قصة الحضارة (209):  قسم زيوس وإخوته العالم بينهم بطريق القرعة

قصة الحضارة (209):  قسم زيوس وإخوته العالم بينهم بطريق القرعة

خاص: قراءة- سماح عادل

يكمل الكتاب الحكي عن الآلهة اليونانية. ويحكي عن ان الخوف منهم هو ما كان يحكم البشر. وذلك في الحلقة التاسعة بعد المائتين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء

الآلهة..

يواصل الكتاب الحكي عن الآلهة في الحضارة اليونانية القديمة: “وكانت أكثر الآلهة رهبة تحت الأرض. ففي المغارات والشقوق وأمثالها من الفتحات السفلى، كانت تعيش تلك الآلهة الأرضية التي لم يكن اليونان يعبدونها بالنهار عبادة تنطوي على الحب والإجلال، بل كانوا يعبدونها ليلاً عبادة مصحوبة بأناشيد وطقوس تنم عن التوبة والهلع. وكانت هذه القوى غير البشرية هي المعبودات الحقيقية الأولى لبلاد اليونان، وكانت أقدم من معبودات الهيلينيين، بل لعلها أقدم من معبودات الميسينيين الذين نقلوها في أغلب الظن إلى بلاد اليونان نفسها.

ولو أننا استطعنا أن نتتبعها إلى أصلها الأول لكان في وسعنا أن نصل إلى أنها كانت في بدايتها الأرواح المنتقمة للحيوانات التي طردها الإنسان إلى الغابات أو إلى ما تحت الأرض في أثناء تقدمهم وتكاثرهم. وكان أعظم هذهِ الآلهة الأرضية هو زيوس الأرضي؛ وزيوس هنا اسم نكرة لا يعني أكثر من إله. وكان يسمى أحياناً زيوس ميلكيوس أي زيوس الخير؛ ولكن الوصف هنا أيضاً وصف خادع يقصد به استرضاء هذا الإله الذي كان مصور بصورة أفعى رهيبة.

وكان هاديز رب ما تحت الأرض أخا لزيوس وعند أخذ اسمه. وأراد اليونان أن يسكنوا غضبه فسموه بلوتو أي واهب الوفرة، لأنه كان في مقدوره أن يبارك أو يبيد جذور كل ما ينبت على سطح الأرض . وكان أشد من بلوتو روعة ورهبة الإلهة هكتي، وهي روح خبيثة تخرج من العالم السفلي وتسبب البؤس والشقاء بعينها الحاسدة الشريرة لكل مَن تزوره من الخلائق. وكان القليلو العلم من اليونان يقربون لها الجراء ليبعدوها عنهم.

الموتى..

عن الموتى يواصل الكتاب: “وكان الموتى قبل عصر اليونان المجيد يعدون أرواحا قادرة على أن تفعل للناس الخير والشر، وتسترضى بالقرابين والصلاة. ولم تكن هذه الأرواح آلهة بالمعنى الصحيح، ولكن الأسرة اليونانية البدائية كانت تعظم موتاها تعظيما يفوق تعظيمها أي إله من الآلهة، شأنها في هذا شأن الأسرة الصينية. وكان اليونان في عصرهم الزاهر يرهبون هذه الأشباح الغامضة أكثر مما يحبونها، وكانوا يسترضونها بطقوس ومراسم يقصد بها إبعادها واتقاء شرها، كما كانوا يفعلون في عيد أنثستريا.

وكانت عبادة الأبطال امتداداً لعبادة الموتى؛ فكان في وسع الآلهة أن تهب العظيم أو الشريف، أو الرجل الجميل أو المرأة الجميلة؛ الحياة الخالدة فتجعله أو تجعلها من بين الآلهة الصغرى. وكذلك كان سكان أولمبيا يقربون القرابين في كل عام إلى هبوداميا؛ وكانت كسندرا تعبد في لوكترا اللكونية ، وهلن في إسبارطة، وأوديب في كولونوس، وكان يحدث أحيانا أن ينزل الإله ويتقمص جسم إنسان، فيستحيل هذا الإنسان إلها، وقد يتصل الإله جنسيا مع امرأة من الآدميين فتلد بطلا- إلها كما فعل زيوس مع أكمينا فولدت هرقل”.

نسب..

