خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
يعيش الصحافيون في “إيران” حاليًا واحدةً من أصعب فترات حياتهم؛ من الناحية النفسية والمادية والاجتماعية، فقد وصلت أوضاعهم إلى مرحلة الأزمة. بحسب ما استهل تقرير أعدته ونشرته صحيفة (سازندگى) الإيرانية.
يُعاني العديد منهم الاكتئاب والإرهاق والإحباط؛ فالضغوط العملية المُنهِكة، إلى جانب الدخل المحدود، والرقابة، والقيود، وتراكم الأخبار المحبطة اليومية، دفعَتهم إلى حافة العزلة.
كثيرون من هؤلاء الصحافيين إما فقدوا وظائفهم، أو اضطروا؛ (في سبيل توفير لقمة العيش والحفاظ على صحتهم النفسية)، إلى الابتعاد عن مهنة الصحافة وترك العمل؛ بعضهم لم يُعدّ قادرًا على العمل، بسبب الإحباط والاشمئزاز العميق من الظلم، والمحسوبية، والضغوط، وانهيار مساحة الصحافة المستقلة التي كانت يومًا ميدان عملهم. لقد انهار المشهد الإعلامي السابق، والآن لجأ بعض الصحافيين إلى العزلة.
شهادات من قلب “الأزمة الصامتة”..
هذه الأزمة الصامتة لها وجه إنساني ومؤلم، كشفته الروايات الشخصية للصحافيين أنفسهم. ففي أعقاب الأحداث المأساوية الأخيرة؛ (مثل وفاة الزميلة المخضرمة؛ “نزهت أميرآباديان”، بشكلٍ مفاجيء ومثيَّر للجدل)، اتخذ عدد من الصحافيين للمرة الأولى قرار التحدث عن معاناتهم الخفية.
وأشعل “أكبر منتجبى”؛ الصحافي المخضرم، بإثارة هذا الموضوع ودعوة زملائه للكتابة عن: “معاناة الاكتئاب وما الواجب فعله”، شرارة في هذا الظلام.
ما نُشر ردًا على هذه الدعوة كان روايات صادمة وصريحة عن الإرهاق والاكتئاب والإحباط التي ظلت مخبوءة مدة سنوات خلف الصمت المهني.
وقد كانت الصحافية السابقة؛ “مهسا جزيني”، أحد هذه الأصوات الحزينة؛ حيث قالت بنبرة حزينة وشاعرية: “نحن بحاجة إلى شيء نتشّبث به لوقف الكلب الأبيض للاكتئاب”. وتعترف بحاجتها إلى الأمل بشكلٍ يومي للتغلب على هذا الاكتئاب الكبير. وأضافت: “الاكتئاب مثل الكلب المسّعور يُهاجم روح الصحافيين”.
وخلف هذه الاستعارة اللاذعة، تكَّمن حقيقة مؤلمة: “جروح نفسية لصحافي حارب لسنوات من أجل مُثُل الحقيقة، وانتهى به المطاف إلى ترك مهنته بسبب فقدان الدافع والاكتئاب”.
وهناك اعترافات أكثر رعبًا؛ تتحدث “زهرا جعفر زاده”؛ الصحافية المتخصصة في الشؤون الاجتماعية، بشجاعة منقطعة النظير عن أكثر أفكارها الأكثر قتامة: “كنت أرى نفسي بقاع بئر، وفكرت في النهاية”.
تقول: “عندما زارت الطبيب أخيرًا، ورأى الأعراض الجسدية الناتجة عن الضغط العصبي – حتى حب الشباب على وجهي – كتب لها وصفة طبية بسيطة لكنها معبّرة عن حالتها: فلوكستين. من اليوم حتى…”. بهذه الجملة غير المكتملة، تكشف “زهرا” عن عمق المأساة: صحافية كانت تحكي قصص الآخرين وتُعالج آلام المجتمع، أصبحت الآن بحاجة إلى مضادات الاكتئاب؛ (فلوكستين)، لمواصلة الحياة.
نحو الحد الفاصل بين الحياة والموت..
بعض الروايات تصل إلى الحد الفاصل بين الحياة والموت. تروي “مرضية حسيني”؛ مراسلة إحدى الصحف المحلية، كيف دخلت بغيبوبة في يومٍ ما: “كنت في غيبوبة مدة يوم واحد… وأُضيف الاكتئاب [و] الهزيمة أمام عزرائيل إلى مصائبي”.
وهي هنا تعترف ضمنيًا بأنها اقتربت من الموت ورأت ملاك الموت (عزرائيل) أمام عينيها؛ وكأن الاكتئاب العميق أوصلها إلى حافة الهاوية.
تقول “مرضية”؛ إن شخصيتها انهارت بعد ذلك اليوم الأسود ولم تُعدّ قادرة على العودة إلى العمل؛ الصدمة النفسية من تلك الهزيمة وتجربة الاقتراب من الموت فرغت هذه الصحافية من الداخل؛ هذه المراسلة النشطة سابقًا أصبحت الآن حبيسة المنزل تواجه كوابيسها؛ لم يبق فيها حماسة للكتابة، ولا قوة للكفاح في البيئة الإعلامية الملوثة.
ختامًا، تؤكد هذه الروايات حقيقةً واحدة: وصل الصحافيون الإيرانيون، بعد سنوات من الضغوط وعدم الاستقرار الوظيفي والأخبار الكئيبة، إلى مرحلة الإرهاب العاطفي والنفسي؛ حيث تقتصر حياة الكثيرين منهم على غرفة في المنزل، مع ذكريات عن أحلام ضائعة ومرارة الظلم الذي شهدوه ولم يتحدثوا عنه.