عرق التدريب يقلل من دماء المعركة

عرق التدريب يقلل من دماء المعركة

خلال الايام قليلة ذهب عدد من الشباب العراقي ضحايا عنف مدبر ساهم فيه اشخاص ينتسبون الى مؤسسات رسمية ولعل أبرزها هي حادثة اغتيال او وفاة الشاب المهندس بشير خالد وكان ابطالها اشخاص ينتسبون الى مؤسسة يفترض ان واجبها المحافظة على الامن وخاصة امن المواطن ووفق سياقات قانونية محددة ف الدستور والتشريعات النافذة اما الحالة الثانية والتي باتت قضية راي عام والتي ذهب ضحيتها أيضا مهندس فارق الحياة واخرين لا تخلو حالتهم من خطورة ناتجة عن سوء معاملة وقسوى في اتباع سياقات تدريبية في مؤسسه عسكرية معنية بتدريب وتهيئة قادة المستقبل من ضباط الجيش العراقي الباسل والمشهود لخريجي هذه المؤسسة العسكرية بالكفاءة والرصانة على المستوى الإقليمي والدولي سابقا اما حاليا فالأمور اختلفت كثيرا وبعد هذه الاسطر التمهيدية نعود الى حادثة البارحة التي وقعت في الكلية العسكرية في الناصرية حيث اشارت الاخبار والمعلومات الى تعرض اثنين من طلبتها الملتحقين حديثا الى الوفاة وعدد اخر تم نقلهم الى المستشفى كما تشير الاخبار ان سبب او أسباب هذه الحادثة هو تعرضهم الى اشعة الشمس الملتهبة لساعات طويلة دون حساب ومراعاة السياقات التدريبية السليمة وكذلك اتخاذ متطلبات مثل هذه الصيغة التدريبية من حيث توفير المياه والطعام والتجهيزات اللازمة لهذا التمرين ان صح وصف الواقعة .

اعتقد الذي بمثل اعمارنا التي تجاوزت الستين ممن عاشوا داخل العراق اغلبيتهم ان لم اقل جميعهم قد خضعوا واخضعوا للتدريبات العسكرية من خلال انخراطهم في الخدمة العسكرية الإلزامية والاجبارية او من خلال التطوع في الجيش العراقي في مؤسساته في ذلك الوقت واقصد فترة الحروب المتتالية وابرز هذه المؤسسات هي الكلية العسكرية وكانت واحدة فقط ورديفتها كلية الضباط الاحتياط التي ينظم اليها خريجوا الكليات والمعاهد بدلا من سوقهم الى الخدمة الإلزامية بعد توفر الشروط اللازمة في طلبتها وكذلك توجد الكلية الفنية العسكرية وهي معنية بأعداد وتخريج ضباط الهندسة بكافة الاختصاصات اما ما دون الضباط من الرتب فهناك العديد من مراكز التدريب العسكري لتأهيلوتخريج النواب ضباط والمراتب من المتطوعين وغير المتطوعين وفي مختلف الصنوف ولكل هذه المؤسسات شروطا يجب توفرها للذي يرغب الالتحاق بها فضلا عن اللياقة الصحية والبدنية .

