18 يونيو، 2025 12:20 م

البرنامج الصاروخي الإيراني : سلاح الهيبة واستراتيجية الردع

البرنامج الصاروخي الإيراني : سلاح الهيبة واستراتيجية الردع

يُعد البرنامج الصاروخي الإيراني واحداً من أكثر البرامج العسكرية تطوراً وإثارة للجدل في الشرق الأوسط ، إذ يمثل حجر الزاوية في العقيدة الدفاعية الإيرانية ، ووسيلة فاعلة في تنفيذ أهدافها الاستراتيجية الإقليمية والدولية. منذ نهاية الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينيات ، أدركت طهران أهمية امتلاك قوة ردع صاروخية تعوّض بها النقص في سلاح الجو وضعف قدراتها التقليدية ، وهو ما دفعها إلى تطوير برنامج محلي قائم على الاستنساخ والتطوير الذاتي، بدءاً من صواريخ سكود السوفيتية إلى نماذج أكثر تطوراً مثل “خرمشهر”، “سجيل”، و”قادر”.

يعتمد البرنامج الإيراني على مزيج من التقنيات التقليدية والابتكار المحلي ، مع الاستفادة من نقل المعرفة من كوريا الشمالية والصين في العقود الأولى ، ليتحول لاحقاً إلى صناعة مستقلة نسبياً. تمتلك إيران اليوم ترسانة واسعة من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى (SRBM وMRBM) ، يبلغ مداها من 300 إلى 2000 كيلومتر ، ما يجعلها قادرة على استهداف قواعد أمريكية في الخليج ، وإسرائيل ، ومواقع استراتيجية في الدول المجاورة. كما طورت إيران مؤخراً تقنيات الدفع الصلب التي تتيح إطلاقاً أسرع وصواريخ أكثر دقة ، وبدأت في اختبار رؤوس انزلاقية فرط صوتية ، وهو ما يضعها في نادي الدول القليلة التي تعمل على هذه التكنولوجيا.

من الناحية العملية ، يُستخدم البرنامج الصاروخي كأداة سياسية وعسكرية لتنفيذ عقيدة “الردع الفعال” ، وهو ما يتجلى في ردود إيران السريعة عبر صواريخ دقيقة على اغتيالات أو هجمات تطال مصالحها ، مثلما حدث في الرد على مقتل قاسم سليماني في قاعدة “عين الأسد” او ما يحصل هذه الأيام من استهداف أهداف حيوية داخل إسرائيل. كما يمنح إيران ورقة ضغط في مفاوضاتها النووية ، حيث ترفض ربط الصواريخ بأي اتفاق ، وتعتبرها جزءاً لا يقبل التفاوض من سيادتها.

إضافة إلى الجانب الدفاعي ، يخدم هذا البرنامج مشروع إيران الإقليمي المعروف بـ”محور المقاومة”. فقد زوّدت حلفاءها مثل حزب الله في لبنان ، والحوثيين في اليمن ، وفصائل في العراق وسوريا بتقنيات تصنيع الصواريخ ، أو نُسخ مصغرة منها ، وهو ما يُمكّن هؤلاء من تهديد خصوم إيران دون تدخل مباشر منها ، في نمط من الحرب بالوكالة المعقدة. وقد شكّل هذا التوزيع الإقليمي للصواريخ عامل توازن رعب ، خاصة تجاه إسرائيل التي باتت ترى في الجبهة الشمالية تهديداً حقيقياً.

أما مستقبل البرنامج ، فهو مرشح لمزيد من التطور من حيث الدقة والمدى والقدرة على المناورة. تعمل طهران على تقنيات الصواريخ الفرط صوتية ، والتي يصعب على أنظمة الدفاع الحالية اعتراضها ، كما تهدف إلى تطوير رؤوس متعددة قابلة للانفصال (MIRV) تقلل من فاعلية منظومات مثل “القبة الحديدية” و”باتريوت”. كما يُحتمل أن تتجه إيران إلى دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في توجيه الصواريخ ، وتحسين أنظمة الملاحة الداخلية (INS) لضمان دقة الإصابة دون الاعتماد على GPS الذي يمكن التشويش عليه.

لا يُمكن فهم الدور الحقيقي للبرنامج الصاروخي الإيراني من زاوية عسكرية فحسب ، بل يجب النظر إليه بوصفه تجسيداً لهوية استراتيجية أوسع تسعى بها إيران إلى فرض حضورها وهيبتها ، وفرض توازن ردع مع خصومها رغم الحصار والعقوبات. إنه ليس مجرد ترسانة ، بل منظومة متكاملة من التقنية والرسائل السياسية والطموح الإقليمي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات