مع صباح هذا اليوم تناقلت الأخبار رحيل المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينه، مساء أمس الثالث والعشرين من ماي عام 2025 عن عمر 95 عاما، ويا لها من مصادفة حيث ينعقد مهرجان “كان” ومن برامجه إضافة لمنح الجوائز،هو الاحتفال بكلاسيكيات |”كان“ السينمائية وأهمها الذكرى الخمسين لنيل الأخضر حامينه السعفة الذهبية، لفلم “وقائع سنوات الجمر” في عام 1975 إخراجاً وكتابة للسيناريو.، وتأتي أهميته إضافة لكونه الفلم العربي والأفريقي الأول الذي يحظى بهذه الجائزة المرموقة زد على ذلك بأهمية أكبر حين عكس نضال الشعب الجزائري في سنوات الاحتلال الفرنسي وهي بحق سنوات الجمر نظراً للاضطهاد والاستغلال وأساليب بربرية جسدتها سياسة الأرض المحروقة، والإعدام بالمقصلة للثوار الجزائريين، وتلويث الصحراء الكبرى نتيجة لإجراء التجارب النووية حيث لازال يولد أطفال مشوهون من سكانها.
ومن خلال عملي في الجزائر لنحو عشر سنين ومخالطتي للثوار، وزيارتي لمواقعهم التي احتضنتهم، كانت المدن ملكاً للفرنسيين أما الجزائريين فيسكنون في مدن قصديرية وأكواخ في أطراف المدن يطلق عليها الكرابة (بالكاف الفارسية)..وكان الجزائريون في بلدهم بنظر الاستعمار مواطنين من الدرجة الثانية، حيث لا يقبلون في المدارس الفرنسية إلا لماما، مما يضطرون الى تكوين مدار الزوايا التي تعلمهم العربية والقرآن، والخدمات الصحية تكاد تكون منعدمة، والأرض الخصبة استولى عليها المعمرون (الكولون)الفرنسيون والاسبان لتنتج العنب من الدرجة الأولى ليتحول إلى أجود الخمور تصدرهافرنسا كخمور فرنسية تنافس خمور بوردو وبورغونييه! وكذلك الحال مع الأجبان واللحوم!وكانت مناجم الحديد في الوينزة تستغلها فرنسا لصناعة سياراتها؛ وأكثر من كتب عن ذلك، المنظّر الثوري فرانز فانون من جزر المارتنيك الذي خدم في الجزائر كطبيب للأمراض العقلية في مستشفى مدينة البليدة (جنوب الجزائر بنحو 60 كم) في كتابه الهام ” معذبو الأرض” وكذلك ما كتبه الفيلسوف جان بول سارتر في كتابه “عارنا في الجزائر”. ناهيك عن أفلام أخرى مثل “معركة الجزائر” 1966 للمخرج جيلو كونتيكورفو، و “جميلة بوحيرد”عام 1958 للمخرج يوسف شاهين..
ولد محمد الأخضر حامينه في المسيلة عام 1934، وقد أكمل دراسته في الجزائر، وتابع دراسته في فرنسا ومن ثم تونس، وكانت معايشته للواقع الجزائري إبان الاستعمار الفرنسي قد انطبعت في ذهنه ناهيك عن تأثره بما شاهده من أفلام شحذت مخيلته وزادت من شغفه بصناعة السينما، حتى إذا استقلت الجزائر تفجرت موهبته فقدم أول فلم له “ريح الأوراس”عام 1966 إخراجاً وسيناريو الذي أثبت فيه موهبة كبيرة حيث نافس فلمه الكبار وتمِّ تثمينه جيداً، استمر ليخرج ستة أفلام أخرى هامة ليتوج بالسعفة الذهبية في مهرجان “كان”عام 1975 لفلمة ” وقائع سنوات الجمر”..مخرجاً وكاتب سيناريو وممثلا! ومما يعبر عن وطنية وتواضع حامينه، حين رجع متوجا بالسعفة الذهبية استقبله الرئيس هواري بومدين قدمها له قائلا: هذه هديتي للشعب الجزائري فهو صاحب الهدية تعلمت من أمي وأب ومن كل شعبي فهو بطلها وهو الذي يستحقها ..لقد كان اضافة لموهبته إنسانياً تقدمياً أحب الكادحين الذين شكلوا مادة أفلامه بشكل رئيس.
كان آخر فلم له هو “غروب الظلال” عام 2014 أخرجه وهو في عمر ثمانين سنة حيث ختم نشاطه السينمائي وظلا متابعاً للسينما ولا يمنعه تقدم العمر، شكلت أعمال حامينه مدرسة سينمائية ملتزمة وذات فنية عالية جعلت الجزائر متقدمة في صناعة السينما والمسلسلات التلفزيونية التي بطلها بحق الشعب الجزائري، وملهمة لجيل السينمائيين الجزائريين الذين أعقبوه!