الصحافة العراقية في عامها الـ156: أسئلة بلا أجوبة في زمن التحولات الكبرى

الصحافة العراقية في عامها الـ156: أسئلة بلا أجوبة في زمن التحولات الكبرى

مرت الذكرى السنوية الـ156 لتأسيس الصحافة العراقية، ولا تزال الأسئلة المؤجلة تتراكم فوق طاولات العمل المهجورة، وفي أروقة التحرير التي هجرتها أصوات المطابع، وسط ظروف إقليمية ودولية ساخنة، تتقدمها تداعيات الحرب الإسرائيلية على ايران، التي فرضت نفسها على المشهد الإعلامي والسياسي معا. وبينما تنشغل الصحافة الحرة في العالم بالتصدي للاضطرابات والصراعات بالحقائق والمهنية، نجد أن صحافتنا تقف على حافة الانهيار، وتواجه مصيرا غامضاً.
وبرغم رمزية المناسبة، لم تتمكن نقابة الصحفيين العراقيين حتى الان من ايجاد خريطة طريق لدعم الصحف مادياً أو معنوياً. إن السؤال الأكثر إلحاحاً: ما هو الدور الحقيقي للنقابة في ظل هذه التحديات البنيوية؟
هل يكفي إصدار بيان تهنئة أو اقامة حفل كل عام بينما تتوقف الصحف عن الصدور واحدة تلو الأخرى، فيما تتزايد اعداد اعضاء النقابة بشكل مخيف؟
إن النقابات المهنية في أوروبا، على سبيل المثال، كانت الحصن الحامي للإعلام الحر أثناء الأزمات، كما حدث في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث تدخلت الحكومات بدعم مباشر للمؤسسات الصحفية عبر إعفاءات ضريبية، وتمويل مباشر للصحف الورقية، ودعم اشتراكات القراء، وضمان حد أدنى لرواتب الصحفيين ومساعدتها في التحول الرقمي.
المعروف أن كليات الإعلام العراقية تخرج سنوياً المئات من الطلبة، يحملون طموحات كبيرة وشهادات لا تكفي وحدها لدخول سوق العمل. لكن ما الذي ينتظرهم بعد التخرج؟
الجواب المؤلم: العطالة، أو العمل بأجور رمزية لا تكفي لسد قوت عوائلهم واحتياجاتهم اليومية.
إن غياب استراتيجيات تشغيل واضحة لهؤلاء الخريجين، وغياب تنسيق فعّال بين وزارة التعليم العالي ووسائل الإعلام، أدى إلى هدر الطاقات الشابة، وزيادة فجوة الثقة بين التعليم الأكاديمي والواقع المهني.
من يحمي الصحفي؟ ومن يكرّم عائلته بعد رحيله؟
في بيئة صحفية محفوفة بالمخاطر، يبقى الصحفي العراقي الحلقة الأضعف. تهديدات، ابتزاز، ضغوط سياسية، وتهم جاهزة. ومن يسقط منهم ضحية لهذا المناخ لا يجد من يضمن لعائلته حتى “معاشا كريما”.
أليس من حقهم ضمان تقاعدي واضح؟
أليس من مسؤولية الدولة والنقابة ومنظمات المجتمع المدني أن تؤسس صندوق دعم خاص بعائلات الصحفيين المتوفين أو المتضررين؟
كيف نطلب من هذا الصحفي أن يكون حراً وشجاعاً ومهنياً؟
الكرامة تبدأ من الأمان الوظيفي، والعدالة تبدأ من كشف هذا الخلل المزمن.
الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي: غائب بحكم الإهمال والروتين في مؤسسات الدولة.
في بلدان عديدة، يتمتع الصحفيون بمظلة تأمين صحي وحقوق تقاعدية محترمة، بوصفهم صوت المجتمع وضميره. أما في العراق، فالرعاية الصحية للصحفيين تكاد تكون شبه معدومة او مجرد بيانات نسمع بها بين آونة واخرى، ويضطر الصحفي إلى الاستدانة إذا ألمّ به مرض، أو الوقوف في طوابير التوسل لدعم علاجي من هنا وهناك.
من الضروري اليوم إطلاق حملة وطنية تتضمن:
– تعديل قانون نقابة الصحفيين ليكون أكثر فاعلية في الدفاع عن حقوق المهنة والعاملين فيها.
– تشريع قانون خاص بدعم الصحافة الورقية والرقمية على غرار ما هو معمول به في دول الاتحاد الأوروبي.
– تأسيس صندوق خاص لدعم الصحف يمول من موازنة الدولة، أو من رسوم الإعلانات الحكومية.
-إطلاق مبادرة تشغيل وطني بالتعاون بين وزارات الإعلام، والعمل، والتعليم العالي، لتوظيف خريجي كليات الإعلام أو إعادة تأهيلهم للمنصات الرقمية الجديدة.
– تشكيل هيئة مستقلة لحماية الصحفيين تضم ممثلين عن النقابة، القضاء، ومنظمات المجتمع المدني.
في عامها السادس والخمسين بعد المئة، لا تحتاج الصحافة العراقية إلى التصفيق والتكريم بقدر حاجتها إلى الدعم الحقيقي والتشريعات العادلة. فحين يُكرم الصحفي في حياته لا نحتاج لتمجيده بعد وفاته.

أحدث المقالات

أحدث المقالات