفر , ها أنا أستنشق بعضا منها , وألثم كل رموز جوقتك , وألثم روحك وأشتاقكَ.

 

كلنا مكسٌور القلب ,مرتبكٌ الخطى , والدَّمعُ يغرغرُ في العيون , مادام الوطن مأسورٌ تحت الأقفال , يكتب لنا نداء بحروف بلون قوس قزح , ينادمها كعاشق تحتسيه انثيالات القصائد , ليتني أعمد صوتي الحزين بغياباته الناشبة في الروح , ألم تكوني تعلمين أنك قابعة في ظله العاشق لك وخلف المسامات , مختنق صوتك , لكنك لونت بعضي المغروز في حبي المصلوب بخنجر صدأ الأنياب شعرًا , تتعتم سماواتي , وأسقط مغشيا من الحب القتال .

 

مدادك دامي الذكريات , تمسكين قلوبنا بين يديك من عمق الوجع , وآهاتك , كتبت وأثقلت عن غيابه السافر ,من على ضفة النجوى , اما لقلبك من فرح معتق غير محسوب ؟ وانا لازلت أصبو إليه , وما قد حان به , فأيّ لوعة تستبد في القلب ؟ وفي حرفي قبضة من بكاء , وأيّ ليل عليل سيكون بدونه , طهورًا للقلب الذي يفتقده , هل للأسود أحجية غير الحزن ؟ كنتُ أعتقد كذلك , حتى داهمتني بنصك الذي أحال بياض عمري إلى دهشاتٍ متوالية وسواد , لم تغفر اكتظاظ دروبي بالأحزان , وهي تشي بي للفجيعة.

 

السلام على قلبك وكل شعائر الهوى فيه , فما لنظارتك المصنوعة من الورق , تأبى أن تراني ؟ وفي ليل مجامرك , كيف استطيع أن أمشي وهذياناتك ترافقني , والغياب يُقلقني ,
وانت تتطابقين معي , وكأنك مولودة من رحم رمادي المحترق , ومن بقايا ذاكرتي المهترئة , فأمضي كأني قصيدة معلقة ترتطم حروفها بالفقد , وأزر عيني على كتف خيالاتي , حين يسرقني حلم خجول , وأرددك في كل جلدة ريح .

 

أناديه سليل كلكامش : ((يا سليل غيابات الوجد , أنا هنا أتأنسن بخيالاتي , ربما يومًا سأغضب مني , وأعلن العصيان على ذاتي , وقد يداهمني همس الجنون ويضرب نواقيسي , ليوقظ وحشية غيابه بذاتي من جديد )) , قولي لهم يا أختاه : (( لا تطمأنوا لشيء , فالساعة لا تفي بوعودها , لكم دروبكم ولنا دروبنا , التي لا تكترث لتقلبات الطقس , وفيها الشمس تهادن السحب , وننادي في العاشقين لقد نسيتم حقائبكم فلا تثقون بنا , ولكم الغياب )) .