وكاتب هذه السطور تخرج من الجامعة في منصف ثمانينيات القرن المنصرم وبعد عدة أسابيع تم سوقنا الى كلية الضباط الاحتياط في بغداد وكنا من كافة جامعات العراق ومن مختلف الكليات العلمية والإنسانية واذكر ان دورتنا هي الدورة (38 أ) أي دورة الناجحون في الدور الأول وكان التحاقنا في  الخريف وقبل بداية الشتاء واتذكر جيدا وربما من يقرا ما اكتبه من هذه الدورة كيف تم استقبالنا المنظم من قبل الضباط وضباط الصف ووفق الجداول والاسماء المعدة مسبقا وأول شيء فعلوه معنا وتحت اشراف الضباط هو ادخالنا صالون الحلاقة وحلاقة الشعر نمره أربعة بحيث كل هذه الاعداد من الملتحقين لم يستغرق وقت حلاقتهم الا زمن قليل جدا بعدها استلمنا التجهيزات العسكرية وهي بدلة التدريب (العرضات) والتي لم تكن وفق قياساتنا الا ما ندر باستثناء غطاء الراس (البيريه) وكذلك (البسطال) الذي يلبس في القدم بعدها قام عريف عبد الله وهو عريف الفصيل شخص عسكري محترف من الناصرية بأول محاضرة لنا وربما تستغربون ان قلت لكم هذه المحاضرة وتحت اشراف الملازم عبد الكريم امر فصيلنا بكيفية ربط قيطان البسطال والتي سيلازمنا طيلة فترة خدمتنا العسكرية وكذلك كيفية ارتداء غطاء الراس البيريه وحتى اختصر كثيرا فجر اليوم الثاني ابتدأ منهاج التدريب والوقوف في ساحة العراضات الواسعة والاستماع الى كيفية تقديم الموجود من قبل صاحب الصوت الجهوري وكانه اسد في صوته وفي شكله وهو المرحوم في وقتها برتبة مقدم مبدر امر الفوج الى امر الكلية العميد الركن عبد الجليل محسن ليبدأ التدريب من ذلك اليوم والأيام التي تلته وفق سياقات الكلية والجدول المعد لكل يوم وكانت في الأسابيع الأولى مركزا على التدريب البدني لغرض رفع اللياقة البدنية مع ضبط المسير والتقاليد العسكرية وكيفية التعامل مع المافوق والمادون وكان يتخلل ذلك بعض العقوبات العسكرية الجمعية للفصيل كاملا او لاحد الطلبة عند ارتكاب احد الأخطاء التدريبية واغلبه او اكثرها كان الجدوى منها هو رفع لياقة الطالب مثل الهرولة الى السارية والعودة الى مكان الفصيل وكانت المسافة ليست بالمسافة القصير وكانت تشق علينا في البداية ولكن مع الأيام صرنا نطلبها نتيجة قسوة البرد وعدم السماح لنا بارتداء أي شيء سوى بدلة العرضات وتحتها الملابس الداخلية فقط فكانت الهرولة تشعرنا بشيء من الدفو وهنا في هذا الصدد وبالمقارنة مع ما جرى في الكلية العسكرية في الناصرية اروي لكم هذه الحادثة التي لا انساها ما حييت وكيف تم معالجتها من قيل امر الكلية بالحكمة لعل يتعلم منها القادة الجدد ان كانوا يطالعوا ما يدون او ينشر . كان احد الفصائل وطلابه جلهم من خريجوا الكليات الهندسية امر هذا الفصيل أتذكر اسمه وشكله أيضا واسمه ظافر محمد كاظم وكان برتبة ملازم اول كان هذا الضابط يتفنن في معاقبة طلاب فصيله مع نعتهم بنعوت سوقية وبذيئة ومنها كلمة (مطي) وغيرها من الكلمات وبعد ما يقارب الشهر او اكثر اجتمع امر الكلية بكافة الطلبة في قاعة كانت تسمى قاعة السينما وقبل ان يحضر امر الكلية جلسه المقدم مبدر رحمة الله على روحه مخاطبا الطلبة بهذه العبارات (سيحضر امر الكلية بعد قليل واي مشكلة عدكم اطرحوها حتى ان كانت تتعلق بي شخصيا وسيكون هو وحده معكم فقط دون أي ضابط او منتسب من الكلية ) بالفعل غادر المنصة هو وامري الفصائل جميعا وحضر العميد وتكلم عن الكلية والمرحلة التي وصلنا اليها من التدريب والمراحل التالية وبعدها طلب من أي طالب لديه ملاحظة او مشكلة ان يتكلم بعد تقديم نفسه وفصيله وبالفعل تكلم عدد من الطلبة عن التدريب وشدته وعدم اخذ القسط الكافي من الراحة فكان جوابه مبهرا حيث أجاب بالتالي (ولدي عندما اتنامون وتستيقظون هل تكونوا متعبين ام مرتاحين ؟) وهنا كانت الإجابة نعم مرتاحين فعقب اذن لا مشكلة وبعدها نهض طالب من الطلبة وكان في منتهى الشجاعة وتكلم بقوة بعد ان قدمنفسه انه من الفصيل الذي امره الملازم اول ظافر وقال للأمر عبارات لازلت اتذكرها ( سيدي نحن نقبل كافة العقوبات البدنية وهذا عادي جدا ولكن ان نهان من قبل امر الفصيل فهذا مؤلم ونحن خريجين كليات ومتعلمين ) عندها تغيرت نبرات ونظرات امر الكلية وقال بالحرف الواحد (لا اسمح نهائيا بإهانة أي طالب لان ذلك يتعلق بكرامته ومن تهان كرامته لا يمكنه ان يدافع عن وطنه ونفسه) وشكر الطالب وانهى اللقاء مع الطلبة .

في صباح اليوم الثاني وبعد تقديم الموجود والاذن بالانصراف الى التدريب واذا بصوت امر الفوج المقدم مبدر يصدح بالعبارة التالية (امراء الفصائل هنا) فانسحب امراء الفصائل بعيدا عن حلقات التدريب وشكلوا مربعا او مستطيلا ناقص ضلع قبالة امر الكلية العميد الركن عبد الجليل محسن وكونهم بعيدا عنا لم نسمع أي كلام دار بينهم وبين الامر وبعد اكثر من نصف ساعة عادوا الى فصائلهم بغير الحالة التي ذهبوا بها ومن ذلك اليوم لم يصدر من ملازم اول ظافر أي فعل او كلام تجاه فصيله وكذلك بقية امراء الفصائل.

واستمر التدريب البدني وانتهى وبعده بدأ التدريب على الأسلحة والمحاضرات وهنا شعرنا بنوع من الراحة بعد العناء من التدريب البدني وتحسن لياقتنا البدنية.شاهدنا على موضوع الكلية العسكرية في الناصرية وكلامي موجهة لكل العاملين في المجال الأكاديميالعسكري هل لازالت هذه السياقات متبعة ام جرى عليها تغيير بعد الاحتلال؟ بالمناسبة كان من جراء التدريب البدني والذي لا يخلو من عنف وخاصة في بداية الدورة ان نشاهد طالب يسقط على الأرض فاقدا الوعي أقول او من يهرع اليه حاملا له هو امر الفوج يرحمه الله هل هذا ما فعله امر فوج الناصرية وهل يفعل ذلك امر الكلية ولا اريد ان أتكلم عن الاخرين وأقول عندما نريد ان نصنع ابطال يجب مراعاة كل الظروف سواء الطبيعية من طقس ومناخ او من التطور التقني والعلمي وكذلك السياقات العسكرية والضبط ولا نجعل الوصول الى ذلك بترك الطلبة لساعات طويلة تحت اشعة الشمس ودرجة الحرارة تقارب نصف درجة الغليان تحت ذريعة القسوى في التدريب هذا ليس تدريب ولايوجد في مناهج التدريب العسكري الاولي مثل هذه الأمور وذا وجدت ربما تكون في أصناف معينة من المقاتلين كان يكونوا مقاتلي النخبة او القوات الخاصة وختاما لصناعة الابطال عوامل معنوية قبل ان تكون جسديه ياترى هل يتم مراعاة ذلك ؟