ويضيف الكتاب: “وكان كثير من المدن والجماعات، وأبناء الحرف أنفسهم، يصلون أنسابهم ببطل من أبناء الآلهة؛ فكان أطباء اليونان مثلاً يصلون نسبهم إلى أسكلبيوس. وكان الإله في أول الأمر من الأسلاف أو الأبطال الموتى، كما كان المعبد في الأصل قبراً، ولا تزال الكنيسة حتى الآن في معظم البلاد مكاناً تحفظ فيه آثار الموتى القديسين.

ويمكن القول بوجه عام أن اليونان لم يكونوا يفرقون بين الآدميين والآلهة بقدر ما نفرق نحن بينهم؛ فقد كان كثير من آلهتهم لا يقلون في آدميتهم عن القديسين عندنا، اللهم إلا في مولدهم، وكانوا قريبين إلى عبادهم قرب القديسين إلينا؛ وكان بعضهم مثل ديونيسس يموتون وإن سموا بالخالدين”.

الآلهة الأولمبية..

وعن الآلهة الأولمبية يتابع الكتاب: “كانت هذه الآلهة كلها في المرتبة الثانية من الشهرة بين آلهة اليونان وإن لم تكن حتماً في المرتبة الثانية من التعظيم. ترى لأي سبب لا نسمع في شعر هومر عن هذه الآلهة إلا القليل، ولأي سبب نسمع عن الآلهة الأولمبية الشيء الكثير؟ أكبر الظن أن مرد هذا إلى أن آلهة ألمبس قد جاءت إلى البلاد مع الآخيين والدوريين وزلزلت عروش الآلهة اليسينية والأرضية، وغلبتها كما غلبت من كانوا يعبدونها.

وفي وسعنا أن نشاهد ما حدث للآلهة الأولى في دودونا  ودلفي حيث حل زيوس في المدينة الأولى محل جيا وحل أبلو محلها في الحالة الثانية. على أن الآلهة المغلوبة لم تُمح من الوجود محوا تاما بل بقيت خاضعة للآلهة الجديدة تأتمر بأمرها إذا صح أن نتحدث عن شؤون الآلهة بمثل هذا الحديث، فانزوت ذليلة تحت الأرض ولكنها ظلت موضع التبجيل من عامة الشعب؛ بينما كانت الآلهة الأولمبية المنتصرة تتقبل وهي مستوية على عروشها في أعلى الجبل صلوات عبادها الأشراف.

وهذا هو السبب في أن هومر الذي كان يكتب للصفوة المختارة لا يكاد يحدثنا بشيء عن آلهة الأرض. وهكذا أعن هومر وهزيود والمثالون الفاتحين أصحاب السلطة السياسية العليا على نشر عبادة الآلهة الأولمبية. وقد حدث في بعض الحالات أن اتحدت الآلهة الصغرى أو امتزجت بالكبرى، وأصبحت من حاشيتها أو أتباعها، كما كانت الدول الصغرى تنضم من حين إلى حين إلى الدول الأكبر منها أو تخضع لحكمها.

وهكذا خضعت جنيات الآجام صغارها وكبارها لديونيس، وخضعت حور البحار لبوسيدن كما خضعت الأرواح التي تقطن الغابات لأرتميس، واختفت الطقوس والأساطير الهمجية شيئا فشيئا على مر الأيام؛ وحلت محل الأساطير المضطربة التي كانت تصور الأرض ملآى بالشياطين حكومة للآلهة على شيء من النظام كانت في واقع أمرها مرآة ينعكس عليها ما طرأ على العالم اليوناني من استقرار سياسي آخذ بالنماء.”

زيوس..

وعن زيوس: “وكان على رأس هذا النظام الإلهي الجديد رب الأرباب زيوس العظيم؛ ولم يكن زيوس أول من وجد من الآلهة، فقد سبقه كما رأينا من قبل أورانوس وكرونوس، ولكنهما هما والجبابرة قد ثُلت عروشهم كما ثُلت عروش جيش الشيطان. وقسم زيوس وإخوته العالم ووزعوه فيما بينهم بطريق القرعة؛ فكانت السماء من نصيب زيوس، وكسب بوسيدن البحار، وكسب هيديز باطن الأرض.

