لازال صاحبنا الثمانيني مستغرقا في حبه المستحيل , وقد نشر اليوم : (( لكي لا تجف الروح!!!!! , يا نداوة فجر ضوكني الحنين يا حلاتك نبع يا شوك السنين !!!!!!!!)) , وهو أختيار يلامس بعضًا من الجمال والشجن الذي يحمله هذا المقطع الغنائي الرائع , من كلمات ناظم السماوي , والحان محمد جواد اموري , وغناء ياس خضر , التي تقول : (( لا يا روحي الدنيا ما تسوا زعل , لا يا روحي عمر وردة وما ذبل , يا نداوة فجر ضوكَني الحنين , يا حلاتك نبع يا شوكَـ السنين , لا يا روحي العشكَـ خضر وانشتل , لا يا روحي الدنيا ما تسوا الزعل , آنه يا روحي غريب وعيني للماشي بسفر, آنه يا روحي جرود عطشان لماي النهر , مرني طيف وهم اكَولن مرني طيف ,شريني جلمة وانه نسمة بوكت صيف , شريني كَمرة شريني سالوفة وامل , شريني كَمره الدنيا ما تسوا الزعل , لا يروحي الدنيا ما تسوا الزعل , نبع طولك والشعر ضي الشمس , حلو لونك اشكَر وفضة عرس , وانثرت بدروبك البسمات كل بسمة عمر , واصبرت والروح وحشة وانه ملاني الصبر , شريني كَمرة شريني سالوفة وامل , شريني كَمره الدنيا ما تسوا الزعل , لا يروحي الدنيا ما تسوا الزعل )) .

يا له من مطلع ساحر, يحمل بين طياته شجنًا عميقًا وجمالًا آسرًا , يدعو لنسج خيوطًا من الكلمات مستوحاة من هذا الإحساس المرهف , يا ندى الفجر , همسات الشوق في سكون البدايات , في سكون الفجر الندي , حيث لم تستيقظ الدنيا بعد من أحلامها , وحيث تتوشح الأشياء بلمسة من فضة , يداهمه الشوق كما يداهم النسيم أوراق الشجر, يا (( نداوة فجر ضوكني الحنين )) , كم هي عميقة هذه الصورة , إنها ليست مجرد قطرات ماء , بل هي لمسة رقيقة توقظ في الروح أشواقًا دفينة , تهز أوتار القلب بلحن عذب حزين , الفجر, ببداياته النقية وصفائه الساحر, يذكره ببدايات الحب , بتلك اللحظات الأولى التي تلامس فيها الأرواح بعضها البعض برقة وحذر , إنه زمن الوعد والأمل , حيث كل شيء ممكن , وحيث يرتسم المستقبل بألوان زاهية , ولكن , كما أن ندى الفجر سرعان ما يتبخر مع شروق الشمس , قد تذوي تلك البدايات الجميلة وتترك في القلب لوعة وشوقًا.

يا حلاتك نبع , عذوبة الذكرى في صحراء النسيان , ثم يأتي الشطر الثاني ليضيف بعدًا آخر من الجمال والحنين : (( يا حلاتك نبع )) , النبع , مصدر الحياة والارتواء في قلب الصحراء , يمثل في الذاكرة تلك اللحظات الصافية العذبة التي ارتوت بها الروح , إنها الذكرى الحلوة التي تتدفق رقراقة في صحراء النسيان القاحلة , تروي ظمأ القلب وتنعشه بعد طول جفاف , يا لها من صورة بديعة , الحبيب الغائب يصبح كالنبع العذب الذي لا يزال يروي الذاكرة بجمال أيامه , بالرغم من بعد المسافات وقسوة الظروف , تلك الحلاوة لا تمحوها الأيام , بل تزداد عذوبة مع مرور الوقت , لتصبح ككنز ثمين نعود إليه كلما اشتد بنا الوجد , يا شوك السنين , وخزات الماضي في حاضر الروح , أما (( يا شوك السنين )) , فهي اللمسة القاسية التي تذكرنا بمرارة الفراق وألم البعد , الشوك , رمز الألم والجرح , يمثل تلك الوخزات التي يتركها الماضي في حاضرنا , إنها الندوب التي لا تندمل بسهولة , والتي تذكرنا دائمًا بفقد الأحبة وقسوة الأيام .

هذا التناقض بين حلاوة النبع ووخز الشوك هو جوهر التجربة الإنسانية في الحب والفقد , إن الذكريات الجميلة لا تأتي وحدها , بل تحمل في طياتها أيضًا ألم الفراق والشوق الذي لا يزول , وكأن القلب يحمل في داخله بستانًا من الورود , ولكن بينها أيضًا بعض الأشواك التي تذكرنا بأن الجمال لا يخلو من ألم , في هذا المقطع الغنائي الموجز, تختزل أغنية ياس خضر بحسه المرهف مشاعرًا إنسانية عميقة ومعقدة , إنها ترسم لوحة شعرية بديعة تجمع بين جمال البدايات وعذوبة الذكريات ومرارة الفراق , ويا له من إلهام عذب يوقظ فينا الحنين ويلامس شغاف القلب .

نعود الى صاحبنا الثمانيني , الذي ينتقي مفرداته من كلمات الأغاني , فألى عهود قريبة كان العراقي في الريف او المدينة , في الحقل او الحانة , يدندن او يرفع عقيرته عاليا بالغناء اذا ما داهمته الوحدة او الوحشة , الغناء  حشيشتُنَا الْمُنْتقاةُ , رسائلنا الى مستوطني القلوب , سيّارةُ إسْعافٍ تُنْقذُنَا منَ السّكْتةِ الدّماغيّةِ وحسرة المستحيل , عصير القلوْبٍ التي تحبُّ الْحياةَ , الا ولّيْتُ وجْهِي صوْبَ الغناء لِأموتَ شعْراً , فلْنحب الغناء مَااسْتطعْنا, ونحن نعرف ان المغنون يتْبعُهُمُ الْغاوونَ , والمغنيات هنَّ الْغوايةُ , فأذا اوحشتك الدروب , وكنت وحيدا فغن ِّ, ارفع الصوت بأقصى ما تستطيع وغن ِّ, لا شيء يطرد الخوف كالغناء , وإن خسرت فغن ِّ, لاشيء يعوض الخسارة غير الغناء , رغم ان هناك خسائر لاتحتاج لان تعوضها  , فهي مجرد أعباء اثقلت كواهلنا بها سوء تصاريف الزمان  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات