10 يونيو، 2025 10:16 ص

العراق : العرف السياسي أم الاحتكام الدستوري

العراق : العرف السياسي أم الاحتكام الدستوري

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، مرّ النظام السياسي بتحولات متعددة بين الملكية والجمهورية ثم الديمقراطية البرلمانية بعد عام 2003. ورغم أن العراق اليوم يمتلك دستورًا دائمًا أُقرّ عام 2005، فإن التساؤل لا يزال قائمًا: هل يُدار الحكم في العراق وفقًا للدستور فعليًا، أم تُهيمن عليه الأعراف السياسية غير المكتوبة؟ في ظاهر الأمر، يبدو أن النظام السياسي العراقي يعتمد على دستور واضح المعالم ينصّ على أن العراق دولة اتحادية ديمقراطية نيابية، تقوم على الفصل بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات، وتوزيع الاختصاصات بين السلطات الثلاث. غير أن الواقع السياسي يكشف عن مفارقة كبيرة بين النصوص الدستورية والتطبيق العملي، حيث أن الأعراف السياسية غير الرسمية باتت تؤدي دورًا أكثر تأثيرًا من النصوص القانونية. منذ عام 2003، تكرّس نمط من المحاصصة الطائفية والعرقية في توزيع المناصب السيادية، فأصبحت رئاسة الجمهورية من نصيب الكرد، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة، دون أي نص دستوري يُلزم بذلك. كما أن تشكيل الحكومات يخضع لمبدأ “التوافق السياسي” بدلًا من اعتماد الأغلبية البرلمانية التي ينص عليها الدستور، مما أدى في كثير من الأحيان إلى أزمات سياسية وتأخير طويل في تشكيل الحكومات واختيار الرئاسات. كذلك، تلعب الأحزاب والكتل السياسية الدور الأبرز في تحديد مسار الحكم، ما يقلّص من استقلالية السلطات ويجعل العملية السياسية عرضة للجمود أو الانهيار في حال عدم الاتفاق بين القوى السياسية الفاعلة. ونتيجة لذلك، تأثرت هيبة مؤسسات الدولة، وتراجع احترام الدستور كمصدر أعلى للسلطات، فيما بات العرف السياسي هو الحاكم الفعلي في مفاصل عديدة من الدولة. هذا الواقع خلق حالة من انعدام الثقة بين المواطنين والنظام، وأدى إلى ضعف في تطبيق القانون، وتنامي النفوذ غير الرسمي في اتخاذ القرار. ورغم أن الأعراف السياسية ليست بالضرورة سلبية إذا جاءت مكملة للدستور، فإن خطورتها تكمن عندما تتحول إلى بديل للدستور، أو تُستخدم لتبرير انتهاكه. لذلك فإن الإصلاح السياسي في العراق يجب أن يبدأ بإعادة الاعتبار للدستور، من خلال الالتزام الصارم بنصوصه، وتعديل ما هو غامض أو قابل للتأويل فيه، والعمل على نشر ثقافة سياسية تحترم القانون وتحد من سطوة العرف. لا يمكن بناء دولة مستقرة ونظام حكم رشيد في ظل هذا التناقض المستمر بين الدستور والعرف، ولا سبيل إلى ذلك إلا من خلال إرادة سياسية واعية تُخضع العرف image0.jpeg لا العكس، وتجعل من النص الدستوري مرجعية حقيقية وملزمة لجميع القوى الفاعلة في الدولة .