تهاوت الموصل تحت وقع هدير عجلات داعش العابرة اليها من الحدود السورية ، وتلاشت قوة الردع العسكرية الرابضة فيها والمتكونة من ثلاث فرق بمختلف الصنوف العسكرية في وقت قياسي ، يستحق ان يكون ضيفا على صفحات كتاب غينيس للارقام القياسية .. فمن المسؤول عما حصل ..؟ولماذا اختار الارهابيون الموصل هذه المرة ..؟عند دخول قوات التحالف الغربي الى العراق عام 2003 كان اول ضحاياها هو تفتت الهيكلية التنظيمية للجيش العراقي واختفائه من الساحة العراقية كقوة فاعلة بأمكانها التعامل مع الجيوش الغازية حتى بعد الهزيمة ..وهذا امر تقليدي تمارسه بقايا الجيوش المهزومة في الحروب في محاولة للحفاظ على ما تبقى ..كما فعلت القيادة العليا للفير ماخت الالمانية بتوقيعها صك الاستسلام للحلفاء بقيادة اميركا وبريطانيا عام 1945بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ..وكما حدث في خيمة صفوان بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 ..لكن الذي حصل في العراق عام 2003 مختلف جدا عن التجارب التي سبقته فقد تلاشى الجيش بكافة صنوفه تحت وقع القصف الجوي وترسانة السلاح الفتاكة لقوات التحالف الغربي ..فلم يجد الغزاة او الفاتحين ، من يفاوضوهم ..فأصدر الحاكم المدني الاميركي بول بريمرقراره بحل الجيش العراقي في ايار 2003 وكان القرار عبارة عن اصدار شهادة وفاة لشخص قد مات منذ زمن بعيد ..وبعد شهر من هذا القرار اصدر قرار اخر باعادة تشكيل جيش عراقي جديد ، فنشئ هذا الكيان الجديد بخطى وئيدة ومرتبكة جدا ..ولم يلقى الدعم المطلوب من كل الحكومات التي توالت على حكم العراق بعد سقوط الصنم وحدث تلكؤ متعمد في مسئلة تسليحة واعداده تدخلت فيها عوامل وضغوط داخلية وخارجية خوفا من عودة هذه المؤسسة لوضعها الطبيعي مرة اخرى ولعب دور قد يراه البعض بانه مضر بمصالحهم السيتراتيجية ..مما تسبب في ضعفه وما حدث في الموصل خير دليل على ذلك ..لكن السؤال هنا ..لماذا لم يدافع اهالي الموصل انفسهم عن مدينتهم بعد فرار القطعات العسكرية من مدينتهم والتي اغلب منتسبيها من غير سكان المدينة ..؟ الم تصمد الموصل عام 1743 بوجه الغزو الصفوي بقيادة نادر شاه ..ولو كان من دخل المدينة مليشيات قادمة من مكان ما من العراق لتحولت المساجد في المدينة الى منابر لاعلان الجهاد ضد الغزاة ..ان ماحدث في الموصل ماهو الا احدى تجليات الفوضى السياسية والشرخ الاجتماعي الكبير الذي حدث في المجتمع العراقي بعد سقوط الصنم .. وهذه حقيقة يجب على الجميع مواجهتها ، فالانقسام الذي حدث بين مكوناته بين اناس فرحين بما اّلت اليه الامور وعودة الحكم اليهم بعد ان سلب منهم لاكثر من اربعة قرون ولا زالوا يتنازعون على كرسي الحكم الذي هو من حصتهم ..واخرون لازالوا يتباكون على الماضي القريب وغير قادرين على تقبل الواقع الجديد ويتحينون الفرص لاعادة عقارب الساعة الى الوراء ، والطرف الثالث استغل جميع هذه المتناقضات ليؤسس له كيان يكون اقوى من الجميع ويصبح بيضة القبان في اي معادلة سياسية فيه ..وبعد الذي حدث في الموصل اصبح بيضة القبان في المعادلة العسكرية ايضا لوقوع مدينة الموصل على تخوم دولته الفتية الغير معلنة ، ان هذه الفوضى وهذا التناحر بين ساسة العراق الجدد سمح للغير بالتدخل في شؤونه وتقرير مستقبله بعيدا عن مصالح شعبه ..واعتقد ان ما حدث ماهو الا مؤامرة دولية نتجت عن حفلة صلح بين اللاعبين الكبار في العالم ، الغرض منها تخفيف الضغط في سوريا وايجاد ملاذ للارهابيين الفارين من هناك خوفا من عودتهم لاوطانهم ..كما حدث في حمص القديمة عندما انسحبت قوات داعش من المدينة مع سلاحها عن طريق عقد صفقة معها .. ليقع الاختيار على الموصل لتكون الوطن البديل لداعش موقتا ثم تحويلها الى ساحة قتل لها في حرب سيطول امدها ..والخاسر الوحيد فيها هو الشعب العراقي الذي سيدفع ثمنها دماَ ومالاَ.