قد يقول قائل : وما علاقة الولايات المتحدة وإيران في تدهور الاوضاع في العراق بهذه الطريقة التراجيدية والمأساوية التي هي عليه الان ، بعد احداث الانبار ونينوى واحتمال سقوط محافظات اخرى في مسلسل مروع ومأساوي ، لكن المتتبع للسياسة الأميركية ومجريات الأحوال يؤكد ان الولايات المتحدة وإيران على علم بكل تفاصيل ما جرى ، كونها الحاضر الأكبر في العراق بعد إيران.
كلنا يتذكر كيف كان الاميركيون يرصدون أوضاع العراق في فترة ما بعد دخول العراق الى الكويت عام 1990 ، كان كبار المسؤولين الاميركيين وقادتها العسكريين الكبار يؤكدون ان الأقمار الصناعية الاميركية ترصد كل تحركات العراق صغيرة وكبيرة، بل راحوا الى أبعد من ذلك انهم قالوا ان الاقمار الصناعية ترصد اهدافا في العراق حتى ولو كانت بحجم ( البرتقالة ) ، ولا ندري هل ان الامريكيين بعد كل تقدمهم التكنولوجي المتسارع قد تدهورت أحوالهم الان وهم غير قادرين على رصد ما يجري في العراق؟!!
أليس كل عراقي يعرف أن الولايات المتحدة تعرف حتى الملابس الداخلية التي يرتديها كبار المسؤولين العراقيين وحتى عشيقاتهم ، وكيف يرتدين ملابسهن الداخلية عندما يتفرغون لهم لاغراض المداعبة سوى أثناء الدوام الرسمي او بعد حالة الاسترخاء، بل تعرفهم ماذا يطمحون ، وهي تدرك ان تحقيق حلمهم في السلطة هو آل المنال .. أجل هذه هي الحقيقة المرة ان الاميركان يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن العراق ، حتى لو كانت بحجم البرتقالة ، هذا ما تدلهم عليه الاقمار الصناعية ، التي تعطيهم مؤشرات حتى كيف تجري الحوال داخل الاجتماعات السياسية والمداولات الجارية في الخفاء ، لكن السؤال فيما اذا كانوا يعرفون أغنية البرتقالة وصاحبتها وكيف ترتدي فساتينها وملابسها ، أم يقصد بالبرتقالة الفاكهة التي نتداولها، لكن الاثنين يبدو متوقعا، أي بصريح العبارة ان الاميركان قادرون على ان يسيروا احوال العراق على هواهم، فان كان الارهاب يدعم خططهم في تقويض بقايا العراق من ركائز وبنية تحتية فهم لايتوانون عن القيام بذلك وهم يتعاونون مع الشيطان والجن لتحقيق ستراتيجيتهم في العراق، أما ان يتباكي الاميركان على تدهور احوال العراق وهم المشرفون على شؤونه وهم من عقدوا معاهدات ستراتيجية معه ، فهو من المضحكات المبكيات، لكن العراقيين يدركون أحوال ما جرى، ويعلمون علم اليقين ان كل ما يجري في العراق ، لابد وان تكون للولايات المتحدة ضلع فيه، ولن يقام اي حكم في العراق مهما كانت طبيعة هذا الحكم الا بمباركة من الامريكان وتحت إشرافهم.
أما ايران فهي البلد الذي يوازي حجم التاثير الاميركي في العراق ، فهناك أشيه بحالة ( تقاسم السلطة ) بين الولايات المتحدة وايران، وهم من يرسمون للاخرين الادوار وهم من يضعون الخطط لمواجهة الارهاب أو احتضانه، وكيف يقيمون امبراطوريات للارهاب وكيف يقضون عليها عندما تنتهي مصلحتهم معه، ولا يهمهم أمر الحاكم في العراق ، الا بقدر ما يقدم لهم من قرابين الطاعة والولاء، أما ان يقف الاميركان على طول الخط مع الحاكم في أي زمان مكان فهذا أمر لايتفق والسترتيجيات الاميركية ، فليس لدى الاميركان ( لحية مسرحة ) كما يقال في المثل العراق ويبيعون صديقهم في المزاد العلني عندما تحين ساعة خلاصهم منه او عندما يجدون ان ورقته احترقت ولم يعد بإمكانه ان يؤدي لهم دورا.
