تحالف السوداني الانتخابي: بين تحديات الداخل والخارج

تحالف السوداني الانتخابي: بين تحديات الداخل والخارج

في خطوة سياسية مفاجئة داخل البيت الشيعي العراقي، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تشكيل “ائتلاف الإعمار والتنمية”، استعداداً لخوض الانتخابات المقبلة، بعيداً عن عباءة “الإطار التنسيقي” الذي جاء به إلى السلطة. خطوة وُصفت بالجرأة من البعض، وبالمغامرة غير المحسوبة من البعض الآخر، لما تنطوي عليه من دلالات داخلية وخارجية معقدة.

انسلاخ أم إعادة تموضع داخل الإطار؟

رغم ما يظهر من محاولة للانفكاك عن الإطار التنسيقي، إلا أن طبيعة الشخصيات المنضوية في التحالف الجديد تكشف عكسذلك، حيث يضم كلاً من:

تيار الفراتين برئاسة السوداني نفسه، فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، إياد علاوي، زعيم ائتلاف الوطنية، نصيف الخطابي، محافظ كربلاء، أحمد الأسدي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية وهو قيادي في الحشد أيضاً، إلى جانب كيانات محلية أخرى ذات مرجعية شيعية واضحة.

ويبدو هذا التحالف بمثابة “إطار معدل”، يسعى إلى تسويق نفسه بلغة الإنجاز والإعمار، لكنه لا يخرج فعلياً عن دائرة الحشد والولاءات الشيعية المتجذرة.

تغييب السنّة رغم دعمهم السابق

اللافت، وخلال فترة حكمه، تلقى السوداني دعماً غير محدود من عدة قيادات سنية، أبرزهم الحلبوسي والخنجر وغيرهما كثر، حيث وفروا له الغطاء السياسي بكافة الأشكال.

بيد أن المفارقة لم يُترجم هذا الدعم إلى تمثيل في تحالفه الجديد، ما يطرح تساؤلات جدية حول رؤيته للتمثيل الوطني.

في حين تعرض السوداني إلى حملات تسقيط وطعن وتشكيك وحتى تخوين من حلفائه “الشيعة” أبرزها بدأت بدعوته للرئيس السوري أحمد الشرع للمشاركة في القمة العربية ولقائه به في الدوحة ولم تنتهِ قبيل انعقاد القمة، من ممارسات أحرجته حينما تحدوه في إزالةصور وشعارات المليشيات الولائية من طريق المطار.

هذا التجاهل قد يُفهم على أنه موقف انتقائي، يُكرّس النهج الطائفي الذي لطالما ادعى السوداني تجاوزه. ويُحتمل أن يدفع السنّة مستقبلاً إلى إعادة النظر في تقديم الدعم له أو التحالف مع أطراف منافسة.

تحالف محفوف بالمخاطر: الفياض والأسدي نموذجًا

انضمام شخصيات مثيرة للجدل مثل فالح الفياض وأحمد الأسدي يضع التحالف الجديد أمام تحديات داخلية وخارجية معقدة:

الفياض، بصفته رئيس هيئة الحشد الشعبي، يترأس مؤسسة تتهمها جهات حقوقية بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، لا سيما في المناطق الغربية والشمالية، وحزام بغداد.

كما أن الرجل مُدرج أيضاً على قائمة العقوبات الأمريكية منذ عام 2021، بتهم تتعلق بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وهذا يعني أن تحالف السوداني معه يرسل إشارات سلبية إلى المجتمع الدولي، ويضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، التي ما زالت لاعباً رئيساً في العراق.

الأسدي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية الحالي، وقيادي في الحشد، يفتح الباب أمام استخدام الموارد الحكومية والوزارية في التأثير على الناخبين، خصوصاً من خلال ملفات حساسة مثل الرعاية الاجتماعية والتوظيف، في سلوك يُشبه ما وصفه البعض بـ”شراء أصوات مقنّع”.

تحدي واشنطن… مناورة أم مواجهة مباشرة؟

تحالف السوداني مع شخصيات معاقبة أمريكياً لا يمكن عزله عن التوتر في العلاقة بين بغداد وواشنطن.

الولايات المتحدة تراقب بدقة مسار الانتخابات العراقية، وتحذر من أي محاولة لتكريس نفوذ الفصائل الموالية لإيران، وفي هذا السياق، فإن تحالف السوداني يبدو وكأنه يختار الصدام بدل الاعتدال أو التقارب.

السؤال المطروح:

هل يمتلك السوداني القدرة على مواجهة الضغط الأمريكي؟

أم أن هذا التحالف مجرد ورقة تفاوضية قد يضحي بها لاحقًا مقابل بقاءه في السلطة أو ضمان قبول خارجي مشروط؟

منجزات مشكوك بها… وورقة انتخابية محدودة

السوداني يعوّل في تحالفه الانتخابي على منجزات حكومته في الإعمار والخدمات، ويتحدث عن تشييد 35 جسرًا في بغداد، وتعبيد عشرات الطرق، وتحسين بعض البنى التحتية.

لكن الشارع العراقي، وبخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة، لا ترى في هذه الأعمال سوى تحسينات شكلية لا تمس جوهر الأزمة: لا بطالة حُلّت،ولا استثمارات حقيقية جُذبت، ولا خدمات أساسية تحسنت في المحافظات الأكثر تهميشاً

الخلاصة

تحالف السوداني الجديد يحمل ملامح مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر:

داخلياً: قد يخسر فيه دعم مكوّنات سنية وكردية شعروا بالتهميش.

شيعياً: لا يزال أسيراً لتحالفات الحشد والإطار، ولو بوجه جديد.

خارجياً: فتح باب الصدام مع واشنطن، ما لم يغير التحالف لاحقاً.

شعبياً: قد لا يجد فيه المواطن تغييراً حقيقياً، بل إعادة تدوير للوجوه والسياسات القديمةـ سيما واةنه متهم بتقديم المال للخارج مساعدات – على  حساب المواطن العراقي نفسه.

الرهان الآن على وعي الشارع العراقي، ومدى إدراكه لحقيقة هذا التحالف: هل هو مشروع وطني فعلي؟ أم مجرد محاولة للبقاء في السلطة عبر تحالفات طائفية وشخصيات مثيرة للجدل؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات