مللنا المصطلحات والافكار والمفاهيم والخطط والبرامج التي يتداولها السياسيون سواء في لقاءاتهم الخاصة او تلك التي يطلقونها عبر وسائل الاعلام. مللنا الكلام عن الانتخابات ومفوضيتها العليا المستقلة والكتلة الاكبر والغالبية السياسية والشراكة الوطنية والثلث والثلثين والكوتا وسانت ليغو والخارطة السياسية والولاية الثالثة وماذا تقول ايران ومن ذهب الى السعودية ومن عاد من الولايات المتحدة الاميركية. مللنا المؤامرات والمداهنات والصفقات والمساومات والمبادرات والتنديد بالتفجيرات. مللنا البرامج الحوارية والمقابلات الخاصة
والمؤتمرات الصحفية والشكاوى والطعون. مللنا اغنية “ياعراق شد حيلك كوم” وقصيدة “اذا الشعب يوما اراد الحياة”. مللنا تهديدات الشيخ علي الحاتم وردود السيدة حنان الفتلاوي ومسبحة طارق حرب. مللنا فيلم الرسالة عند كل راس سنة هجرية وبرنامج فطوركم علينه في كل رمضان ومسرحية الزعيم اول ايام العيد. مللنا المادة 4 ارهاب (سووها 5 يا اخي هو شنو الفرق), وقانون العفو العام, وبيانات المصدر الامني شريطة عدم ذكر اسمه, واخبار الطائرة الماليزية المفقودة.
ومن باب التغيير قرات قبل يومين مقالا للكاتب التونسي المنصف الوهايبي في “القدس العربي” احالني الى نوع من المفارقة الكتابية. يقول المنصف انه عثر على نص قصصي للكاتب السويسري بيتر بيخسل عنوانه “المائدة هي المائدة” تقوم فكرته الرئيسية على نوع من اللعبة اللغوية بطلها رجل عجوز يعيش في مدينة صغيرة، وتتلخّص حياته في أشياء قليلة بسيطة، تكاد تكون صورة من أشياء الكاتب الفرنسي جان جينيه . اراد هذا العجوز ان يغير كل شئ من حوله .. فتساءل مع نفسه .. لماذا لا أسمّي السرير لوحة؟ وراقتْ له اللعبة.. فقال وقد شعر بالإرهاق: «لأضطجعْ في اللوحة»، واستقرّ
رأيه على أن يسمّي المائدة سجّادة.. والكرسي منبّها.. والجريدة سريرا.. والمرآة كرسيّا.. والخزانة جريدة والسجّادة خزانة.. واللوحة مائدة.. وألبوم الصور مرآة.. سينام في اللوحة حتى الصباح.. سيدقّ ألبوم الصور.. فينهض ويقف فوق الخزانة.. ويخرج ملابسه من السجّادة.. ثمّ يتصفّح المرآة.. ويعثر على مائدة امه.
راق لي ان اطبق هذه اللعبة اللغوية على عمليتنا السياسية. وانسجاما مع قواعدها فسوف اسمي الطبقة السياسية “ريموت كونترول” والحراك السياسي “تلفزيون بلازما” والتداول السلمي للسلطة ” قوزي على تمن” والشراكة الوطنية “باميا” والاغلبية السياسية “محروك اصبعه” والكتل السياسية ” كص لحم” والمناصب السيادية “اكلة اليوم” والمحاصصة العرقية والطائفية “شوربة عدس” والاستحقاق الانتخابي “سبلت كنتوري” والمفاوضات بين الكتل “صمون حجري” ونظام سانت ليغو “شاي ابو الهول” واغلبية الثلثين ” سمك مقلي” والاجندات الخارجية “يخني دجاج” والحقائب الوزارية ” فواكه طازجة”
والجلسة الاولى للبرلمان “باقلاء بالدهن الحر” والكوتا” زلابية”. الان وقد استكملت مستلزمات تشكيل الحكومة القادمة فلاجلس تحت “السبلت الكنتوري” محركا الـ “الريموت كونترول” متابعا حركة “القوزي على التمن” مع الباميا و”المحروك اصبعه”. كيف اجتمعا؟ يجتمعون من باب “اليخني دجاج” التي تتناغم مع “اكلة اليوم” ممزوجة بشوربة العدس والصمون الحجري الذي يؤكل مع السمك المقلي و كص اللحم والباقلاء بالدهن الحر. كل شئ يهون من اجل الوطن. لكن المائدة لاتكتمل والاتفاقيات والمواثيق خصوصا مواثيق الشرف لايحلو توقيعها الا مع الفواكه الطازجة والشاي ابو الهيل وصينية الزلابية.. وموال .. ” عندك دكايك كشر ماردة كليبي مرد”.