وايران هي الاخرى لها نظرية ربما أكثر دراماتيكية في العراق، وهي انهم قد سيطروا على كل صغيرة وكبيرة في العراق، وانتهى الامر عند هذا الحد مادام الأمر يتعلق بسوريا، فالعراق هو البوابة التي تتمكن بها ايران من السيطرة على مقدرات العراق وسوريا ولبنان والاردن والاقتراب من الخليج، واميركا تبارك لايران مسعاها هذا كونه يؤدي الى تحطيم قدرات اكبر بلدين في المنطقة كان العرب يعولون عليهم ان يكونوا هم قلعتها الصامدة بوجه التحديات واذا بهذين البلدين وقد تهاويا رغما عنهما وليس حبا بأمريكا ولا ايران، فوقوف ايران الى جانب سوريا هو ليس من اجل عيون بشار الأسد حتى وان كان علويا، ولكن لأن وجوده يحقق لايران رغبتها في السيطرة على مقدرات هذا البلد ، اذ لم يكن النظام في سوريا طائفيا في بدايات حكمه وكان يكن الود للعراق واحتضن ملايين العراقيين في الحرب الاميركية عليه، ووقف الى جانب العراق، وهذه شهادة للتاريخ يجب ان نضعها في تقييم المواقف عندما تتطلب الاحوال ان نكون صادقين مع ضميرنا وانفسنا، وكان بشار الأسد أكثر حبا لشعبه من قادة العراق لشعبهم وكان حريصا على بقاء سوريا قلعة العروبة ، لكن الرجل وقع امام تحديات خطيرة اضطرته لمسايرة الرغبات الاقليمية لمواجهة حالات استهداف تعرض لها، وكان الشعب السوري هو المتضرر الاكبر مما حصده من مآس وويلات عادت على شعبه بالكوارث والنكبات ، وكانت سوريا في عهده تعيش في بحبوحة من العيش يحسدها عليها الكثيرون ومنهم العراقيون أنفسهم الذين كانوا في البداية غير راضين عما جرى من أحوال في سوريا، وتحولت مدن سوريا الى اطلال دارسة والامريكان هم من شجعوا ايران على ان تدخل على الخط، لتحيل سوريا الى ركام ودمار، واطلال دارسة.
نعود الى الموقف الاميركي ازاء ما يجري في العراق ، فالاميركيون يستغربون كيف سقطت نينوى وتدهورت احوال العراق في الانبار والفلوجة وهم يرون الدمار الذي خلفته سياساتهم في العراق ، فهم وراء كل ما جرى للانبار ونينوى وكل مدن العراق يتحملونه مناصفة مع ايران وبعض الحاقدين على العراق من دول الخليج الذين لا ننكر انهم كانوا في الخفاء يقدمون الدعم لكل من يريد ان يقوض العراق ليعيش حالة الاحتراب، لكنه اذا ما قيس بحجم الخراب والدمار الاميركي الايراني وحجم تدخلهما في الشأن العراق فلا يتجاوز العشرة بالمائة في أكثر تفدير، ويتحمل الاميركيون والايرانيون مناصفة حجم التسعين بالمائة من التدخل في الشأن العراق، وهم من يرسمون الخطط ويضعون السيناريوهات، لكي يبقى العراق على هذه الحالة من الاصطراع والاقتتال وتسقط مدنهم الرئيسة الواحدة بعد الاخرى في تداعيات تشبه فترة ما بعد خروج العراق من الكويت وفرض قرارات جائرة على شعبه ما زال يدفع ثمنها حتى الان.
أجل انه حتى الطفل الصغير في العراق يدرك حقيقة ان كل ما جرى لللعراق وما تعرض له من اهوال وكوارث هو بتدبير امريكي ايراني، واذ أراد الاميركيون ان يغضوا النظر على طرف فقل انهم راضون عما يقيم من تحركات ومن احوال، المهم انه يخدمهم في نهاية المطاف، واذا كان الاميركيون لايعرفون فهذا مصيبة وان كانوا يعلمون فالمصيبة اعظم.
أما بيانات الشجب والاستكار من قبل الاميركان واعلان دعمهم للحكومة العراقية فهو من باب ذر الرماد في العيون ، ليس الا، لكن العراقيين يبقون في نهاية المطاف هم الخاسر الاكبر من كل مايجري لهم من اهوال ومصائب، وظلم وطغيان ساستهم الذين لم يحسنوا التعامل مع ملفات بلدهم ولم يعيروا لشعبهم الاهتمام، فوقع كل الذي وقع، ولكن العراق سيعود سالما بعون الله، لو خلصت النيات وأكتشفوا حقيقة ما يضمره لهم الآخرون ، وان يوم خلاص العراق من الطغيان وانتهاك الكرامات ليس ببعيد بعون الله وهمة الأخيار في العراق وهم كثيرون، إن أحسنوا قراءة تاريخهم، وعاد ساستهم الى رشدهم ليرسموا طريق خلاصه، وان يوم فجرهم ويوم ثأرهم لكرامتهم قريب بعون الله وهمة الاخيار من كل الطوائف والملل، اذا ما توحدوا وتكاتفوا ووضعوا لبنات انتقالهم الى الحالة الافضل، وهم قادرون على رسم معالم مستقبلهم على كل حال.