وليس في أساطير اليونان ذكر لخلق العالم؛ فقد وجدت الأرض قبل أن توجد الآلهة ولم تخلق الآلهة الإنسان من حمأ بل خلقته من تزاوج الذكور منها بالإناث، أو بتزاوجها بأبنائها غير الخالدين؛ والله في دين اليونان ليس إلا ولداً، كما أن الآلهة الأولمبية ليست قادرة على كل شيء عارفة بكل شيء، بل إن كل واحد منها يحدد سلطان الآخر ويعارضه أحياناً، وكلها بما فيها زيوس نفسه يمكن أن يخدع؛ غير أنها على بكرة أبيها تقر له بالسيادة عليها، وتحشد في بلاطه كما يحتشد الأتباع في ساحة أمير إقطاعي؛ وهو وإن استشارها في بعض الشؤون، وعمل برأيها في بعضها وإن خالفت رأيه، كثيراً ما يزجرها ويلزمها أن تعرف قدر نفسها.

وهو يبدأ بأن يكون إلهاً للسماء والجبال، ومنزل المطر الذي لا غنى للناس عنه ، وهو في بعض صوره الأولى إله حرب كيهوه، يجادل نفسه هل ينهي حصار طروادة أو “يجعل الحرب أكثر مما كانت وحشية وإراقة للدماء” ويأخذ بالرأي الثاني. ثم يصبح بالتدريج حاكم الآلهة والبشر الهادئ القوي الجالس فوق أولمبس، الملتحي الوقور، رأس النظام الأخلاقي ومصدره في العالم كله، يعاقب غير البررة من الأبناء، ويحمي أملاك الأسرة، ويوثق الأيمان، يعاقب الخائنين، ويحفظ الحدود، والمساكن، والمتضرعين، والأضياف، وهو أخيرا المصدر الأعلى للأحكام الذي نحت فدياس تمثاله لأولمبيا.

عيبه الوحيد هو ما يدفعه إليه نزق الشباب من استسلام سريع للحب، وإذ لم يكن هو خالق النساء فإنه يعجب بهن ويراهن كائنات عجيبة تجد الآلهة نفسها فيهن موهبة الجمال والحنان، وهما صفتان تسموان عن كل تقدير؛ ويجد نفسه عاجزاً عن مقاومة إغرائهن . ويذكر هزيود ثبتا طويلا بمحبوبات الإله، وبما أنجبن منه من أبناء عظام. وكانت حبيبته الأولى ديوني، ولكنه يغادرها في أبيروس حين يهاجر إلى أولمبس في تساليا، وفيها تكون زوجته الأولى هي متيس إلهة الكيل، والعقل، والحكمة؛ ويترامى إليه أن أبناءها سينزلونه عن عرشه، فيبتلعها، ويأخذ منها صفاتها، ويصبح هو نفسه إله الحكمة؛ وتلد متيس أثينا في جوفه، وإذن فلابد من قطع رأسه حتى تخرج إلى العالم، ويحس هو بالوحدة والحادة إلى المؤنس الجميل فيتزوج ثميس وتلد له الساعات الأثنتي عشرة؛ ثم يتزوج يورينوم وتلد له إلاهات اللطف الثلاث؛ ثم يتزوج نموسيني وتلد له ربات الشعر التسع؛ ثم ليتو وينجب منها ولديه أبلو وأرتميس؛ ثم أخته دمتر وينجب منها برسفوني: فإذا ما صرف شبابه في الملاذ على هذا النحو تزوج آخر الأمر أخته هيرا وأجلسها ملكة على أولمبس فتلد له هيبي  وأريس  وهفستوف.

وأيليثيا، ولكن الشقاق يقع بينه وبينها، لأنها لا تق عنه سناً؛ وهي تلقى أكثر مما يلقى من التكريم في كثير من الدول اليونانية، وهي رعاية الزواج والأمومة، وحامية الروابط الزوجية؛ وهي ظريفة أنيقة، وقورة، فاضلة، لا يعجبها عبثه ومداعباته؛ وهي إلى هذا كله سليطة إلى أبعد حد. ويهم بأن يضربها، ولكنه يرى أن أيسر من ضربها عنده أن يفرج عن كربه بزيجات جديدة. وكانت نيوبي أولى زوجاته من الآدميين، وكانت آخرهن ألكمينا وهي من نسل نيوبي في الجيل السادس “.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة