في خطوة جريئة ومفصلية، شنت إسرائيل غارات جوية واسعة النطاق على منشآت عسكرية ونووية داخل إيران، في واحدة من أخطر المواجهات غير المعلنة رسمياً بين الجانبين منذ عقود. الضربة لم تكن مجرد عملية إسرائيلية معزولة، بل اتضح سريعاً أنها نتيجة تنسيق مباشر مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وربما بدعم غير معلن من أطراف عربية ساهمت في التمويل أو التسهيل اللوجستي. هذه العملية لم تستهدف فقط المنشآت، بل كانت تحمل في طياتها محاولة لإعادة رسم معادلة الردع في المنطقة، وكسر إرادة إيران السياسية والعسكرية في لحظة كانت فيها قريبة من التوصل لاتفاق نووي جديد مع الغرب.واشنطن من جهتها مارست لعبة معقدة من الخداع السياسي عبر الترويج لمسار تفاوضي كان في حقيقته غطاءً استخبارياً يهدف إلى تهدئة إيران وتحييد ردود أفعالها قبيل تنفيذ الضربة. الإيرانيون، رغم إدراكهم المسبق بأن شيئاً ما يُطبخ في الخفاء، اختاروا البقاء في دائرة التفاوض لكشف زيف نوايا الغرب وتسجيل موقف سياسي وأخلاقي يُظهر أن من أفشل التفاهم هو الطرف الآخر، لا الجمهورية الإسلامية.بعد هذا العدوان، جاء الرد الإيراني سريعاً ومدروساً، لكنه صادم في مضمونه وتكتيكه. للمرة الأولى، تستخدم إيران صواريخ فرط صوتية في صراع مباشر، وتوجهها نحو أهداف عسكرية إسرائيلية دقيقة. هذه الصواريخ ذات القدرات التدميرية العالية وسرعتها الخارقة أصابت معظم أهدافها بدقة، ما أحدث صدمة في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ودفع بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى رفع درجة التأهب إلى أقصاها. لكن إسرائيل، التي لم تستوعب طبيعة الرد الإيراني، لجأت فوراً إلى سلاحها المفضل: الإعلام والحرب النفسية. بدأت بترويج أن الصواريخ الإيرانية طالت أهدافاً مدنية، وأن هناك قتلى ودماراً بين السكان. الغرض من هذه الحملة واضح: خلق مبرر شرعي مزعوم للرد على منشآت مدنية داخل إيران، وتحويل مسار الصراع نحو استهداف البنى التحتية والحياة اليومية للشعب الإيراني، وبالتالي نشر الفوضى الداخلية والضغط على القيادة السياسية في طهران. وهي محاولة لخلق “رواية إنسانية” مزيفة أمام العالم، تُمكِّن إسرائيل من تصعيد مفتوح تحت غطاء الضحية.الرد الإيراني لم يكن عادياً لا من حيث طبيعة السلاح المستخدم ولا من حيث قرار القيادة بالرد المباشر من الأراضي الإيرانية. فهي لم تعتمد فقط على وكلائها الإقليميين، بل وجّهت رسالة استراتيجية مباشرة مفادها: “اليد التي تضربنا، سنرد عليها نحن، لا عبر غيرنا”. هذا القرار يُعيد الاعتبار إلى مبدأ الردع المتبادل، ويعني أن إيران تملك الثقة الكاملة بإمكاناتها العسكرية، وقدرتها على المواجهة المباشرة إن اقتضى الأمر.وإذا كانت إسرائيل قد راهنت على ضربة تشل إرادة إيران وتعيدها إلى الطاولة بشروط أقل، فإن الواقع الآن مختلف تماماً. ما بعد الرد الإيراني دخلنا مرحلة “كسر الإرادات”، لا مجرد رسائل نارية. إسرائيل تجد نفسها أمام خصم لا يخشى المواجهة ولا يُفكر بمنطق الخسارة والتكلفة فحسب، بل بمنطق توازن الرعب الاستراتيجي. والأسوأ بالنسبة لتل أبيب، أن هذا الرد قد يكون مجرد البداية، وربما تتبعه موجات أخرى من الردود المركبة، سواء عبر الصواريخ أو عبر تحريك الجبهات الأخرى في لبنان واليمن والعراق .
والشارع الإيراني، الذي حاولت إسرائيل تخويفه عبر التهويل الإعلامي، أظهر صلابة وتماسكاً، بل إن الرد الرسمي الإيراني أتى منسجماً مع نبض الشارع، وعبّر عن لحظة وطنية يُعاد فيها تعريف الكرامة والسيادة. أما المشهد الإقليمي، فأصبح على شفا تصعيد واسع، قد لا يقتصر على إيران وإسرائيل فقط، بل يهدد بجرّ المنطقة بأكملها إلى صراع مفتوح، تتداخل فيه الحسابات النووية مع الجبهات المتعددة والخطوط الحمراء الدولية.
في الختام، ما بعد هذه الضربة وهذا الرد، ليس كما قبله. قواعد الاشتباك تتغير، ومعها تتبدل التوازنات. الرد الإيراني عبر صواريخ فرط صوتية غيّر المعادلة جذرياً، وإسرائيل باتت اليوم في موقع من ينتظر الرد لا من يفرضه. وكل تطور قادم سيحمل رسالة جديدة في صراع قد يكتب فصلاً جديداً في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، يكون عنوانه “منطقة تقاتل على مستقبلها بكل ما تملك”