طرق مبتكرة لمرشحي الأحزاب واستغلالهم للعوائل الفقيرة للسطو على بطاقاتهم الانتخابية؟

طرق مبتكرة لمرشحي الأحزاب واستغلالهم للعوائل الفقيرة للسطو على بطاقاتهم الانتخابية؟

في واحدة من أبشع صور استغلال الفقر والحاجة والعوز واستغلال المرضى منهم لتوزيع الادوية والعلاجات المجانية البسيطة ، برزت حاليا في محافظات جنوب العراق  ظاهرة جديدة تضاف إلى سجل الفساد الانتخابي، وان لم تبرز لغاية الآن هذه الظاهرة في وسائل الإعلام , ولكنها تبقى جهد مشكور عليه ومشاركة من قبل الراي العام وتفاعلهم مع الأحداث . في زيارات ميدانية يتخفى مرشحو الأحزاب تحت عباءة العمل التطوعي لخداع العوائل الفقيرة والمتعففة. هؤلاء المرشحون حاليا يجوبون الأقضية والنواحي وأطراف المحافظات، مدعين أن زياراتهم تهدف إلى (( تفقد )) أحوال الأسر الفقيرة لحل مشاكلهم الاجتماعية ودعم احتياجاتهم اليومية وتقديم علاجات وادوية مجانية ومن خلالها يتم السؤال عن تحديث بطاقاتهم الانتخابية، بينما الحقيقة هي أن هذه (( الزيارات التفقدية )) في ظاهرها ليست سوى مسرحية خبيثة وفي باطنها للاستيلاء على بطاقات الناخبين مقابل مبالغ مالية زهيدة تعطى لهم بالاضافة الى صرف ادوية وعلاجات الى المرضى منهم ، بهدف استغلالها لاحقًا في التصويت لصالحهم في الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 ت 2  2025.

هذه الظاهرة الجديدة ليست مجرد ممارسة غير طبيعية، بل هي جريمة موصوفة تهدد جوهر الديمقراطية وتنتهك إرادة المواطن العراقي. إنها استغلال سافر لحاجة الفقراء والمحرومين ، حيث يُستخدم المال السياسي كطعم لشراء بطاقات الناخبين، وتحويل صوتهم – الذي هو أداة التغيير الوحيدة التي يمتلكونها في أيديهم – إلى مجرد سلعة تُباع في بورصة السوق الانتخابي . هؤلاء المرشحون، الذين يتظاهرون بالإحسان والتقوى والعمل الخيري، لا يرون في هذه العوائل الفقيرة سوى مجرد أرقامًا في لعبة انتخابية، يسعون من خلالها لضمان مقاعد برلمانية تمنحهم الحصانة لمواصلة نهب ثروات البلاد.

إن هذا السلوك المدان يتجاوز حدود الخداع إلى الاستغلال المنظم لأضعف شرائح المجتمع. فبدلاً من أن يكون المرشحون قدوة في خدمة الشعب، يتحولون إلى تجار أصوات يستغلون فقر الناس وحاجتهم الماسة لتأمين لقمة العيش. والأشد قبحًا هو استغلال هؤلاء المرشحين لمظهر العمل التطوعي، وهو عمل نبيل يُفترض أن يكون خالصًا لخدمة المجتمع، ليحولوه إلى أداة للخداع والتلاعب. إن هذا التناقض بين الظاهر والباطن يكشف عن نفاق سياسي لا يقل خطورة عن الفساد نفسه.

إن تداعيات هذه الظاهرة الكارثية تتمثل بأنها : تُكرس انعدام الثقة بالعملية الانتخابية، حيث يرى المواطن أن صوته ليس تعبيرًا عن إرادته، بل أصبح سلعة تُباع لمن يدفع أكثر. وإنها تضمن وصول نواب إلى البرلمان لا يمثلون الشعب، بل يمثلون جشعهم وطموحاتهم الشخصية، مستغلين الحصانة البرلمانية لتكريس الفساد والإثراء غير المشروع. وإنها تعمق معاناة الفقراء، حيث يتم استغلالهم في لحظة ضعفهم وعوزهم وفاقتهم، مما يجعلهم أداة طيعة في يد من يُفترض أن يكونوا ممثليهم.

والسؤال الملح هنا: أين دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات؟ أين الرقابة على هذه الممارسات؟ وأين القضاء الذي يفترض أن يحاسب من يتاجر بأصوات الناخبين؟ إن غياب الإجراءات الحازمة يُشجع هؤلاء المرشحين على مواصلة ألاعيبهم، مستغلين غياب المحاسبة وسكوت المجتمع . إن هذه الظاهرة ليست مجرد انتهاك انتخابي، بل هي طعنة في قلب العدالة الاجتماعية، حيث يُستغل أفقر الناس لخدمة أطماع الأغنياء.

إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهدًا جماعيًا. وعلى المواطن العراقي أن يدرك أن بطاقته الانتخابية ليست سلعة، بل هي أمانة ومسؤولية وطنية. عليه أن يرفض هذه الصفقات المشبوهة، حتى وإن كان في أمس الحاجة إلى المال، لأن بيع صوته هو بيع لمستقبله ومستقبل أبنائه. وعلى منظمات المجتمع المدني أن تقوم بدورها الرقابي وبالاشتراك والتعاون مع مختلف وسائل الإعلام وأن تكثف جهودها في توعية الناخبين، والكشف علنا لهذه الممارسات وعلى الجهات الرسمية، بما في ذلك المفوضية والقضاء، أن تتخذ إجراءات صارمة تشمل معاقبة المرشحين المتورطين وتجريدهم من أهلية الترشح.

يتربص قادة الأحزاب السياسية، المتشبثين بكراسيهم عبر تحالفاتهم المشبوهة، بقلق مريب من موجة الإحباط واليأس الشعبي المتفاقم، الذي يدفع المواطنين إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، لعلمهم اليقيني بأنها مجرد مسرحية هزلية لن تجلب جديدًا. فهذه الانتخابات، التي يُهيمن عليها جشع الأحزاب التقليدية، لن تُحدث تغييرًا يُذكر، بل ستظل عاجزة عن تحسين الوضع المعيشي للمواطن أو توفير فرص عمل له. إن هيمنة هذه الأحزاب التي تدعي في ظاهرها الإسلام والتقية ولكن في باطنها يتمثل جشعهم للسلطة والمناصب في أتعس صوره  ، التي نهبت أحلام الشعب، لتُغرق الشارع العراقي في مزيد من الإحباط والياس ، وتقتل أي أمل في مشاركة فعّالة لإحداث تغيير حقيقي، تاركةً الواقع غارقًا في وحل الفساد والتخلف.

 

إن ظاهرة استغلال العوائل الفقيرة والمتعففة تحت ذريعة العمل (( التطوعي )) هي وصمة فساد صارخ على جبين العملية السياسية وإنها خيانة لقيم الديمقراطية والعدالة المجتمعية، وتأكيد على أن بعض المرشحين لا يرون في الشعب سوى وسيلة لتحقيق مكاسبهم . فلنقل لا لهذا الخداع، ولنحافظ على صوتنا كسلاح للتغيير، لا كسلعة في سوق الفساد. إن العراق يستحق برلمانًا يمثل إرادة شعبه، لا تجار الحصانة وسماسرة الأصوات تحت عباءة مساعدة الفقراء.

[email protected]

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات