سؤال إيراني .. أما زال “مسرح الشارع” حيًا ؟

سؤال إيراني .. أما زال “مسرح الشارع” حيًا ؟

خاص: ترجمة- د. محمد بناية:

لطالما كان المسرح الشارعي؛ كواحد من الأنواع الحيوية والشعبية للفنون الأدائية، وسيلة منذ القدم للتواصل المباشر مع الجمهور العام والتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية.

ويجري تقديم هذا الفن في الفضاءات المفتوحة مثل الشوارع، والحدائق، والميادين، ويتمتع بإمكانية كبيرة للتأثير على المجتمع وجذب الفئات المختلفة، بسبب طبيعته المجانية وسهولة الوصول. بحسب ما استهل الناقد “علي كلانتري”؛ مقالته التحليلية المنشورة بصحيفة (السياسة اليوم) الإيرانية.

وفي “إيران”؛ يضرب مسرح الشارع بجذوره في العروض التقليدية مثل التعزية، وعروض الحوض، لكنه تبلور كجنس مستقل متأثرًا بحركات المسرح الأوروبي في القرنين العشرين والواحد والعشرين؛ لا سيّما بعد ثورة “الاتحاد السوفياتي” والحركات الاجتماعية في فترة الستينيات.

مع هذا؛ يُصّارع هذا الفن في “إيران” تحديات عديدة ولم يتمكن؛ حتى الآن، من احتلال المكانة المناسبة بين الشعب وصناع السياسات الثقافية.

نشاطه في شوارع إيران اليوم..

ويُهييء “مسرح الشارع” في “إيران” فرصة الوصول المجاني إلى الفن بعكس المسارح التي تحتاج إلى قاعات مجهزة وتذاكر غالية السعر. وهذه الخصوصية جعلته وسيلة قوية للتواصل مع فئات المجتمع المختلفة، لا سيّما غير القادرين على التواجد في القاعات المسرحية.

ووفق التقارير المتداولة، قدمت خلال أعياد النيروز للعام 2025م، أكثر من خمسين فرقة مسرحية عروض سيارة على مستوى المدن الإيرانية؛ وبخاصة “طهران”، وقد حظيت هذه العروض بترحيب شعبي نسّبي.

وقد طرحت هذه العروض؛ التي عُرضت غالبًا في أجواء مفتوحة كالحدائق ومراكز البيع، مضامين اجتماعية وأخلاقية وأحيانًا سياسية بلغة سهلة ومفهومة للعموم. على سبيل المثال عرضت مسرحية (بشر مثقفون) من إخراج؛ “رضا فقيهي”، للمشكلة الثقافية بإحدى العمارات السكنية، ونجحت في جذب انتباه المشاهد عبر السخرية والنقد الاجتماعي.

طرح القضايا الاجتماعية بين الناس..

ومن أهم وظائف “مسرح الشارع”، قدرته على طرح القضايا الاجتماعية، وخلق حالة من الحوار في المجالات العامة. وقد أثبتت العروض المسرحية في “إيران” مثل عروض الشارع عبر مهرجان (فجر) للمسرح أو البرامج الخاصة مثل (أنا، وأنت، ونحن، والمسرح، والحياة، وكورونا) عام 2020م، قدرة هذا الفن على العمل كأداة للتعليم والتوعية. آنذاك قُدمت عروض الشارع في “طهران” وعدد من المحافظات الأخرى بغرض نشر ثقافة مراعاة البرتوكولات الصحية وتقوية الروح المجتمعية.

وقد أثبتت قدرات “مسرح الشارع” على تلبية متطلبات المجتمع اليومية. مع هذا لم يصل “مسرح الشارع”؛ حتى الآن، بحسّب الخبراء، إلى تعريف جامع، وأغلب العروض تُقدم بشكلٍ متفرق ودون تخطيط متناغم. وهذا التشرذم حال دون تحول “مسرح الشارع” إلى تيار قوي ومؤثر.

تحديات في طريق “مسرح الشارع”..

تقول “فريندخت زاهدي”؛ الباحثة المسرحية: “بعد الثورة وبسبب القضايا السياسية والحرب، انفصل هذا الفن عن الفضاءات العمومية، ولم يتمكن من التطور بشكلٍ كامل. مع هذا في إيران نماذج ناجحة عن مسرح الشارع. على سبيل المثال في العام 2002م؛ نجحت إحدى مسرحيات الشارع في (لنگرود-گيلان) في إثارة حالة من الجدل بين المشاهدين، أفضت إلى بلورة أجواء عمومية لنقد هذه المسرحية. وهذه الإنجازات تثبَّت امتلاك مسرح الشارع إمكانيات هائلة للتأثير على المجتمع، لكن انعدام الاستمرارية والدعم الهيكلي، حال دون الاستفادة الكاملة من قدرات هذا الجنس المسرحي”.

ومن التحديات الرئيسة التي تواجه “مسرح الشارع” في “إيران”، طبيعته السياسة والدعائية. فقد تبلور “مسرح الشارع” في العالم، وبخاصة “أميركا وأوروبا”، بغرض الاعتراض على قضايا من مثل “حرب فيتنام” أو الاستثمارات العالمية، لكن القيود السياسية والاجتماعية في “إيران”، تسببت في انفصال مضمون أغلب مسرحيات الشارع عن فلسفتها الأصلية المتمثلة في النقد الصريح والجريء.

حيث تنحصر أغلب عروض الشارع في “إيران”، في الموضوعات السطحية، وتترفع عن مناقشة قضايا اجتماعية عميقة. الأمر الذي أدى نوعًا ما إلى ضعف هوية “مسرح الشارع”. هذا بخلاف نقص البُنية التحتية اللازمة والدعم المالي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة